عندما شرعت بالكتابة عن أبي القاسم الشابي، كنت أعرف، أن عدداً من الكُتّاب والمؤلفين والباحثين كتبوا عنه، وبجدية عالية، ولكنني عندما راجعت هذه المؤلفات وتمعنت فيها وجدت أن كل واحد تخصص في جانب معين، فبحث فيه واستقصاه قدر استطاعته وإمكانياته، ورأيت حينها أن ال
أنت هنا
قراءة كتاب أبو القاسم الشابي - حياته وشعره
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
حياة الشاعر
في قرية الشابية، إحدى ضواحي توزر كبرى بلاد الجريد بالجنوب التونسي، حيث المناظر الخلابة والبلاد الجميلة، وبساتين البرتقال الفواحة ووسط الواحات الشاسعة والمياه الوفيرة والطبيعة الهادئة الحالمة بالآمال العريضة. ولد أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم بن إبراهيم الشابي في شهر آذار (مارس) سنة 1909(1) من أسرة عريقة ذات مجد عرفت في التاريخ التونسي منذ القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة.
وُلد هذا الشاعر بِكْر أبيه الشيخ محمد بن بلقاسم، والذي تخرج من الأزهر وأقام في مصر أوائل القرن العشرين سبع سنوات ثم عاد إلى تونس ليدرس في جامع الزيتونة حتى حاز على «التطويع»(2) وهي شهادة نهاية تحصيله العلمي، ليسمى بعد ذلك قاضياً شرعياً بعد سنة من ولادة ابنه البكر أبي القاسم، حيث استوجبه عمله التنقل بين أماكن متعددة، مصطحباً معه ولده الذي أتيح له التعرف على طبيعة تونس الجميلة وعلى طبائع مختلفة للناس في تونس.
وهكذا بدأت رحلة أبي القاسم مع العلم والمعرفة منذ نعومة أظفاره، فلم ينشأ في مسقط رأسه، وإنما نشأ خارج الشابية، حين ألحقه والده بالمدارس التقليدية «الكُتّاب» وهو في الخامسة من عمره، وقد حرص على تحفيظه القرآن الكريم، ولعل حرصه هذا بأمل أن يكون ولده البكر رجل دين مثله، فأتم حفظ القرآن وهو ابن تسع سنين، وفي عام 1920 حين كان في بداية الثانية عشرة من عمره أدخله والده إلى جامع الزيتونة بتونس ليكمل دراسة العلوم الدينية واللغوية فأمضى فيه ما يقارب تسع سنين ليتخرج عام 1928 وقد حاز على شهادة «التطويع» مثل والده، وكانت هذه الشهادة من أرفع الشهادات في ذلك الحين. وربما كانت هذه الرحلة في تونس ودراسته في جامع الزيتونة من المحطات الهامة في حياة الشابي التي تعتبر نقطة تحول هامة في حياته، حيث تم له التعليم العصري ثم الانطلاق والحرية في الاطلاع على النشاطات الأدبية دون قيود أو رقابة. وجد الشابي في نفسه ميلاً إلى الأدب بما يتناسب مع ميوله وأحاسيسه وشعوره، فلم يتجه إلى العمل في القضاء، وإنما اتجه إلى كتب المهجريين كجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبي ماضي، فتناولها بنهم شديد وتأثر بها كثيراً وهذا ما سوف نلمسه جلياً في شعره، ثم اطلع على ما وقع بين يديه من كتب قديمة مما يعتبر من أمهات الكتب كالأغاني، وصبح الأعشى، ونفح الطيب، والكامل، والأمالي، والعمدة، والمثل السائر، وكتاب الصناعتين وغيرها من النفائس القديمة، كما اطلع على ما طبع من الدواوين قديمها وحديثها.
ثم قرأ ما ترجم من اللغات الأجنبية لأنه كان يجهلها، وقد أعجب بكتب «لامارتين» و«جوتة» كإعجابه بالمعري وابن الفارض، إضافة إلى قراءاته لما كان يصدر من مجلات عربية كالهلال والمقتطف وغيرها.
ومن الجدير بالذكر أن أبا القاسم قد التحق بعد تخرجه من جامع الزيتونة عام 1928 بمدرسة الحقوق التونسية، فتخرج سنة 1930. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة من دراسته أبدى نشاطاً أدبياً واجتماعياً كبيراً، تمثل في ترأسه حركة طلابية تهدف إلى إصلاح مناهج التعليم بما يتناسب وروحه الوطنية كما أسس جمعية «الشبان المسلمين» وساهم في تأسيس «النادي الأدبي» بتونس العاصمة و«نادي الطلاب» بتوزر، فكان عضواً فعالاً في أعمالها.