أنت هنا

قراءة كتاب أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

عندما شرعت بالكتابة عن أبي القاسم الشابي، كنت أعرف، أن عدداً من الكُتّاب والمؤلفين والباحثين كتبوا عنه، وبجدية عالية، ولكنني عندما راجعت هذه المؤلفات وتمعنت فيها وجدت أن كل واحد تخصص في جانب معين، فبحث فيه واستقصاه قدر استطاعته وإمكانياته، ورأيت حينها أن ال

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
الصفحة رقم: 5
- أعطني ورقاً، والقلم من جيب فرملتي(4)، فأخذ يكتب حالاً أذكرها الآن:
 
يا إله الوجود، هذي جراحٌ
 
في فؤادي تشكو إليك الدواهي»(5)
 
قضى الشابي صيف عام 1932 في (عين دراهم) مستشفياً برفقة أخيه محمد الأمين ويبدو أنه زار آنذاك بلدة طبرقة برغم ما كان يعانيه من آلام، وبعد عام، اصطاف في المشروحة إحدى ضواحي قسنطينة من أرض الجزائر، ومع حلول الخريف عاد إلى توزر لقضاء الشتاء فيها. وقد كانت تنقلاته كثيرة فمن بلاد الجريد إلى زغوان، ومن عين دراهم إلى المشروحة، واستمر في ذلك ثلاث سنوات يعيش بين أشجار تونس وأنهارها، «يتغنى مع الأطيار بحبه ويناجي النجوم بأمانيه، ويحنو على الورود والأزهار، ويطرب لخرير المياه وحفيف الأغصان، وفي هذه الفترة أخرج الشابي أجمل قصائده الخالدة في وصف الطبيعة والجمال، وسحر الوجود وحب الحياة»(6).
 
ورغم هذا التنقل بين هذه الأشجار وتلك الأنهار، فقد ساءت حاله واشتدت آلامه وخاصة في أواخر عام 1933، فاضطر إلى ملازمة الفراش حتى مرّ الشتاء ببرده، وحلّ الربيع بزهره، فانتقل إلى (حامة توزر) وهو مكان فيه ماء حار يستشفي به المرضى، طالباً الراحة والشفاء.
 
وفي شهر آب عام 1934 غادر الشابي توزر إلى العاصمة، وزار خلال إقامته في أحد أماكن الاستجمام شرق المدينة (حمام الأنف) ثم نصحه الأطباء بالانتقال إلى (أريانا) وهي ضاحية تقع على نحو خمس كيلومترات إلى الشمال الشرقي من العاصمة وهي موصوفة بجفاف الهواء، ولكن حال الشابي ما زالت تزيد سوءاً، وقد وصف محمد الفاضل بن عاشور ما آلت إليه صحة الشابي فقال: «وتداعى كيانه الجسمي بطول الاحتباس، واستفحال الألم الباطني، فإذا جراثيم السلّ تهجم فتستقر بكلتا رئتيه، وإذا شبح الموت منتصب أمامه» والحقيقة وإن قالها السيد محمد فاضل فلم أعثر على «جراثيم السل» في موضع آخر، وقد سقنا ما قاله الطبيب المعالج بأنه كان مريضاً بانتفاخ القلب وهو الأرجح.
 
ومع أن الشابي قد أنهكه المرض وأعياه السقم، فقد استمر في إرهاق نفسه، فاشتد به الداء، ونال من العذاب والشقاء أكثر من أي وقت مضى، فأمطر البشرية بسيل جارف من تبرمه وسخطه، حتى بدأ يناشد الموت أن يريحه من هذا الشقاء وطلع علينا بقصائده: «في ظل وادي الموت»، و«زوبعة في الظلام»، و«الجنة الضائعة»، و«قال قلبي للإله»، وغيرها من القصائد، كما عزف «أغاني الرعاة» و«إرادة الحياة» و«قلب الأم»، و«أراك» بهذه القصائد وغيرها، سكب الشاعر فيها عصارة روحه، وعزف للإنسانية على أوتار قلبه المكلوم أشد الألحان وأمرّها. ولكن هل ترد هذه القصائد وتلك المعزوفات قضاءه النافذ أو قدره العاتي؟ لقد نقل بعد هذه الآلام إلى المستشفى الإيطالي بالعاصمة تونس في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1934، في الساعة الرابعة من صباح يوم الاثنين لليوم الأول من رجب سنة 1353هـ لتذوب أنفاس الشاعر الأخيرة، وتتلاشى أنغام الحب والجمال، وتغيب ألحان السحر والخيال، وتصعد روح الشاعر إلى عالم البقاء والخلود، ثم ينقل جثمانه في أصيل ذلك اليوم إلى توزر، إلى مسقط رأسه ويدفن ببلدة «الشابية» في مقبرة أسلافه.
 
تألفت بعد ذلك لجنة أقامت على قبر الشابي بناءً لائقاً به، أقيمت حوله روضة صغيرة، واحتفل الأدباء والشعراء حول الضريح يوم الجمعة السابع عشر من شهر أيار عام ألف وتسعماية وستة وأربعين، وقد تسابق المحتفون بتمجيد مآثره وذكر مزاياه مقدرين شاعريته ونبوغه. هذا وقد أثبت الدكتور عمر فروخ إحصائية في بعض جوانب تكريم الشاعر بعد موته وعدّدها ومنها:
 
- حفلة الأربعين في تونس الحاضرة في 13/11/1934.
 
- عدد خاص من مجلة «العالم العربي» لزين العابدين السنوسي، هو العدد الرابع الصادر في 24/12/1934، وكان خاصاً بما ألقي في حفلة الأربعين.
 
- حفلة للذكرى الثالثة أقامتها الرابطة القلمية في تونس.
 
- عدد خاص من مجلة الأفكار التونسية، 1936.
 
- عدد خاص من مجلة الإمام (الإسكندرية 1936).
 
- عدد خاص من مجلة المكشوف بيروت بمناسبة الذكرى الثالثة لوفاته.
 
- عدد خاص من مجلة الأسبوع (تونس) خاص بالذكرى الثامنة عشرة.
 
- عدد خاص من مجلة الندوة (تونس) خاص بالذكرى التاسعة عشرة.
 
- عدد خاص من مجلة الزيتونة (تونس) خاص بالذكرى العشرين.
 
- عدد من المقالات في مجلة الفكر (تونس) 1956.
 
- إصدار الأستاذ زين العابدين السنوسي كتاباً اسمه «أبو القاسم الشابي - حياته - أدبه» بمناسبة مرور ثلث قرن على وفاته 1965.
 
- إحياء ذكرى ولادة الشابي 1959 بإقامة مهرجان في تونس.
 
- إلقاء الأستاذ الشاذلي بو يحيى 1959 محاضرة في جمعية قدماء الصادقية بعنوان «أبو القاسم الشابي والشاعرية الحق».
 
- محاضرة للأستاذ الشاعر مصطفى البحري في 12/12/1959 بعنوان «الشعر في شعر الشابي».
 
- إصدار مجلة الفكر بتونس عدداً من المقالات عن الشابي سمته «أضواء على أبي القاسم الشابي بمناسبة مرور خمسين سنة على ولادته» كانون الأول 1959.
 
_____________________________
 
(1) الشابي، شاعر الحب والحياة، د. عمر فروخ.
 
(2) مذكرات الشابي، 55.
 
(3) يفتح عينه ويغمضها بشكل كأنه يرى بمؤخرة عينه.
 
(4) الفرملة: صدرة أو ثوب يلبس على القسم الأعلى من الجسم، وفي تونس يلبسونه تحت الجبة.
 
(5) الشابي، شاعر الحب والحياة، د. عمر فروخ.
 
(6) الشابي، أبو القاسم محمد كرّو.

الصفحات