أنت هنا

قراءة كتاب نقوش على الماء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نقوش على الماء

نقوش على الماء

كتاب " نقوش على الماء " ، تأليف خالد السعيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

العقل العربي:حين تصبح الخرافة عقيدة

مؤامرة.. مؤمرة.. مؤامرة

ليس هناك ما هو أهون على العقل العربي من إحالة خيباته إلى ما يعرف بالمؤامرة. الارتهان لثقافة المؤامرة يشف عن هزال العقل النقدي وهيمنة الأحكام المنمطة والخوف من مواجهة الذات والاستسلام لإغواء الإجابات السهلة. الاعتقاد الجازم والإيمان الصارم بوجود مؤمرات تحاك من وراء الستار ليس إلا تبريراً وهمياً لحالة التقهقر الحضاري والتشرذم السياسي والتدهور الاقتصادي والتراجع العلمي. بكلمات أخرى استفحال الفكر المؤامراتي هو تفسير مريح لتنازل العرب والمسلمين عن مكانتهم الحضارية ومنزلتهم التاريخية لمصلحة خصوم الأمس واليوم. لا يعني ما سلف نفي المؤامرة أو الدفع ببراءة المتآمرين بقدر ما يعني انتقاد الإسراف الدائم في استهلاك واستحلاب نظرية المؤامرة كلما جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.

في زمن الثمانينيات الميلادية وأيام الشطط الصحوي كانت هناك قائمة طويلة بالمتآمرين كافة على الأمة وعقيدتها ومقدراتها ووحدتها ولغتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها وشبابها ونسائها. كانت القائمة تضم دولاً، وأفكاراً، وأيدلوجيات ومنظمات وأفراداً، كمثل أمريكا النصرانية والاتحاد السوفييتي الملحد وفرنسا وبريطانيا والفاتيكان الحاقد والماسونية الخبيثة والعلمانية الماكرة ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان. يا له حقاً من خليط عجيب وغريب! كيف استطاع هذا العقل أن يحشر كل الأضداد في صندوق واحد؟! المدهش أن هذا المزيج المتنافر والخليط اللامتجانس كان يدار من وراء الستار بخيوط تحركها أصابع يهودية. فالشيوعية صناعة يهودية والرأسمالية صناعة يهودية وماركس يهودي وفرويد يهودي وداروين يهودي والمؤسسات الإعلامية والمراكز المالية والأستديوهات الفنية بيد اليهود وحتى كرة القدم حيلة يهودية. لطالما تساءلت يومها: لماذا يبتكر اليهود الماركسية ليضربوا بها الرأسمالية التي صنعوها؟ ولماذا يلعب اليهود الكرة طالما هي حيلة لشغل شباب الأمة بتوافه الأمور وصرفهم عن جلائل الأمور؟! كيف لهؤلاء العباقرة أن يقاتلوا أنفسهم بأنفسهم؟! هل كل ما يفعلونه مجرد خدعة منهم؟ جائز! مشكلة هذا الفكر أنه يتجاهل قراءة التفاصيل ويتغافل عن رؤية الألوان والملامح والسمات بين هذا وذاك. إنه يقفز فوق الواقع مباشرة لكي يصل إلى الاستنتاج المحسوم والهدف المرسوم. الكل متآمر.. الكل متواطئ.. والكل حاقد.

أخيراً، قرأت كتاباً هاماً بعنوان «نقد نظرية المؤامرة في تفسير الهزائم القومية والإسلامية» للمؤلف الأردني عثمان العثمان(16). يعتمد الكتاب نظرة موضعية رزينة ورؤية تحليلية رصينة دون أن يسقط في فخ الغوغائية والسطحية أو يتردى في حمأة الشتائم والسخائم في تشخيص هزائم العرب السياسية والعسكرية المذلة خلال القرن المنصرم. من المؤكد أن كتاباً كهذا لن يعجب عشاق نظرية المؤامرة لأنه يستخدم لغة المكاشفة والمصارحة عوضاً عن لغة التخدير والمؤامرة التي ترتاح لها الأذن ويطمئن لها القلب. يفند الكاتب ما تواطأ عليه العامة والخاصة من أن المشروع الصهيوني الاستيطاني كان ثمرة التآمر البريطاني بقدر ما كان نتيجة حتمية للسذاجة السياسية الفاضحة والأخطاء الاستراتيجية الكارثية التي وقع فيها الشريف فيصل بن الحسين. وبالمثل لم تكن مسيرة النضال الفلسطيني الدامي وفضيحة يونيو 1967 ووحشية الغزو الصدامي للكويت في 1990 نتاج مؤمرات امريكية – صهيونية بل جاءت تلك الهزائم المدوية والمتكررة كتتويج لمسلسل البلادة السياسية والأخطاء الاستراتيجية الفادحة التي اقترفتها القيادات الاستبدادية بدءاً بالحاج أمين الحسيني ومروراً بجمال عبد الناصر وانتهاءً بصدام حسين.

لا أحسب أن بواكير نظرية المؤامرة تعود إلى مرحلة الهياج القومي أو ما أعقبها من الزحف الأصولي بل أحسبها تمتد بعيداً إلى زمن الفتنة الكبرى ومقتل الخليفة عثمان بن عفان. يتهم جل المؤرخين ابن سبأ (يهودي من اليمن) بزرع بذور الفتنة وبالتحريض على عثمان وبدس معتقدات فاسدة في صلب الدين. مؤامرة ابن سبأ على الإسلام والمسلمين لاتزال مفاعيلها ممتدة إلى اليوم وربما إلى أن يرث الله الأرض وما عليها! وبعد ابن سبأ بستة قرون جاء الدور على رجل يقال له ابن العلقمي. لايزال اسم ابن العلقمي (وزير الخليفة المستعصم وآخر الخلفاء العباسيين) أيقونة للخيانة والتآمر. كثرة كاثرة تتهمه بمكاتبة هولاكو المغولي وبتحريضه على اجتياح بغداد واسقاط الخلافة السنية وهو اتهام تفوح منه رائحة الطائفية ولكن ليس هذا مجال حديثنا. منذ زمن ابن سبأ إلى ساعة كتابة هذا المقال والأشباح تعبث بحياتنا والمؤمرات تتلاعب بمصائرنا والمتآمرون يتلاعبون بأقدارنا! يا إلهي! ما أشقى هذه الأمة التي تتكالب عليها شياطين الإنس والجن كما تتكالب الأكلة على قصعتها!

الصفحات