كتاب " الإرهابي الأخير " ، تأليف فوزي ذبيان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ووما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإرهابي الأخير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإرهابي الأخير
8
"أينك يا الأخير؟ فأنا لم أرك منذ أكثر من شهر". تحجج الأخير بامتحانات نهاية العام الدراسي ليسأل الكاتب أن يعيره كتاب شعر، فهو اشتاق لقراءة الشعر.
لوتريامون-أناشيد مالدورور.
انتهى العام الدراسي ونجح الأخير ورفاقه، فإذا بالعطلة الصيفية تتلقفهم مصانع تبتلعهم من السادسة صباحاً حتى السادسة بعد الظهر. لم يكن طعم الصيف بالنسبة لهم، هم أبناء مدرسة المعارف، إلا معمل التينول أو معمل غندور أو الكوكا كولا أو البيبسي كولا أو غيرها من معامل صحراء الشويفات. فصيف الأخير آنذاك كان معمل التايد تارة ومعمل السبارتن تارة أخرى وفي بعض الأحيان معمل الزجاج في منطقة خلدة مفرق بشامون أو غيرها من المعامل في منطقة المكلس أو الدورة أو حي السلم وربما الشياح. هو هكذا صيف الأخير ورفاقه، ورشة باطون، محطة وقود، صيانة مصاعد وفي بعض المرات أشغال صحية أو ميكانيك.
صيفهم سندويشات يتأبطونها في الصباح الباكر وكلمات جميلة تطلقها الأمهات على هؤلاء العمال الصغار. كان الأخير شأنه في ذلك شأن أترابه يياوم المعامل فرحاً إلا يوم الأحد. فهو لم يكن يدري أن الصيف لمن هم في مثل عمره يجب ان يكون محض أحد.
صيف الثالث تكميلي-بري؟يه لم يكن صيفاً مريحاً بالنسبة للأخير. فهو وخلافاً للعام الفائت لم يوفَّق بمصنع مريح يزاول فيه الصيف نقوداً قليلة يقبضها، فإذا به وعلى غفلة من أول الصيف يشتغل في مصنع للبلاط. لقد تأخر الأخير قليلاً فلم يحجز لنفسه وظيفة هينة في أحد المعامل التي تعوّد العمل فيها مع بداية كل صيف، فإذا به كائن في طور البلاط خلف ماكينات الصوت فيها لا يرحم.
استقبله صاحب المعمل بحفاوة بالغة، لكنه حذره أن يظل متيقظاً... لم يتوقف الأخير كثيراً عند هذه الكلمة الأخيرة.
إنها مثل فرقة كركلا.
بالإضافة إلى الأخير، كان مصنع البلاط يضم عمالاً هنوداً وعمالاً من بنغلادش ومشرفاً على العمال؛ شيخ درزي من بلدة بشامون بالإضافة إلى كميل.
لم يكن كميل غريباً عن الأخير بالمرة، فهو لطالما وافاه حتى الصف الخامس الابتدائي حيث جعل يرسب ويرسب حتى صار جزءاً لا يتجزأ من ماكينة صب البلاط التي كانت تقف أمامه أو هو يقف خلفها فالأمر سواء.
رحّب كميل بالأخير بتشاوف ملحوظ وكأني به يأخذ بثأر قديم. لم يكن العمل في مصنع البلاط هيناً بالمرة والغريب في الأمر أن الأخير لم ينزعج من هذا العمل البتة. فهو فكر أن العمل هنا جزء لا يتجزأ من طبيعته الولادية.
إنها مثل فرقة كركلا. هي الفكرة الأولى التي راودت الأخير وقد سها كميل للحظات عن عنف ماكينته، فإذا بأصابع إحدى يديه تتراقص فوق أرض المعمل مثل فرقة كركلا كما همس الأخير مستغرباً. تمّ نقل أصابع كميل المزخرفة باللون الأحمر إلى إحدى المستشفيات القريبة التي نُقل إليها كميل أيضاً.
صاحب المعمل وعلى الرغم من حفاوته جعل يؤنب الشيخ الدرزي بكلمات نابية مهدداً إياه بالطرد وبعظائم الأمور. فهو المشرف على العمال وما كان يجب عليه أن يسمح بما حصل كما جعر صاحب المعمل مغتاظاً. أحد العمال الهنود أخذ يدلق الماء فوق الساحة الحمراء، بينما الآخرون أوقفوا الماكينات بأن أطفأوها. أما الأخير ولأول مرة منذ أن باشر البلاط في هذا المعمل فقفل عائداً إلى البيت قبل انتهاء الدوام بقليل.
رفضت والدته أن يعاود العمل في هذا المصنع الخطير. فهي وقد شاركها زوجها في ذلك تدرك أهمية الأصابع في مسيرة الحياة ولا سيما أن الولد ما زال في مقتبل العمر.
- إنها قنينة ويسكي.
- كلا كلا، إنها قنينة نبيذ.
- وما هذه؟ ؟ودكا؟ ما هو ال؟ودكا؟
- انظروا، انظروا، هل لكم أن سمعتم بالليكور من قبل؟
جعل الأخير وقد صار عاطلاً عن العمل يتسكع في زواريب الأمكنة مع بعض المتسكعين.
تفو، لعن الله أهلكم.
كانت رائحة القيء تفوح من ملابس الأخير ورفاقه وقد أضاع كل منهم بيت أهله من شدة السكر.
أمه، ومع لسعات النبريش الذي كانت تنهال به عليه، كانت تقول له أنها ستحطم رأسه إذا ما رأته ثانية مع هؤلاء الكلاب الأشقياء...
"زبل... زبل!!" بهذه العبارة المنطوية على نفسها باستهتار مادي وملموس إلى أقصى الحدود ردّ الأخير على شقيقته التي أخبرته سراً أن والده سيرسله للعمل في مزرعة أبقار على طريق خلدة-بيروت. فهذا الوالد لا يرضى أن يظل ابنه متسكعاً طوال الصيف مع مجموعة من العفاريت الذين يسـ...رقون، ويسـ...كرون، ويسـ... الخ.