كتاب " الإرهابي الأخير " ، تأليف فوزي ذبيان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ووما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإرهابي الأخير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإرهابي الأخير
10
حتى اليوم، لا أحد يدري ماذا كان يدور في رأس دوستويفسكي أثناء نومه. فالرجل كان نائماً عن بكرة أبيه حتى أنه لم يكن يتنفس بالمرة. بعض أشياء المكان حاولت ترتيب نفسها بأن تعود إلى ما كانت عليه من وضع رتيب، لكن جمود دوستويفسكي النائم انعكس على العالم جموداً أشد، فإذا بهذه الأشياء تحافظ عنوة على ما ألمّ بها من دوستويفسكية كما شاهدنا منذ قليل.
بقيت الأشياء المحطمة في إطار من التناثر الجلي، وبعض الأثاث رتب شقلبته بأن حافظ على هذه الشقلبة كما أرادها هذا النائم البلانفَس. لست أدري كم استمرت نوبة النوم التي استبدت بدوستويفسكي، لكن حدسي أنبأني أن نوم الرجل طال كثيراً، أكثر مما تتحمل أحداث الرواية بكثير.
نعم، نام دوستويفسكي كثيراً فوق الكرسي الهزاز وكأني بنومه ينم عن عدم ما إذا سمحتم لي أن أستعمل هذا التعبير القلق واللائق جداً لسوء الحظ. من الممكن أن أتكلم كثيراً عن العالم الخارجي أثناء نوم دوستويفسكي وعما يحفل به هذا العالم من كل شيء. لكني، واحتراماً مني لما يختمر عادة في رأس هذا الرجل من داخل محموم، لن أعمد إلى أي خارج، فأجعله مطية لبعض كلمات هذا الكتاب. فدوستويفسكي، وهو الجواني بعمق، يأبى بنفسه أن يندرج في مجرى البراني السائل. فالأحداث، وإن كانت أحداثاً، فإنها تظل...
لحظة! إنه يبتسم. حسناً، يبدو أن ملاحظتي الأخيرة لاقت استحسان هذا النائم. صار يقهقه كالمجنون أثناء نومه الأكيد. جعل يضحك وكأن ثمة من يكركره عند أسفل قدميه أو عند خاصرتيه أو في أمكنة أخرى من جسده النائم. ضحك كثيراً ثم عاد فاستكان إلى لزاجة نومه الذي اتفقنا على أنه يشبه العدم... العدم اللزج.
طار صواب المكان، وكاد أن يجن من هذا العبق الدبق. ماذا عليّ أن أفعل كي أستأنف موجوداتي؟ كأني بالمكان يسأل نفسه هذا السؤال وقد ملّ نوم دوستويفسكي وجموده الماكر كما قالت إحدى الكنبات الواربة.
لم تتعود أشياء هذا المكان هذا الخليط الفج من الفوق تحت والتحت فوق. إنها أشياء انسيابية إلى أقصى الحدود، لا تتحمل تعرجات دوستويفسكي وانطعاجاته. سجادة حمراء مجعلكة عند أسفلها أخذت تشدّ من أزر نفسها بأن تحاول بسط جزئها المجعلك، لكن محاولتها باءت بالفشل. فهذا النائم هنا حال دون أي محاولة بسط أو تجليس يمكن أن تقوم بها أي قطعة أثاث. كان نائماً بالكامل، وأراد لنومه ان ينسحب على كل ما جاوره من أشياء ومن أغراض... يليق به أن يُكنّى في هذه الأثناء بـ"دوستويفسكي النائم".
مثل أشياء المكان، أصبتُ بموجة من الملل الشديد.ماذا عساي أقص وموضوع قصي تلقف الأحداث محض نوم وفير؟ ماذا سأكتب عن حركاته وقد لخصّتْ هذه الحركات نفسها جسداً مسترخياً فوق كرسي هزاز بعينين مغمضتين ورأس متدل فوق رقبة مطعوجة إلى الأمام ومعطف مشدود؟ بعض أشخاص الروايات ليسوا إلَّا وبالاً على مؤلفي هذه الروايات، لا ريب في ذلك!
للحظات كرهتُ دوستويفسكي وحقدت عليه. ما ذنبي أنا إذا لم تبادله أشياء المكان همه، فتكشف له مخبأ صاحب الظل التعيس؟! هل أنا حليف القطط في مؤامراتها ضد دوستويفسكي المتلهف؟ نعم، أخمّن أن دوستويفسكي يحسبني متآمراً ضد مشروعه في هذا الكتاب، فينام ويتركني أجهد نفسي في ترقب لحظات لا تقدم في أحداث الرواية و لا تؤخر... إن دوستويفسكي لئيم.
كاد نوم دوستويفسكي أن ينتقل إليّ من كثرة السأم، لكنني قاومتُ النعاس باستبسال، إذ ربما كان في نومي غفلة عن أحداث هامة قد تقع فجأة! السجادة الحمراء المجعلكة عند آخرها عادت لتشد جزءها المجعلك علّه ينبسط بعض الشيء، وتلك الكنبة الواربة عملت بلا طائل على تجليس نفسها بضعة سنتمترات. أما الأواني المحطمة، فيبدو أنها أدرى بمزاج دوستويفسكي ومآلاته، فأنا رأيتُ إليها محطمة، فقط محطمة بدون أدنى محاولة لإعادة ترميم نفسها من جديد. طاولة خشبية صغيرة ارتاحت إلى زاوية اختارها لها دوستويفسكي أثناء نوبة غضبه أرى إليها تحافظ على قوائمها الأربع متوجهة صوب السقف.
ليتني أوان زجاجية محطمة أو طاولة خشبية مقلوبة فوق الأرض، فأجاري دوستويفسكي في مزاجه وأرتاح من هذا السرد. أحسب أن دوستويفسكي النائم يراقبني الآن من وراء نومه، فيسجل ما أدوّن من أحداث متوقعاً مني أن أدونه مستيقظاً ساعة أشاء. لكن، كلا، لن أقع في هذا الخطأ الجسيم... هل أنا مجنون لأعاند دوستويفسكي في إرادته؟ فلينم قدر ما يشاء وأنا له بالمرصاد!