أنت هنا

قراءة كتاب نقوش على الماء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نقوش على الماء

نقوش على الماء

كتاب " نقوش على الماء " ، تأليف خالد السعيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

أقنعة الإخوان

قبل تفجر الانتفاضات العربية سئل عصام العريان أحد قياديي جماعة الإخوان المصرية: هل سيقبل الإخوان بالتعددية الحزبية فيما لو تولى «الإخوان» الحكم في مصر؟ فردَّ: بالطبع سنقبل! وفي سياق متصل لخّص العريان الإتجاهات المعاصرة لجماعته بالقول: «الاتفاق على التعددية السياسية والموقف من المرأة أمور فيها اجتهادات جديدة من جانب الإخوان تتماشى مع المستجدات التي تعيشها الأمة الإسلامية الآن». وبالمثل يرفع محمد السيد حبيب أحد رجالات الإخوان البارزين الشعار التالي: «تبني الدعوة لإنهاء الخصومة بين الحكومات والشعوب من خلال الإصلاح السياسي وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني». تلك مقتطفات اقتبستها من مقالة بعنوان «هل ستستعيد مصر الخلافة الإسلامية؟» للمفكر شاكر النابلسي(11) في كتابه «الإسلام وجراب الحاوي: لماذا حولنا الإسلام إلى حجاب وإرهاب؟».

من كان يصدق أن تخرج مثل تلك الأقوال المنكهة بمذاقات ليبرالية – والعياذ بالله – من أفواه عناصر إخوانية؟ من كان يصدق أن ينقلب التلامذة الصغار على إرث وفكر أساطينهم وشيوخهم الكبار من أمثال حسن البنا والقطبين سيد ومحمد بدلاً من الانقلاب على الحكومات «الجاهلية» المعاصرة؟ هل تغير الإخوان من الداخل حقاً؟ هل تخلى الإخوان عن خرافاتهم وأفكارهم المستحيلة؟ الأيام المقبلة ستبرهن لنا ما إذا كان الإخوان صادقين أم كاذبين. في اعتقادي الخاص الإخوان مضطرون إلى الباس خطابهم قميصاً مفتوح الأزرار وبنطال جينز «ديرتي» بدلاً من الجلباب الأبيض الفضفاض لكي يبدو خطابهم عصرياً وجذاباً. الإخوان بحاجة إلى تملق الغرب وإلى بث إشارات تطمينية للأحزاب الأخرى بأنهم ليسوا كجماعة طالبان وليسوا كملالي طهران. إنهم – وياللعجب – منفتحون على الغرب وثقافته ومؤمنون بحرية العمل الحزبي وبحقوق المرأة.

لا يمل الإخوان ولا بقية جماعات الإسلام السياسي من التغزل بالنموذج التركي الأردغوني. هل ينوي الإخوان حقاً استنبات التجربة التركية على ضفاف النيل؟ لا يمكن للإخوان ولا لغيرهم استيراد النموذج التركي دون استعارة أطره العلمانية ومكوناته الديموقراطية. أتود رؤية وجه الإخوان الحقيقي بلا قناع؟ قبل شهور قليلة استقبل المصريون وأكثرهم من جماعة الإخوان الرئيس التركي أردوغان استقبال الأبطال. في لحظات عفوية وصادقة ساح «المكياج» الليبرالي من شدة الوجد وحرارة الشوق بلقاء «الخليفة التركي». تخلى أنصار الجماعة عند لقائهم بالسلطان العثماني «أردوغان الأول» عن وقارهم الخطابي وعن أحلام «الدولة المدنية» التي كان يبشر بها العريان وإخوانه في النضال الدستوري. رفع شباب الإخوان لافتة كبرى تقول: «مصر وتركيا عاوزنها خلافة إسلامية». حسبوا أن أردوغان هو السلطان سليم الأول قد بعث اليوم من قبره. أصيب الإخوان بلطمة عندما نصحهم أردوغان بتبني العلمانية طريقاً لمصر وبضرورة وقوف الدولة على مسافة متساوية من الأديان والمذاهب وبأهمية احترام حرية الفكر والضمير. أهذا أردوغان التركي أم ساركوزي الفرنسي؟ نزلت كلمات أردوغان كالماء على جمرة الشوق المشتعلة في صدور الإخوان لأيام الباب العالي وعصور الاستبداد التي عفا الزمن عليها(12).

من المتعذر ابتلاع وعود الإخوان دون أن ترتشف أكواباً من الماء. تاريخهم العريض وباعهم الطويل يجعلك تشكك فيما يقولون ألف مرة ومرة. عندما تقرأ كتاباتهم وتسمع أقوالهم تشعر وكأنك تلاحق زئبقاً بلا طائل. لا تقدر أن ترصد لهم موقفاً واحداً حول قضايا شتى مثل الأقليات الدينية وحقوق المرأة والتعددية السياسية وحقوق الإنسان والعلاقات مع الغرب والحريات الفكرية. ذات مرة صرّح مرشدهم «محمد أبو النصر» قائلاً: «الإخوان يرحبون بوجود شيوعي»، ولكن خلفه «مصطفى مشهور» أصر على صد الأبواب في وجوه العلمانيين والشيوعيين لتأمين سلامة المجتمع من العلمانية الضالة والشيوعية المضلة(13). وفي منتصف القرن الماضي حلف البنا أيماناً غليظةً بأن أعمال التفجير والتقتيل لم تقترفها جماعته فقال: «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين». واصلت الجماعة إنكارها لأي صلة لها بجرائم القتل رغم تراكم مئات الاعترافات من الكوادر الإخوانية والتي قيل إنها انتزعت منهم عنوة. وبعد انقضاء عشرات السنين سطّرت زعامات إخوانية في مذكراتهم جرائم جماعتهم في تباه وتفاخر(14) .

صفوة القول: الإخوان متقلبون.. ومتلونون.. ومتموجون... وحربائيون. سيشرب الإخوان في الغد وعودهم الوردية وسيقرمشون شعاراتهم العصرية إذ ليس من السهل على حزب أيديولوجي حتى العظم أن ينسلخ من جلده ويتنازل عن قناعته وفكره. أكثر ما أخشاه أن يكون المصريون كمثل الذي يستجير بالنار من الرمضاء!

الصفحات