كتاب " نقوش على الماء " ، تأليف خالد السعيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب نقوش على الماء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

نقوش على الماء
أيها الإخوان.. لقد آن موعد الامتحان
لم يشكل اكتساح الإسلام السياسي لصناديق الاقتراع في المغرب وتونس ومصر والكويت أدنى مفاجأة لي بل إن المفاجأة هي ألا تفوز بها. ولو أن انتخابات مماثلة دارت في بقية الأقطار العربية لطار بها الإسلاميون دون شك. ولعلي لا أغالي في القول لو أن المقتول بن لادن كان حياً، وخاض غمار الانتخابات «الكافرة» التي لا يجدها في كتاب الله وسنة نبيه لقطف زهور الربيع العربي في سلته ولحملته الجماهير عالياً إلى سدة الحكم! فاز الإسلاميون بأصوات الجماهير لأربعة أسباب على الأقل. أولها أن حكومات ما بعد الاستعمار قد فشلت في بناء دولة الرفاه والعدل الاجتماعي وحولت الأوطان إلى سجون بلا قضبان وحكمت العباد بالقمع والاستبداد وصبت ثروات البلاد في جيب الحاكم وعشيرته الأقربين وطبقة المنتفعين. ثانيها أن جماعات الإسلام السياسي تمكنت خلال عقود طويلة من اختراق طبقات المجتمع التحتية ومن ملء الفجوة ما بين الطبقة التحتية والطبقة الحاكمة وذلك من خلال استثمار مداخيلها المالية في تقديم خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية مجانية بغرض تعزيز مكانة الجماعة لدى هذه الفئات المهمشة والمتزايدة باضطراد. وثالثها أن الشعارات الفضفاضة لهذه الجماعات تتماس مع المكبوتات التاريخية الدفينة في صدور الناس وتناغي فيهم أحلام السيادة القديمة والفتوحات العظيمة. ورابعها أن قيادات تلك الجماعات دوماً ما توظف «سدانتها» للدين واحتلالها للجامع وخلطها المتعمد ما بين دور «الكاهن» و«السياسي» في تخويف العوام من غضب الله فيما لو منحوا أصواتهم للأحزاب التي تقف على يسارها من علمانية وليبرالية.
بعد انتصارات الإسلاميين المدوية سيكون شعارهم الأثير «الإسلام هو الحل» على المحك. سنرى كيف سيترجم حواة الدين وهواة السياسة هذا الشعار البراق إلى واقع معاش. سنرى كيف سيتعامل الإسلاميون مع الملفات الشائكة والأمراض المتراكمة التي ورثوها من حكومات الاستبداد الزائلة. الأيام المقبلة سوف تظهر بجلاء كيف سيتعامل الإسلاميون مع ظاهرة الفقر المتزايدة ومشكلة البطالة المتنامية. سنرى كيف سيخرج الإسلاميون من أكمام هذا الشعار دواءً لأمراض القطاعات الصحية ومطهراً لفيروسات الفساد المتفشية ومخرجاً لعقم المناهج التعليمية. من المؤكد أن جماعات الإسلام السياسي تعي في قرارة نفسها أنها لا تستطيع أن تمنح من بئر التجربة التاريخية ما يكفي من حلول سحرية لمعالجة المشاكل العالقة والأمراض المزمنة. التاريخ الممتد عبر قرون مديدة لا يوفر لنا نماذج يمكن الاتكاء عليها في تبرير ادعاءات تلك الجماعات. لا شك أن الإسلام غني بقيم نبيلة وبمفاهيم عظيمة ولكنها لم تحول تاريخياً إلى ممارسات حقيقية إلا في حالات استثنائية لا يمكن الاحتكام إليها والتعويل عليها. من يقرأ التاريخ عارياً دون أن نلبسه ثياب العاطفة ويراه حقيقياً دون أن نصبغه بمساحيق التجميل سيجده ممهوراً بالدم ومفعماً بالحروب والفتن ومخلوطاً بالظلم والتسلط والاستبداد ومسكوناً بالفقر والجوع والجهل.
لقد وظفت جماعات التأسلم شعار «الإسلام هو الحل» لتسويق نفسها ولكنها سوف تفتش عن حلول معاصرة عندما تجد أنها محاصرة بإشكالات الواقع وتعقيداته. فعلى سبيل المثال لا أتصور أن يستبد الجنون بالإخوان في مصر فيغلقون أبواب السياحة في وجوه «الكفار» القادمين من قارات العالم أو أن يقوم السلفيون بنسف الأهرامات وبتحطيم «الأصنام» الفرعونية في المتاحف كما سبقهم مهابيل طالبان أو بفرض «الجزية» على الأقباط الذميين أو بتخيير البهائيين ما بين الإسلام أو السيف.
لا اعتقد أن ثمة تغييراً جوهرياً سيطرأ على أداء السياسات الخارجية للدول التي تصدّر الإسلاميون فيها المشهد السياسي. فجماعة الإخوان على سبيل المثال لن تقدم على الانتحار السياسي بتمزيق اتفاقية كامب ديفيد وإعلان الجهاد المقدس على اسرائيل وإلا فإنها سوف تمحى من الوجود. في اعتقادي أن جماعة الإخوان ومثيلاتها سوف تلتزم بقواعد اللعبة الدولية ولن تفرط بمكتسباتها السياسية بتوريط نفسها في حماقات عسكرية ضد أمريكا واسرائيل. لن تحدث هذه الجماعات انقلاباً هائلاً في المعادلات السياسية الخارجية ولكنها ستصرف أكثر جهوداتها إلى الداخل وستعمل بوتيرة متسارعة على أسلمة المجتمع وستقضم هامش الحريات المحدود أصلاً. إن أبرز الضحايا المرشحين لصعود الإسلام السياسي ليس اسرائيل بل هم ثلاثة: الحرية الفكرية والفنية والأقليات الدينية والمرأة. والخوف كل الخوف أن يدوم هذا الليل فالمتأسلمون ربما يعمدون إلى حرق جسور الديموقراطية التي ساروا فوقها لأنهم سيتذكرون أنها كانت كفراً!