أنت هنا

قراءة كتاب نقوش على الماء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نقوش على الماء

نقوش على الماء

كتاب " نقوش على الماء " ، تأليف خالد السعيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

تقديم

د. رشيد الخيُّون

بعد استفحال التشدد الدِّيني المذهبي العقائدي الحاد إلى حد سفك الدِّماء وهذا الصخب بالقيم والشعارات التي لو تفحصتها جيداً لوجدت القرن الأول الهجري يضيق بها ذعراً، يأتي ما كتبه خالد السعيد في «من الاستبداد إلى الاستبداد»، وما أولف على شاكلته محاولة حريص ضد فداحة ما يجري تحت غطاء الدِّين وباسم الله بل تأسيس لمفاهيم خارج إطار تاريخ الإسلام الذي يدعون أنهم أوفياء له.

أخذت تلك القوى بلا خجل تستخدم منتجات العقل البشري وسائط لبث تخلفها وإعاقتها للتطور؛ فهي لم تتأخر من المداواة بطب وأدوية الذين تسميهم كفاراً، وتتزاحم على استخدام وسائط النهضة العلمية الهائلة ووسائط نقل إعلامها من عجائب الفيسبوك والتويتر والطبق اللاقط ولم تسأل تلك القوى نفسها عن عوائق وجود أو انطلاق تلك المبتكرات في هذه المنطقة التي تريد لها البقاء خارج الزَّمن؟!

فما قيمة العقل إذا بقى متوسداً القديم وحانياً عليه كلُّ هذا الحنو السِّلبي مع علمنا أنه ليس كلُّ قديم يحظى بهذا بعنايتهم إنما ما وافق مع معوقات التطور والتكيف مع الحضارة العلمية والمدنية. فلو أتيتهم بحديث نبوي شهير لديهم قبل غيرهم: «أنتم أعلم بأمر دنياكمْ»(1) لقالوا: إنه مرتبط بعلة أو زمن قوله! ونجيبهم ولماذا الحديث الذي جعلتموه سوطاً ترفعوه بوجوه النِّساء ليس له مناسبه يعامل بحدود زمنها إنما أخذتموه وغيره بالإطلاق على العموم لا الخصوص؟! وكذلك الحال بالنسبة لآيات الكتاب الكريم جعلتم من آية «السَّيف» (الخامسة من سورة التَّوبة) المرتبطة بسبب نزولها ونسختم بها كلَّ كلمة مسامحة وموادعة وحرية!

جاء في قصة حديث ولاية المرأة: «حدَّثنا عثمان بن الهيثم حدَّثنا عوفٌ عن الحسن عن أبي بكرة قالَ:لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِن ْرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَمَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِل مَعَهُمْ قَال َلَمَّا بَلَغَ رَسُول َاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بنْتَ كِسْرَى قَالَ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْا مْرَأَةً»؟(2). مع علمنا حسب المؤرخ والإمام في الفقه والتفسير محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) أن هذه الشَّاهة بوران كانت مصلحة ومعمرة (من الاعمار)، واتسم حكمها بالرأفة بقومها وقصة ذلك طويلة.

صاحب الكتاب الذي نصه بين أيدينا خالد السَّعيد من الشَّباب الذين نظروا في ما حولهم وسط بيئة معطاء وأقول معطاء لأن بيئة التشدد تنتج عادة خصمها بقوة مثولها وتأثيراً مضاداً لها بقوة تأثيرها تلك قاعدة معروفة في المواجهة الفعل ورد الفعل. بينما الاعتدال ينتج الضد المعتدل ويؤلف بين مسارات الحياة ذلك في حالة فهم الرِّجال لتبدل الأحوال.

أجد في ما كتبه السَّعيد يندرج في معنى الدِّفاع عن وجوده أقصد متطلبات زمنه وجيله فهو جزء من هذا الوجود لا يمكن لمثله وهو يمتلك القدرة على التعبير من ثقافة ودراية إضافة إلى الدافع والمهمة الملقاة على كاهل جيله السُّكوت والانتظار وما حوله يجف بفتاوى التكفير والتزمت. يجف بوصاية الرِّجال باسم الله ودينه الحنيف على المجتمع.

ذكر السَّعيد في كتابه كيف جرى التعامل مع المخترعين والمكتشفين من الذين لا يخلو بيت متشدد أو منفتح من فوائد إنجازاتهم العلمية على أن هؤلاء يجزون في الدُّنيا وأنهم كفار لا حصة لهم من نعيم الآخرة. أفتى ذلك الشيخ راداً على من ترحم على مخترع درر العصر وجواهره: الآيباد والآي فون ستيف جوبز (ت 2011). فتأملوا كارثة ما يجري.

تعرفت على خالد السَّعيد عبر ما يكتبه في جريدة «الحياة»، وقد استرعى التفاتي لما يكتب من موضوعات مهمة في الصراع الدائر بين مستجدات الحياة ومعقوقات التغلب عليها؛ بين الزَّمن المنطلق كالسَّهم ومحاولة إرجاع مكسوراً إلى كنانته. نعم أنه صراع قديم وفي كلِّ قرن يتقابل المتضادان لكن بقدر ما أن سرعة النهضة منطلقة في مجالات الحياة كافة تحاول تلك القوى تكفيننا ونحن أحياء. لا يقولون هذا فهمنا أو ما توصي به عقولنا إنما يسندون ذلك إلى الله وعندها ينتهي الحوار معهم! فمن له الحق بمجادلة الله؟! ففتوى التكفير جاهزة.

يصدر خالد السَّعيد كتابه وهو موضوعات كان قد نشر جزءاً منها من قبل ويصدرها الآن مهمشة بالمصادر والمراجع فالكتاب غير المقالة وبذلك تكون بيد القارئ مع قيود البحث. أجدها مساهمة واعية ومنتجاً غزير الفائدة باستطراداتها واستشهاداتها.

سيواجه السَّعيد بردود أفعال موافقة ومعارضة لأن العناوين المطروحة تثير الجدل وتنبه إلى أن جهد من تصدى ضد تلازم الاستبداد الدِّيني والسِّياسي من الأولين والمتأخرين لم يذهب هباءً، ذلك التلازم الذي حول مسار حيواتنا مع ما في الزَّمن من نهضات عقلية عملاقة، «من استبداد إلى استبداد»، مثلما يفرزه الآن ما عرف بالربيع العربي بالمنطقة فتبدأ البرلمانات الدِّينية قبل البسملة بفرض قانون فرض الشَّريعة رسمياً.

أذكر بمقولتين في التعاضد بين السياسي والدِّيني وما يحاول السَّعيد نقده وتفكيكه ومواجهته واحدة لنابغة سنّي وأخرى لعلَّامة شيعي. كتب المصلح الشَّيخ عبد الرَّحمن الكواكبي (ت 1902) قائلاً: «تضافرت آراء أكثر العلماء من الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان على أن الاستبداد السياسي متولد من الاستعباد الديني. والبعض يقول: إن لم يكن هناك توليد فهما أخوان وأبوهما التغلب والرياسة أو هما صنوان قويان بينهما رابطة الحاجة على التعاون لتذليل الإنسان والمشاكلة بينهما أنهما حاكمان أحدهما في مملكة الأجسام والآخر في عالم القلوب»(3).

ثم كتب المجتهد الشِّيعي الشيخ محمد حسين النَّائيني (ت 1936)، ما لا يختلف عن القول الأول في الاستبداد الدِّيني: «هي شعبة الاستبداد الديني ويعتبر علاج هذه القوة بعد علاج سابقتها من أعسر الأمور وأصعبها وذلك لشدة رسوخها بالأذهان والقلوب أولاً»(4).

بعد هذا أترك القارئ النَّبيه مع ما خطه الكاتب الواعي خالد السَّعيد الذي يحاول كشف هيمنة الارتباط بين الدِّيني والسِّياسي وان لا يتجه المسار من استبداد إلا استبداد في عناوين ونصوص كتبها بحس المواجه المعترض الحريص على نصرة من يرى تبدل الأحوال في تبدل الأزمان ورحم الله صاحب هذه الرُّؤية المتحضرة إمام التَّسامح والسُّهولة أبا حنيفة النُّعمان (150 هـ)، وقيل إنه قضى مقتولاً بتلازم سابق بين السِّياسي والدِّيني.

الصفحات