أنت هنا

قراءة كتاب بونا هكتور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بونا هكتور

بونا هكتور

كتاب " بونا هكتور " ، تأليف جورج فرشخ ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

إهدن-زغرتا لدى عودته من روما

1- لجنة الاستقبال وبركة البطرك

لم تكن ليلى بعلبكي (1) في استقبال بونا هكتور في مرفأ بيروت، لدى عودته النهائية من روما. كانت مشغولة بإعداد محاضرتها في الندوة اللبنانية بعنوان "نحن بلا أقنعة". وهذه الآنسة تأبى إلا أن تتكلم باسم الشبيبة اللبنانية بنصفيها، لا سيما المزعوم ضعيفًا.

ما الذي حدا بميشال أسمر (2) إلى ركوب هذه المغامرة؟ منذ أقل من سنة، أصدرت الآنسة الكريمة روايتها "أنا أحيا". ومنذ ذلك الحين وهي تخضّ بيروت الأدبية، وتهيّج الكتَّاب والنقاد، وتثير ردود الفعل المؤيدة والرافضة، لأنها لم تكتب بالقلم، بل شهرت لسانًا سليطًا زفرًا. وبالجرأة التي يتميّز بها الشباب، قطعت رؤوسًا وحطّمت قيودًا، وأزالت حدودًا، ولم تعد تعترف لأحد بسلطة، ولا لنوع أدبي بحرمة، لا بالمعنى ولا بالمبنى، لا بالأسلوب ولا بالفكرة.

وستزايد على نفسها وعلى روايتها في المحاضرة، وتلامس الوقاحة والنزق في رفضها الواقع والعادات والتقاليد الموروثة، في كل مرة تأتي على ذكر لسان أو قلم. ولن تكتفي بنزع القناع، ولا بتجريد بطلتها من رياء الحياء، ولا باتخاذ الجنس عنصرًا لتحفيز القارىء، بل جعلت من هذه العناصر كلها الأدوات لتفكيك الرواية العربية التقليدية، والقفز بها في رياح مغامرة لا تدري، وليست مستعدة لأن تدرك، ولا لأن تتوقع نتائجها. أليست هذه من لوازم المغامرين الخلاقين؟

ولا كان يوسف الخال (3) ولا أدونيس (4) ولا أنسي الحاج (5) على الرصيف ليرحبوا بالخوري الشاب العائد بحماسة ليخدم في رعية إهدن-زغرتا، مفضلاً أيّاها على البيروقراطية الكنسية في الفاتيكان، لأن الثلاثي أدونيس و الخال و الحاج كان منصرفًا إلى تحضير العدد الأخير من مجلة شعر التي أحدثت ثورة في الثقافة العربية، وفتحت آفاقًا جديدة أمام الشعر، وحرّرته من القافية، لتطلقه في رحاب المواضيع الإنسانية كلها، وتخلق مدارس جديدة اختلف الناس في تقبّلها، وتقويمها، وتقديرها، وتمكنت من فرض نفسها، لاسيما بعد أن انضم إليها شعراء أفذاذ من أمثال محمد الماغوط ، خليل حاوي ، محمود درويش ، بدر شاكر السياب (6)، وغيرهم كثيرون.

بونا هكتور لم ينظم الشعر أبدًا. كان يقرأه في دواوين هؤلاء الأصدقاء، وعلى وجوه الأولاد الصغار المتقدمين للمناولة، ببهجة الإيمان البريء ومتعته، وفي مناظر إهدن، من أي جهة أطلق العنان فيها لعينيه الثاقبتين. لكن ذلك لم يمنعه من الانضمام إلى هذه المجموعة من المبدعين، وحضور بعض اجتماعاتهم في مجلة "شعر". كما سيشترك في الحياة الأدبية الناشطة في بيروت، ويقيم علاقات مميزة مع عدد من الشعراء المجددين والرواد والإعلاميين الأفذاذ.

ولا كان الخوري غريغوار حداد (7) فاضيًا ليذهب إلى المرفأ من أجل الترحيب بالخوري الجديد نظراً لارتباطه بسلسلة اجتماعات مع المسؤولين والناشطين في حركته الاجتماعية التي لم يمض وقت طويل على إطلاقها، وقد استقبلت استقبالاً حارًا من كل الذين أتيح للخوري غريغوار أن يجتمع بهم. فهو بالكاريسما التي يتمتع بها، كان قادرًا على إقناع أي إنسان بضرورة إشاعة شيء من العدل الاجتماعي من أجل تخفيف آلام الفقراء والمحرومين، وتشجيع الأغنياء والأقوياء على مساعدة الضعفاء، ليس من قبيل الحسنة والشفقة، بل على أساس شعورهم بالتضامن معهم باعتبار أنهم جزء من هذا المجتمع، وأن المجتمع يكبر في عين ذاته وفي عيون الآخرين، ويزداد نبلًا وشرفًا إذا شملهم برعايته وسعى لتوفير فرص العمل للعاطلين عنه.

منذ البداية، حرص الخوري غريغوار حداد على الابتعاد بجمعيته عن أي مرجعية دينية أو طائفية، وأرادها حركة مدنية تتوجه إلى أفراد المجتمع اللبناني كله، بأديانه ومذاهبه وطوائفه، فكانت الجمعية الأولى من نوعها التي تعمل بهذه الروحية، والتي غيرت النظرة إلى العمل الاجتماعي، وانتقلت به إلى أبعاد جديدة متجاوزة الطبقية والطائفية والعنصرية. ومنذ لقائهما الأول، نشأت بينهما علاقة محبة أخوية ورسولية، أدت بالبونا هكتور إلى تأسيس فرع للحركة في إهدن-زغرتا.

حتى الملازم أول أحمد الحاج تخلّف عن الذهاب إلى الميناء لاستقبال البونا هكتور. صحيح أنه لم تكن بينهما معرفة، ولن تقوم بينهما علاقة، وما حال دون أن يذهب الملازم الشاب إلى اللقاء انشغاله بتداعيات خيمة الرئيسين فؤاد شهاب و جمال عبد الناصر ، التي أشرف شخصيًا على نصبها على الحدود اللبنانية السورية. كانت الخيمة (8)، بحد ذاتها، انقلابًا على أسلوب الرئيس كميل شمعون في التعاطي مع الدول العربية. وفي مفاوضات استغرقت ثلاث ساعات، كانت كافية لتحدث تغييرًا جذريًا في سياسة لبنان العربية. واتفق الرئيسان فؤاد شهاب و جمال عبد الناصر على أن تمتنع الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) من التدخل في شؤون لبنان، مقابل أن يتخلى لبنان عن سياسة المحاور العربية وأن يجمّد الدعوى التي تقدم بها كميل شمعون من الجامعة العربية، أولاً ثم من مجلس الأمن الدولي.

بعد تصحيح علاقاته مع الدول العربية تمكن الرئيس فؤاد شهاب من أن ينصرف إلى بناء دولة المؤسسات، فأنشأ المصرف المركزي وديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية واستعان ببعثة دولية لتفعيل التنظيم المديني، ستضم البونا هكتور بين صفوفها، هي بعثة إيرفد الفرنسية.

ولم يكن في المرفأ خوري ولا راهب ولا راهبة لاستقبال الدكتور العائد مظفرًا وممتلئًا حماسةً. كانوا مشغولين بالصلاة والصوم، وبالحفاظ على التقاليد الأصيلة المتوارثة من أجيال وقرون. كان لا يزال عندنا راهبات محصّنات، في الرهبنة اللبنانية، مكرّسات للصلاة والصوم والتهجّد. لا يظهرن على المؤمنين، إلا من خلف القضبان الحديدية. لا يتحرّكون ولا يحرّكون. يقدسون من رؤوس شفاههم، ويرتلون ويقولون الكلام الجوهري بلغة لا يفهمها جمهور المؤمنين. ويجنّزون ويتقاضون أجرًا عن التقوى والببغائية، بالخشوع والوثنية، بالورع والضجر المشهود لهم به من مئات السنين.

الصفحات