أنت هنا

قراءة كتاب نقوش على الماء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نقوش على الماء

نقوش على الماء

كتاب " نقوش على الماء " ، تأليف خالد السعيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

فزاعة!.. من قال فزاعة؟

أكدت تداعيات الزلزال الذي ضرب بعنف كلاً من تونس ومصر وليبيا تهافت نظرية «الفزاعة» وخطلها. لم يعد من المقبول ولا من المعقول أن يقال وجماعات التأسلم تخطف الأنظار وتقطف الأصوات إنهم فزاعة. قبل وأثناء انفجار الانتفاضات العربية كان عدد من الكتّاب والمتابعين يتهمون النظم الديكتاتورية باختلاق أكذوبة الفزاعة الإسلاموية والمتربصة بكراسي الحكم بهدف ضمان تأييد الغرب في الخارج ومن أجل تخويف الأطياف العلمانية والليبرالية في الداخل. لا أفهم لماذا كان هؤلاء الكتّاب يصرون على وصف تلك الجماعات المتحرّقة للإمساك بأزمة السلطة بأنها ليست سوى فزاعة وحديث خرافة! هناك تفسيران على الأقل لرواج مثل تلك القناعات بين أوساط المتابعين والكتّاب. أولهما أن النظم القمعية والمستبدة ظلت تمارس الدجل السياسي والكذب المكشوف ردحاً من الزمن لدرجة أن لا أحد صار يصدقها. وثانيهما أن هناك جهلاً فاضحاً وقصوراً واضحاً بأدبيات التيارات الإسلاموية ومساعيها الحثيثة وطموحاتها التليدة بالجلوس على عروش السلطة.

قلت ذات مرة وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية في تونس ومصر والمغرب وفي مقالة بعنوان «ثورات العرب: بين امتحان الحريات ومواصلة الاستبداد»، إنّ التيارات الإسلاموية هي من ستمضي فوق جسر الثورة لنيل صولجان الحكم وتاجه وهذا ما تحقق بالفعل. فاز الإسلاميون رغم أنهم لم يقفزوا إلى داخل عربة الثورة إلا متأخراً، أقول: فاز الإسلاميون لأنهم الأشد تنظيماً والأعظم دهاءً والأكثر قرباً إلى وجدان المواطن البسيط وعقله. نال الإسلاميون أغلبية الأصوات رغم احتقارهم للديموقراطية وكراهيتهم للتعددية الحزبية وميولهم العنفية وضبابية برامجهم الانتخابية. لماذا؟ في تلك المقالة المذكورة قلت إن روح العبودية المشرّشة في عروق تاريخنا هي من تعيد إنتاج الاستبداد. قلت إن نماذج التسلط المعاصرة ما هي إلا طبعات فاخرة لنماذج سادية قديمة لطخت أوراق التاريخ بلون أحمر. لقد انطوت الأيام وتبدلت الوجوه وتغيرت الأسماء لكن الأفكار والسلوكيات والسياسات والعلاقات لاتزال على حالها، لم تتحول ولم تتبدل.

ولكن هل يكفي أن نحيل اكتساحات الإسلاميين لصناديق الانتخابات إلى الإرث الاستبدادي المتجذر في أعماق الشخصية العربية فحسب؟ بالطبع لا. النظم السياسية الديكتاتورية والتوليتارية تتحمل بدورها جزءاً لا يستهان به في تنامي الظاهرة الأصولية. هناك خطأ شائع تتداوله العامة والخاصة وهو أن تلك النظم القمعية والزعامات الاستبدادية أمثال القذافي وصالح ومبارك كانت علمانية الهوية وليبرالية الهوى. الليبرالية والاستبداد ضدان لا يمكن لهما أن يلتقيا. صحيح أن النظم الاستبدادية قد طاردت ونكلت بجماعات الإسلام السياسي ولكنها في الوقت ذاته لم تستثن التيارات العلمانية والليبرالية من بطشها وطغيانها. النظم الاستبدادية رغم قشرتها العلمانية الباهتة كانت تزاحم جماعات الإسلام السياسي على استمالة الشارع في تظاهرها بالتدين وفي مبالغتها باحترام الطقوس الدينية. أدت سياسات النظم السياسية المزايدة على جماعات التأسلم إلى إشاعة أجواء الدروشة الدينية وإلى تعطيل حركة التغريب والتحديث وإلى محاربة التوجهات العقلانية. عندما ارتقى الرئيس السادات سدة الحكم سارع إلى تقريب التيار الإسلاموي بهدف الإجهاز على مناوئيه من الشيوعيين والناصريين فبادر إلى إخراج الإخوان من السجون وإلى إطلاق أيديهم في البلاد. ففي عهده وصل بث البرامج الدينية عام 1977 إلى 33 ساعة أسبوعياً، وتضاعف عدد المساجد الحكومية والأهلية وانتشر الحجاب بين النساء والجلاليب البيضاء بين الرجال وقذفت المطابع بالآلاف المؤلفة من الكتب الدينية والتراثية التي غطت واجهات المكتبات وأرصفة الشوارع(15) .

ماذا بعد؟ لا يكفي اقتلاع الكابوس الجاثم على صدر الوطن حتى تشرق شمس العدل وتهب نسائم الحرية. ما أكثر ثورات العرب والمسلمين التي أطاحت بدول وجاءت بدول ولكن لا الظلم باد ولا العدل ساد. لا قيمة ولا معنى لثورة تستبدل الاستبداد باستبداد والجلاد بجلاد. الثورة على الطاغية تستلزم سلفاً الثورة على الأفكار القائمة والمفاهيم السائدة. لايزال الفكر الأسطوري والجمود العقلي يهيمنان على الساحة منذ إخماد شعلة «جماعة المعتزلة» وتنامي فكر أبي حامد الغزالي النصي والممالئ للسلطة. لايزال العقل العربي يبرر الخنوع وينفر من التفاصيل ويجتر الماضي ويهاب التجديد. لن تكون هناك ثورة حقيقية ما لم يتم تثوير العقل وتحريره من أغلاله. ولن تفلح ثورات العرب ما لم تسمو الحرية الفردية وتنمو الحركة الفكرية. هل نفعل؟ لا أظن ولكن لا أملك إلا أن أتمنى.

الصفحات