أنت هنا

قراءة كتاب نقد الفكر اليومي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نقد الفكر اليومي

نقد الفكر اليومي

كتاب " نقد الفكر اليومي " ، تأليف مهدي عامل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

نستبق فنقول: إن هذا المنطق الذي يقول الحروب جميعها، من أول التاريخ ـ وربما من قبل أيضاً ـ، إلى آخر التاريخ، ـ وربما من بعد أيضاً ـ، لا يقول شيئاً سوى أن الحرب هي الحرب في كل الحروب. وهذا فراغ القول نفسه.
ثانياً، أن هذا المنطق الذي هو واحد في كل الحروب، هو أيضاً واحد «لدى المتحاربين جميعاً»، أي لدى أطراف الحرب الواحدة، لا يختلف عند طرف فيها عنه عند طرف آخر، مهما اختلفت الأطراف التي تجري بينها حرب. إنه، بتعبير آخر، واحد لدى القوى الاستعمارية في حرب التحرير الوطنية الجزائرية، مثلاً، ولدى الطرف النقيض، أي الشعب الجزائري. وقس على هذا ما تريد. وهو المنطق نفسه، لا اختلاف فيه بين القوى الثورية والقوى المضادة للثورة، في ثورة أوكتوبر، أو في الثورة الصينية أو الكوبية أو غيرها، وهو المنطق إياه في كل صراع طبقي يأخذ شكل الحرب الأهلية، أو شكل الثورة، يستوي فيه النقيضان على قاعدة إلغاء التناقض بينهما، في حركة من التجريد تلغي كل اختلاف ـ وبالاختلاف وحده يكون التناقض ـ، ليس بين الحروب، أو بين أطراف الصراع في كل منها وحسب، بل بين المواقف والمواقع أيضاً، وبشكل أعمّ، بين الوقائع كلها وبين النقائض فيها، فتقوم الأشياء، حينئذ، بتماثلها، كالرمل على الرمل، ويستقيم القول لفكر عدمي، أو ما يشبهه، إن هذا هو ذاك، حتى لو كان نقيضه، إذ لا اختلاف بين الضد والضد، بل تماثل يقيمه المنطق الشكلي بينهما، بتجريد الواحد من اختلاف هو به ضد للآخر. على مثل هذا التجريد يقوم التعميم، على إفقار للواقع تستحيل به المعرفة فراغاً من القول، كما في قولك، مثلاً، إن الحرب هي الحرب لأنها الحرب في كل الحروب، أو في قولك أيضاً إن الضد مثيل للضد لأنه الضد في كل الأضداد، أو في قولك، قياساً على ما سبق، «إن للحرب منطقاً واحداً لدى المتحاربين جميعاً».
يقتصد صاحب هذا القول في تفسير قوله، فيحيل القارىء إلى مقال آخر له، بعنوان «نقطة وحيدة للوفاق» (27)، يفتتحه بهذا التنبيه: «ليس ما يلي مقالاً في السياسة، بل تمرين في الدياليكتيك الهيجلي» (28). نقرأ المقال، عملاً بنصيحة صاحبه، فنتبيّن، بسرعة، أن صاحبه أخطأ في تقويمهمرتين: مرة حين نفى عنه تهمة السياسة، ومرة حين اتهمه بالانتماء إلى الدياليكتيك الهيجلي، أو قل حين اتهم هذا الدياليكتيك به. صحيح أن هذا المقال تمرين، كما يقول عنه صاحبه. لكنه تمرين في الإنشاء (29)، تتلذذ فيه الألفاظ بالألفاظ في حركة فارغة هي ابتذال للدياليكتيك الهيجلي. يجري الكلام، في هذا المقال، على الحرب الأهلية في لبنان، في مرحلة تاريخية محددة من تطورها، هي التي طُرحت فيها قضية «الوفاق». لكنه يأخذ فيه شكل الكلام المجرد على حرب مجردة، حتى يتسنّى له التحرر من قيود النظر في الشروط المادية لهذه الحرب. ففراغ القول، إذن، يلبس هذا الشكل الذي هو، في الحقيقة، الشكل المنطقي الملائم لقول محدد هو قول سياسي في هذه الحرب بالذات، ينطلق فيها من موقع سياسي محدّد، ويتخذ منها موقفاً سياسياً محدداً. وظيفة هذا الشكل تغييب السياسي حتى يوهم القول بأنه يستوي فوق السياسة، خارج كل موقع، أي في موقع المطلق الذي منه ينطق في فراغ هو الوجه الآخر للمطلق. وما هذا الوهم بجديد. إن له من العمر عمر الفلسفة في ايديولوجيات الطبقات المسيطرة. به يتسلح ذلك القول في هجومه على الوعي اليومي، يحضّه على أن يكون له من السياسة موقفه منها. وموقفه أن «السياسة وسيلة للحرب» (30)، وأن «غاية الحربالموت المتجدد» (31). في سماء هذه «الفلسفة» التي تقول السياسة مواربة ـ ومن عادة ايديولوجيات الطبقات المسيطرة جميعاً أن تقول السياسة مواربة ـ يُصاغ موقف يتكرر فيه قالب من الفكر رأيناه سابقاً يتكرر في فراغ العلاقة المجردة بين الحياة والموت، أو بين الحياة والسياسة. على قاعدة الفكر البورجوازي المسيطر يصاغ هذا الموقف الذي يدين السياسة، باسم الحياة، فيرى فيها أداة للحرب تقود إلى الموت.

الصفحات