أنت هنا

قراءة كتاب أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

أبو القاسم الشابي - حياته وشعره

عندما شرعت بالكتابة عن أبي القاسم الشابي، كنت أعرف، أن عدداً من الكُتّاب والمؤلفين والباحثين كتبوا عنه، وبجدية عالية، ولكنني عندما راجعت هذه المؤلفات وتمعنت فيها وجدت أن كل واحد تخصص في جانب معين، فبحث فيه واستقصاه قدر استطاعته وإمكانياته، ورأيت حينها أن ال

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
الصفحة رقم: 3
مؤثرات في حياته
 
ظهر نبوغ الشابي مبكراً، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن تسع سنين وظهر ميله للأدب والشعر في لحظات مبكرة فكانت قصيدته الأولى وهو في سن الرابعة عشرة، حين نظم قصيدة (يا حب) عام 1923، وكانت أول نشراته في صفحة «النهضة» الأدبية عام 1926. ثم ظهر شعره في السنة التالية. ولكن إذا سرّه الدهر يوماً، فقد كدره القدر أياماً، فكانت فاجعته الأولى بموت حبيبته في أول شبابه، قبل أن يبلغ العشرين من عمره، فأذكى موتها في نفسه الأسى والنقمة من حوادث الدهر، وظل يذكر هذا الحب مدة طويلة، حتى حمل نفسه على نسيانه. ويرى «زين العابدين السنوسي» أن حبه لهذه الفتاة كان حباً عذرياً، قبل أن يأتي إلى تونس العاصمة، فخلفت له بوفاتها حزناً شديداً ومرضاً أنطقه شعراً كثيراً، كما علق «محمد الحليوي» على هذا الحب المبكر، ومن ضمن ما قاله: «أن هاته الفتاة هي التي تحدث عنها في أوائل شعره حديثاً ساذجاً ونظم فيها أولى قصائده.. ومن المؤكد عندي أن الشابي لم تكن له حياة قلبية غير تلك الفتاة التي أحبها وهو في سن الخامسة عشرة»(3).
 
وربما كانت هذه الفتاة هي التي كان يلقاها ويتفسح معها في بعض المتنزهات، حيث يقول فيها:
 
أيها الحب أنت سر بلائي
 
وهمومي وروعتي وعنائي
 
ونحولي وأدمعي وعذابي
 
وسقامي ولوعتي وشقائي
 
وستجد القصيدة كاملة بين أشعاره في نهاية الكتاب.
 
كان الموت من أهم تجارب الشابي في حياته، ففي بواكيره فجعه حين نفذ إليه بحبيبته التي ماتت وهي برعم لم يتفتح بعد على الحياة، ماتت وهو يشتاق إلى التمتع بظلها، فتفجرت في حناياه بواعث الموت، وانطوى قلبه أسىً عليها، فخلف عنده الفراغ والظلام والاكتئاب، وليست هذه تجربة سهلة في حياة الشابي، فهو ما زال يافعاً حساساً وقلبه مفعم بالطموحات لمستقبل كان يأمل أن يعيش ليراه، وما أظن هذه التجربة إلا كمثل تجربة الشاعر محمد مهدي الجواهري، عندما أحب وهو صغير فتاته حين نزل أهله على أطراف الكوفة مصطافين، أو كتجربة إبراهيم طوقان حين أحب فتاة «كفر كنا» وإن كان أكبر سناً، أو تجربة السياب، فهي تجارب يمر بها الشاب أو اليافع ولكن لها أثر كبير في نفسية الشاعر أكثر من غيره، ولذلك طفق الشابي يتبرم لهذه الثنائية فقال:
 
بالأمس قد كانت حياتي كالسماء الباسمة
 
واليوم قد أمست كأعماق الكهوف الواجمة
 
قد كان لي ما بين أحلامي الجميلة جدول
 
يجري بها ماء المحبة طاهراً بتسلسل
 
هو جدول قد فجرت ينبوعه في مهجتي
 
أجفان فاتنة ارتئيها الحياة لشقوتي
 
أجفان فاتنة تراءت لي على فجر الشباب
 
كعروسة من غانيات الشعر في شفق السحاب
 
ثم اختفت خلف السحاب وراء هاتيك الغيوم
 
حيث العذارى الخالدات يمسن ما بين النجوم
 
ثم اختفت آواه ! طائرة بأجنحة المنون
 
نحو السماء وها أنا في الأرض تمثال الشجون
 
ولو لم تكن هذه الأبيات أمامنا لقلنا بأن الشاعر الفتى يفكر بصوت مسموع أو يحلم أحلام يقظة يحدث نفسه عن فتاته التي عشقها وأحبها لكنها كانت محنة اضطر أهله أن يزوجوه علّه ينسى أو ينشغل عن حبه الذي أورثه أول حزن في حياته. ومع ذلك فقد قبل هذا الزواج وفي سن مبكرة على عادة أهل جنوب تونس الذين كانوا يرغبون بتزويج أبنائهم صغاراً، أو لنقل هكذا كان تفكير والده الشيخ ليبقى نسله على الأرض أو لعل الابن البكر يسلو آلامه وعذاباته.
 
ثم جاءت الرزيّة الثانية، قبل أن تستريح نفسه من العناء الأول بفقد أبيه، وتتحول تبعات العائلة على عاتقه ويصبح مسؤولاً عن أسرة وهو ما زال في سن مبكرة. فاعتلّت صحته وانتفخ قلبه، وصار ينتقل من طبيب إلى آخر، ولكن عبثاً.
 
________________________
 
(1) هذه كانت أقرب الآراء للتاريخ المرجح لمولده. فقد ذهب الكاتب الجزائري ابن أبي شنب إلى أنه وُلد سنة 1910، وجاء في الأعلام للزركلي أنه وُلد عام 1906 ثم صحح في الحاشية أنه وُلد عام 1909 وذهب آخرون أنه وُلد عام 1908 أما صديق الشاعر المحقق المشهور الأستاذ محمد الصالح المهيدي فقال أنه في 3 صفر 1327هـ/ 25-2-1909. أما أبو القاسم محمد كرّو فيقول إن أسرة الشابي أخبرته بأنه قد يكون حوالي عام 1327هجري والموافق 3/4/1909.
 
(2) إجازة نهاية الدراسة بكلية الزيتونة في عصره.
 
(3) الشابي شاعر الحب والحياة، عمر فروخ، ص96.

الصفحات