أنت هنا

قراءة كتاب ليتوال 2010

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ليتوال 2010

ليتوال 2010

كتاب " ليتوال 2010 " ، تأليف وليد الرجيب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

قميص كحلي وشال بيج

وقف عند مدخل الكافيه، وجال بنظره بحثاً عن طاولة مناسبة، ولما اقترب منه النادل، بادره الرجل:

Salut(4)

فرد النادل بابتسامة، وقاده إلى طاولة بعيدة نسبياً عني، خلع عنه الجاكيت البيج، وجلس في مقابلي، وطلب شيئاً لم أسمعه، وتناول جريدة فرشها على الطاولة، وخفض رأسه ليقرأ.

لم أستطع أن أبعد عيني عنه، فيه شيء جذاب، يشبه جاذبية الممثلين، مثل آلان ديلون، وجون بول بولموندو، فيه سحر الأفلام الفرنسية القديمة، أو ما يسمى Glamour days(5) عندما كان للسينما بهاؤها وبريقها ورونقها، رغم أن معظم الرجال الفرنسيين في سنه، أي من سن الأربعينيات فما فوق، يحملون كاريزما في تقاطيع وجوههم، وحضورهم الطاغي، كان فيه بهاء وهدوء دافئين.

وضع النادل أمامه كوب اسبرسو وكأس كونياك، كما يفعل كثير من الفرنسيين، ابتسم للنادل شاكراً، ورشف من القهوة وأتبعها برشفة من الكونياك، ثم أشعل سيجاراً فرنسياً صغيراً، أو ما يسمى سوجاريللو، وصل عبقه الرجولي مشوباً برائحة القهوة في المكان إلى أنفي، ثم أخرج الدخان من منخريه، وخفض عينيه مرة أخرى إلى الجريدة.

سحرت به، ولم أستطع أن أزيح ناظري عنه، كان يلبس قميصاً من الكتّان (لينن)، لونه كحلي بياقة قصيرة، تركه خارج البنطلون البيج، ويضع حول رقبته شالاً قطنياً بلون البيج، وشعره رمادي كثيف، ويضع على عينيه نظارة قراءة مستديرة بإطار أصفر، معلقة بخيط أصفر على رقبته، وترك شعر لحيته وشاربه الأبيض، ينمو بشكل خفيف، ورغم أن الجو كان بارداً، إلا أنه كان ينتعل حذاءً بني مصفراً منخفض الكعب، بلا جوربين.

أنا عادة عندما يعجبني منظر، أطيل الجلوس في المكان، فسنوات عمرنا غير صبورة، ولا يجب أن ننساق مع قلة صبرها، ونغفل عن نقاط الجمال، التي تحتويها الحياة، فما إن يبدأ يناير حتى نصل سريعاً إلى ديسمبر، وكأن في السنة شهران فقط، نشاهد الدنيا كما نشاهد المناظر من نافذة قطار سريع، أو مترو أنفاق، نرى محطة الركوب ومحطة النزول، ولا نرى الرحلة بينهما.

تعلمت أن أتأنى، وأخفف من إيقاع خطواتي، كي ألتقط ما يستحق التأمل والتدقيق، والاستمتاع به، كمصور فوتوغرافي، يبحث عن لقطة جميلة أو لحظة سحرية ليسجلها ويحفظها.

أحياناً أقف عند منظر طبيعي خلاب، وأحياناً تلتقط عدستي وجه إنسان، وأحياناً مجموعة من الناس، وأحياناً مبنى كلاسيكياً، وأحياناً لوحة تشكيلية أو تمثالاً رومانياً، وقد تكون اللقطة واسعة شاملة، وأحياناً تكون زووم مقربة، تظهر تفصيلاً مذهلاً، وأحياناً لا أنتبه إلى تأملي لشرخ في جدار، أو أغوص في عقدة خشبية بخشب الطاولة، أو في تشكيلات عروق الرخام تحت قدمي.

هذا المخلوق جميل، أجمل من لوحة انطباعية، رجل يجذب ويستحوذ على الانتباه دون عناء، إنسان ليس من العابرين، ووجه لا يصلح أن يضيع في الزحام، ولا ينتمي لهذا الزمن، ولا لأي زمن.

شخصية من شخصيات الروايات الفاتنة، التي لا تستطيع أن تتركها من يدك، ولا تود أن تنتهي أبداً، تلك الروايات التي تود لعن الكاتب لإنهائها، وتتمنى لو كان بقربك لتضمه وتصفعه بنفس الوقت، شخصية تعيش معك بقية سنوات عمرك، موجودة وغير موجودة، وكلما تذكرتها تتساءل:

- يا ترى ماذا يفعل الآن؟

أو:

- ماذا سيقول وكيف سيتصرف في مثل هذه اللحظة؟

الصفحات