كتاب " الإرهابي الأخير " ، تأليف فوزي ذبيان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ووما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإرهابي الأخير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإرهابي الأخير
6
"وستظل ضبعاً الخ..." هكذا هتف بي الشيطان الذي توجني
بأزهار الخشخاش الجميلة.
"أدركْ الموت بكل شهواتك وأنانيتكَ وجميع الآثام التي
لا تُغتَفر".
آه! لقد تحملتُ أكثر مما يطاق: ولكن، أيا إبليس العزيز،
أتوسل إليك، نظرة أقل شذراً! وفي انتظار الخسائس
الصغيرة المتوقعة، أنتزعُ لك، أنت يا من تحب في
الكاتب التجرد من ملكات الوصف أو الإرشاد،
هذه الصفحات البشعة القليلة من كراسة لعين رجيم.
إنها المرة الأولى التي يرى فيها الأخير إلى جثة إنسان بأم العين. ما كاد أصدقاؤه يشيرون عليه بدخول المقبرة، حتى وافق على الفور.
تقع هذه المقبرة على هامش منطقة زراعية غير مأهولة بالمرة. لم يكن ثمة ناطور أو زائرين، لم يكن في المكان إلا شواهد القبور التي تستدعي إيقاظ الميت لحظة قراءة اسمه. مساحات صغيرة من الرخام المستطيل أو المربع حُفر عليها اسم الفقيد ووقت ميلاده ووقت الموت. بعض شجرات الحور التي لطالما تمثلها الأخير ورفاقه أشباحاً تترنح أو أمواج سماء هي وحدها جيرة هذه المقابر الحزينة.
اقترب الأخير من التابوت الخشبي الذي نخره السوس بإصرار، وجعل يلكشه بعصا غليظة كانت معه. كانت الرائحة داخل المقبرة لا تشي سوى بتقيؤ مؤجل وبحالات من الغثيان عمل الأولاد جاهدين على تجنبها. لم يتحمل التابوت المسكين ضربات الأخير ولكشات عصاه، فانهار حتى آخره مصدراً طرطقة فاجأت الجميع.
هل الموت يتعدى أن يكون عبث الدود بالجسد؟ أي من رفاق الأخير لم يسأل هذا السؤال، لكنه كان سؤال الأخير بصوت يخافت الصدر بشدة.
كانت الجثة جثة امرأة، قال الأخير داحشاً عصاه ما بين فخذيها إذا جاز لي أن أستعمل هذا التعبير اللاإنساني. ربما الموت هو هذا الدود يعبث بالجسد! شقلب الأولاد الجثة حيث دود الموت ببرودته العجيبة يواظب على دوديته بحرية فوق أنحاء الجسد. غريب أمر هذا الدود، قال أحد الأولاد، إنه لا يخاف فيسرع الزحف بعيداً عن بطش حشريتنا. على العكس، كان الدود وكأن الجسد ملك له منذ ملايين السنين مسترسلاً في تأكيد موت المرأة بحركته البطيئة والواثقة من نفسها بإفراط.
لا الأخير ولا أي من رفاقه أخبر الكبار عن عبثهم بجثة المرأة. يبدو أن للموت وقاره حتى لدى الأولاد الأشقياء.
لم يمض يومان على تعاطي الأخير مع دود المكان حتى شاعت خبرية الأشباح في طول بلدة الأخير وعرضها. ما عاد أحد يسترجي الاقتراب من ذلك المكان وقد أكد البعض أنهم شاهدوا الأشباح بأم العين.
هل حقاً نحن أشباح؟ سأل الأخير والدته هذا السؤال البريء، وكان الوبال الأعظم. لم يتعود أن تضربه أمه هذا الضرب المبرح، ولم يسبق له أن رأى إلى أمه تبكي وهي تقوم بضربه.
"هل من المعقول يا الأخير أن تعبثوا بالجثث؟"
"وهل للدود الحق أكثر منا في هذا العبث الأكيد؟!" هكذا رد الأخير على جاره الكاتب وهو يحك رأسه الأقرع كعقوبة على ما فعل.
"فصل في الجحيم، آرثر رامبو".
"خذه واقرأه إذا ما شئتَ." لم يسبق للأخير أن طلب من الكاتب الاحتفاظ بكتاب استعاره منه من قبل.
ماذا كان يريد هذا الشاعر المجنون؟ توقف الأخير كثيراً عند رامبو، حتى تحول ولفترة طويلة من الزمن إلى الأخير المتأبط لـ"فصل في الجحيم" أينما ذهب.
لم يسبق للأخير أن فكّر بالموت والتشرد والفقر والمرض، ثم فجأة، رأى إلى نفسه في خضم من الانزواء الحاد ليأتي بعدها إلى أمه فيسألها إذا ما كانت تحبه وتشتاق إليه. "لن أفارقك إلا بموتي...لم أنت خائف هكذا يا الأخير؟" تململ بعنف، شتم أمه أن لا تعاود سيرة الموت أمامه وجعل يركض نحو منزل الكاتب وقد تأبط "فصل في الجحيم" كأنه جرة عزلة كما كان مدوناً بخط الأخير المفركش في أحد هوامش الكتاب.
خذ كتابك، لن أقرأه بعد الآن.
... وذات مساء، أقعدتُ الجمال على ركبتيّ-فألفيته مراً- فهجوته،
وتسلحتُ ضد العدالة،
وهربت. أيتها الساحرات، أيها البؤس، أيها البغض، أنتم
مستودع كنزي!