كتاب " نقوش على الماء " ، تأليف خالد السعيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب نقوش على الماء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

نقوش على الماء
ابن لادن لايزال حياً..!
عندما وقعت التفجيرات الإرهابية عام 2001 هلّل وكبّر أكثرية المسلمين لمنظر الدماء وهي تسيل من الأنف الأمريكي. رقص أكثرنا على الجرح الأمريكي لكننا أنكرنا بشدة تورطنا فيها. قال حسين هيكل: إنهم الصرب!، وقال مصطفى محمود: جماعة السبتيين!، وقال آخرون: بل اليهود. لا أفهم كيف لنا أن نفرح بآلام الغير ونحن نحلف بأن العملية برمتها مؤامرة خبيثة لاختلاق مبررات لغزو المنطقة! وعلى الرغم من تأكيدات زعيم القاعدة بن لادن أن العملية قد جرى طهوها في كهوف أفغانستان إلا أن أكثرنا أنكر ولايزال ينكر وسيظل ينكر!
بعد أعوام قليلة أخرج الأمريكان ضمير الأمة والقائد الضرورة صدام حسين من حفرته كأرنب مذعور. وقتها شكّك كثيرون أن يكون الرجل الأشعث الأغبر المقمل هو صدام. وبعد قرابة عامين كان جسد أبي عدي يتدلى على حبل المشنقة. بعدها بليلة أو ليلتين شوهد وجهه موشوماً على كف القمر!! يا لها من رومانسية حالمة! وأخيراً، وقبل أسابيع قليلة سرت شائعات عن تسريب تسجيل لمكالمة هاتفية يتحدث فيها صدام لأحد الأشخاص!
وأخيراً، قطع الأمريكان بعد عشرة أعوام من المطاردة رأس أفعى الإرهاب. نخل الرصاص جسد شيخ المجاهدين في غرفة نومه وليس في ساحة الوغى وميادين الجهاد. لقد تخلص (أكثر) سكان الأرض من رجل شطر العالم إلى فسطاطين وأشاع القتل في كل مكان وحصد من أرواح المسلمين أكثر مما حصده من أرواح (الكافرين). وكالعادة سمعت وقرأت كلمات تشكك في خبر مقتله وتحيل الأمر إلى مجرد خدعة أمريكية.
يسلك هؤلاء المنكرون طريق العقل في حشد البراهين العقلية من أجل تفنيد ما يسمعونه من مزاعم وتأكيد ما يرونه من ظنون. بكلمات أخرى يضع هؤلاء أمانيهم أولاً، ثم يقومون بالتفتيش عن ما يعضدها من قرائن ودلائل. يشبه هذا المنهج الانتقائي قيام أحد الباحثين بتأليف كتاب بقصد التشنيع بطائفة ما بعد أن يجمع ما يكفي من البراهين لخدمة أغراضه. إن انكارنا لغياب صدام وابن لادن هو جزء من انكارنا لواقعنا ورفضنا لمعطياته وتفاعلاته وتمسّك منا بحبال الأمل الذابلة. إذا كنا عاجزين عن تحريك دفة الأحداث وتوجيه مساراتها فإن خيارنا هو الاختباء وراء غابة الشكوك والظنون. إن علامات الاستفهام التي يزرعها هؤلاء المنكرون في عقول الآخرين هي في الأصل موجهة لأنفسهم لا لغيرهم.
إن هذا الداء معشعش في زوايا العقل العربي منذ القدم. فتاريخنا لا يخلو من شخصيات لاتزال إلى حد اليوم تتنفس في مخابئها بانتظار ساعة الظهور لتملأ الأرض عدلاً بعد أن امتلأت جوراً! في النصف الثاني من القرن الهجري الأول برزت فرقة يقال لها الكيسانية ونظر أتباعها إلى محمد بن الحنفية (الابن الثالث لعلي بن أبي طالب) على أنه المهدي المنتظر. وبعد وفاة ابن الحنفية أنكر بعض الغلاة منهم أنه مات وأشاعوا أنه مقيم في جبل رضوى بالحجاز ما بين عينين من ماء وعسل وأنه سيعود آخر الزمان ليبسط العدل ويطوي الظلم(21). وفي منتصف القرن الرابع الهجري دخل محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإمامية سرداباً في سامراء ولم يخرج منه حتى كتابة هذا المقال. ويؤمن الشيعة الإمامية بأنه سيعود يوماً من غيبته لينشر العدل في الأرض بعد أن استحر فيها الظلم! وعندما اجتاح المغول مشرق العالم الإسلامي تصدى لهم بشجاعة وثبات آخر سلاطين خوازم جلال الدين منكبرتي(22) ودارت بينه وبين المغول صولات وجولات إلى أن قتل على يد فلاح كردي في كوخ حقير. شكّل موته صدمة بالغة للمسلمين لأنه كان رمزاً للمقاومة (ليس على النمط السوري بالطبع!). ورغم موته إلا أن الناس ظلّوا ينكرون مقتله ويترقبون عودته حتى لا تنطفئ في قلوبهم شموع الأمل. إن ما يجمع الأسماء الواردة في المقالة أنها رحلت قبل إتمام رسالتها وإنهاء مشوارها وتصفية أعدائها. رحلت في منتصف الطريق تاركة وراءها جموعاً غفيرة من المؤمنين الغارقين في حزنهم وصدمتهم وعجزهم. أستطيع أن أتفهم إنكار الناس بالأمس لغياب رجل كالسلطان علاء الدين فالرجل كان محارباً رائعاً يصعب تعويضه لكني لا أستطيع أن أتفهم إنكار الناس اليوم لغياب رجلين كصدام وبن لادن لم يجلبا سوى الخراب والدمار! هل يمكن اعتبارهما رمزين للمقاومة؟ تلك والله إذن لمشكلة أخرى!