كتاب " الإرهابي الأخير " ، تأليف فوزي ذبيان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ووما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإرهابي الأخير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإرهابي الأخير
4
أمضي سائراً في المساء...
بين زهور الحقل..
مخلفاً على الطريق ماء حزني.
في الجبل المنعزل
تبدو مقبرة القرية..
مثل حقل مزروع
ببذور الجماجم..
وشجرات سرو أزهرتْ
مثل رؤوس هائلة..
ترقب الأفق
بألم وقلق..
بمحاجر فارغة
وشعر مخضرّ...
على حين غرة قرر الأخير أن يعود إلى المدرسة ويصالح معلمة التاريخ بأن يقدم لها باقة من الورد الأحمر.
تسلق سور ال؟يلا العالي وقفز إلى داخل الحديقة حيث جعل يزحف كالأفعى وصولاً إلى ركن صغير مليئً بالورود. بعض من أصدقائه الأشقياء كانوا ينتظرونه عند حافة السور ويعملون على مراقبة ال؟يلا من الداخل. كل ال؟يلا كانت معتمة إلا غرفة صغيرة في الطابق الثاني حيث ظل امرأة عجوز كان يروح ويجيء بتواتر يزهق منه حتى الله.
كمية كبيرة من الورد كان الأخير يحتضنها راكضاً باتجاه السور. أخذ يرمي الورد إلى رفاقه، ثم جرجر نفسه إلى ما فوق السور حيث عمل هو وهؤلاء الرفاق ركضاً وقد تلقفوا الورد بقبضاتهم.
لم تهتم المعلمة بورد الأخير. أخذته منه بلامبالاة وأمرته بتعجرف أن يعود إلى مقعده ويجلس صامتاً. لم ينتبه في أوج ما يعبق به الآن من ورد أحمر مرمي فوق الطاولة بإهمال، بتفاصيل معركة تاريخية كانت المعلمة تشرحها بإسهاب.
فالأخير، وهو الأكثر جرأة على سرقة الورود، لم تعامله وروده اليوم إلا كمحض هامش عند هذه الفراشة المتوحشة. تقدم وفي خضم المعركة التاريخية وبدون استئذان بل وبدون تفكير أيضاً فحمل وروده من فوق الطاولة وخرج من الصف وقد عبقت عيناه بالدمع وبالورد المرمي فوق الطاولة بازدراء. لم تردعه صاحبة التاريخ ولم تتوجه إليه حتى بكلمة واحدة. فتح باب الصف خائباً وصوت وقع قدميه الراكضتين في الرواق انتهى بأن شوهد عبر إحدى النوافذ يركض والورد يشرشر خلفه مقتولاً، مضرجاً بزفت الطريق.
إنه لوركا الشاعر الإسباني الملتهب الذي قضى شاباً...
جعل يقرأه حتى ساعات الفجر الأولى. أغلق الكتاب وحاول النوم، لكنه وما إن وضع رأسه فوق الوسادة حتى أجهش بالبكاء دفعة واحدة. لم يفهم ماذا تعني الحرب الأهلية، لكن حزنه على لوركا فرّخ في رأسه حروباً.
"مع طلوع الشمس سأذهب لألم الورد من فوق الطريق". قطع أنفاسه وجعل يكبت نهنهته وقد تحركت أمه في فراشها فخاف أن تستفيق. "لا يحق لأحد أن يترك الورد مشرداً"... ثم، وقد تلفلف بالشرشف حتى آخر رأسه: "لا يجب أن يُترك الورد يتيماً".
بملابسه الخضراء المتسخة جداً وببرميله الأخضر يجره أمامه بزهق، كان عامل السوكلين يرفع الورد عن الأرض بملقط معدني ويرمي به في البرميل دون أن يعير اهتماماً لهذا الولد الذاهب إلى المدرسة في هذا الوقت الباكر. أما الورد وقد اتسم بهذه السوكلينية الفجة، فقد تيتم بما يكفي ليصير إلى محض زبالة.
يا نيسان الإلهي..
الذي يأتي..
محملاً بالشمس والعطور..
املأ الجماجم المزهرة..
أعشاشاً من ذهب.
ثم أغلق الكتاب منقطعاً عن لوركا وتوجه إلى الصف مع قرع الجرس.