أنت هنا

قراءة كتاب تكنولوجيات للتعليم والتعلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تكنولوجيات للتعليم والتعلم

تكنولوجيات للتعليم والتعلم

كتاب " تكنولوجيات للتعليم والتعلم " ، تأليف مارسيل لوبران ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

تمهيـــد

كتبت مارغريت يورسنار (Marguerite Yourcenar إلى دومينيك دو مينيل (Dominique de Ménil) في "رسائل لأصدقائها وآخرين"، الأسطر التالية: "لقد تلقيت الوثائق الخاصة بمشروعك، الذي نفَّذه فريق عملٍ، وكرَّستَه لإيقونوغرافية في الفن الأوروبي، وأنا جد متأثرة برغبتك أن أقدِّمَ لكتابك. إلا أني مضطرةٌ لردِّ طلبك لسببٍ يكفي بحد ذاته، وهو أني مثقلةٌ جداً بالعمل في هذه الآونة، فأنا أقوم بتحضير كتابين للطباعة للعام المقبل، ومن غير الممكن، بالتالي، أن أقبل مهماتٍ أخرى. ثم أن قبولي التقديم لكتابٍ لم أحرره ولم أتيقن من صحة توثيقه لهو أمرٌ مخالفٌ لمنهجيتي في العمل." (ص332ـ333).

وحيث أني أشارك مارغريت يورسينار موقفها وحججها، فإنه من المنطقي أن أرد دعوة مارسيل لوبرون لتقديم كتابه، خصوصاً وأن الموضوع المطروح ليس من اختصاصي (مما يجعلني أقل قدرة على التحكم ببعض المعطيات )، وهو يتطور بسرعة كبيرة بحيث يمكن الاعتقاد بتقادم سريع لكل عمل يدور حوله.

لكن ما الذي دفعني لقبول العمل على الرغم من الأسباب المشار إليها؟

السبب الأول، وهو وجيهٌ بحدِّ ذاته، يكمن في أن مؤلَّف مارسيل لوبرون، وبخلاف ما اعتقدت بداية، مؤهلٌ للاستمرار، على الرغم من التطور التقني الفائق السرعة والذي لا يسمح بتوقُّع نتائجه العملية. إنها نقاط قوةٍ فيه، تبرز أكثر مع عدم توقف المؤلف عند اعتباراتٍ عامةٍ بل في ترصيع الكتاب بأمثلةٍ حسيةٍ عديدةٍ، دون تجاهل النواحي التقنية. إن سر الكاتب يكمن في هذا الاختيار بحيث لا يؤدي التطور التقني إلى التقادم، طالما أن وجود هذه التقنيات يسمو على المتغيرات الطارئة ويصبو دوماً إلى غاياتٍ تربويةٍ عالميةٍ، لايحدُّها زمن.

أما السبب الثاني فيعود لنوعية الطرح التربوي. وهنا أجدني في صلب مجال اختصاصي الذي يضمن لي ما يكفي من الاهتمام والراحة والتمكُّن لتجاوز تحفُّظي. وعلى خلاف مؤلِّفين كثر ممن قيدتهم حماستهم التي أثارها اكتشاف الإمكانات المتوافرة لتقنيات المعلومات والتواصل الجديدة، المعروفة بالـ (NTIC) ، أو الشعور بالقوة الذي يمنحه لهم التحكّم بالأدوات التقنية الذي يفوق قدرة التحكّم لدى زملائهم، فإن مارسيل لوبرون لم ينس أبداً أن التقنيات لا تعدو كونها تقنيات، وأن حُسن أو سوء استخدامها يحدد استناداً إلى الغايات والإطار التربوي والاجتماعي.

ويرتبط السبب الثالث بالأهمية المتزايدة للـ (NTIC) في تطوير مجتمعنا، والذي وصفه جاك ديلور (Jacques Delors) بـــ"مجتمع المعرفة"، وذلك في تقرير بعنوان "كيف نتعلم العيش معاً". لقد بدا له أنَّ هاتين العبارتين يجب أن تعتمدا معاً إذا ما أردنا تحقيق إنماءٍ بشريٍ دائم. وقد قصد بذلك إنماءً لا يُبنى ويقيّم من منظار الفعالية والكفاءة فقط بل أيضاً وقبل كل شيء من منظار العدالة والمشاركة في التجارب، والغنى، وفي التعلم، والعيش سوية. ربما اعتقد البعض خطأً أننا بعدنا عن موضوع الكتاب، غير أن الحقيقة عكس ذلك، وهنا تبرز إحدى أهم مزايا الإشكالية المطروحة من قبل مارسيل لوبرون بأنّه جعل استخدام تكنولوجيا التربية ضمن رؤيته لمجتمع متحول. ولو أنّ الكاتب كان قد ترك لمسؤولي برنامج الأمم المتحدة للتنمية الـ (PNUD) Programmes des Nations Unies pour le Développement ، مسألة اختيار عنوانٍ لمؤلّفه، لما وجد هؤلاء صعوبةً في إيجاد عنوانٍ كالتالي: "حول حسن استخدام تكنولوجيا التربية لبناء إنماءٍ بشريٍ مستديم".

لقد تجاوز الرهان على تكنولوجيا التربية حدود غرفة الصف. وقد برز ذلك جلياً في "المؤتمر العالمي حول التعليم العالي: رؤية وعمل" الذي جمع، حديثاً، أكثر من أربعة آلاف مشاركٍ من القارات الخمس، ضم مئةً وعشرين وزيراً وذلك بين الخامس والتاسع من تشرين الأول 1998. نحن نعيش مواقف غريبةً في هذه المرحلة الانتقاليّة، بين الألفيتين. فمن ناحية، وبفضل بحثٍ علميٍّ يتجه نحو مزيد من التطور، فإن التقنيات الجديدة توفر إمكانياتٍ تقنيةً متزايدة، وذلك لمواجهة التحديات المفروضة، ليس فقط بسبب التوسع الهائل في المعارف، بل أيضاً بسبب إرادة خلق إنماءٍ دائمٍ للمجتمع كله. ومن ناحية أخرى فإن الدول التي هي بأمسّ الحاجة للتربية والتكنولوجيا هي تلك التي تعاني من صعوبة في توفيرها، لدرجة أن الهوّة تتسع أكثر فأكثر ما بين الدول الغنيّة وتلك التي في طور النمو. ويوفّر الـ (NTIC) لعالم التربية إمكاناتٍ مذهلةً، كالوصول إلى قاعدة البيانات والبريد الإلكتروني، والتعليم عن بعد، والجامعات النظريّة، وشبكات التبادل والعمل التعاوني، وتكوين سريع للمعرفة عن طريق الصوريّة... هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإننا نشهد اليوم فروقاتٍ في بيئة المدرسة بين أولئك الذين يريدون ويستطيعون ويعرفون كيفية استخدام هذه المصادر، وأولئك الذين لا يريدون ذلك أو أنهم لا يستطيعون أو لا يعلمون. أي بين المدارس التي تخدم جمهور المقتدرين مادّياً وتلك التي هي في خدمة الجمهور الأقلّ اقتداراً. وعليه فإن إفساح المجال لكل المدارس وخصوصاً لتلك العاملة في خدمة جمهور أقلّ اقتداراً، كي تستفيد من سياسة واعية لاستخدام تكنولوجيّات التربية الحديثة، أصبح أولويةً في حال أردنا بناء مجتمعٍ مستقبليٍّ أكثر عدلاً وتماسكاً.

لكن ما هي إذن هذه السياسة الواعية؟ لقد قام مارسيل لوبرون بإبراز بعض ركائزها.

الصفحات