الزهور الصفراء: الجزء الثاني من مشروع القاص محمد المنصور الشقحاء إعادة طبع نتاجه في مجال القصة القصيرة في مشروع الأعمال القصصية.
قراءة كتاب الزهور الصفراء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الزهور الصفراء
في انتظار الحافلة
أعي أنني عمل مصادر حتى في عيون أبنائي. حيث استباحت الهواجس واقعي، فغدت ذرات يصعب متابعتها تنسكب مع أشعة الشمس التي تلج الدور كل صباح عبر فتحات وهمية.
***
إنهم يقتلون مرحلة الصحو التي تنتابني أحياناً. فأخذت في الهذر حتى يصمت من حولي رغم المقاطعات الواضحة التي ترتسم فوق الشفاه حروفاً وكلمات، ثم جملاً اعتراضية غير واعية تنتهي بابتسامة صغيرة باهتة ذات ألوان صفراء متفاوتة الحدة.
***
يقال هناك ناحية من الوطن يقتلون فيها الجياد الأصيلة والكلاب الضالة. حتى القطط لم تسلم من حجارة الأطفال. إذ إن كل ذي روح في تلك الناحية، مشوّه أو مبتور أحد الأطراف. لذا لم يعترض أحد على وجود دكاكين الأطراف الصناعية.
***
استقررت في أعماق الندى زهرة برية ذات أشواك لطخها الدم. تنمو.. تنمو.. رغم الجفاف والجدب. هجرت المزارعين في شاحنات النقل. حيث تم غرس مداخن ذات دخان أبيض يلف أسطح المنازل ويحجب الرؤية.
***
لم أستطع اللحاق بالحافلة التي كنت أحد محتلّي مقاعدها ذات مساء. كانت الساعة تشير إلى الخامسة. كل مرة كنت أرحل قبل موعدنا بثلاثة أيام حتى أصل في الموعد المحدد. إنما هذا اليوم كانت ساعته خربة. أما بقية الساعات فقد كنت أشكّ في صدقها. لذا فات الموعد وعندما سألت بائع القسائم عنك قال: لقد رحلت.
***
أجل عرف صفاتك قبل أن أسترسل في شرح معاناتي. لقد كنت الرجل الذي يحمل الرقم مئة في قائمة السائلين، الذين يلطخ الدم أناملهم. لقد كنت زهرة برية شرسة.
***
ارتفع صوت أجش عبر مكبرات صوت صالة الانتظار معلناً موعد إقلاع ثلاث رحلات إضافية. عدا الرحلة الرسمية.
***
كانت الأطراف الصناعية أكبر عدداً وكماً من الزحام الذي أخذ يكون طوابير من الأعمال الباحثة عن مقاعد شاغرة.
***
من المفروض حسب رقم البطاقة التي أحملها في يدي أن أجلس في مقعد بجانب النافذة، وفي المكان المخصّص للأشخاص الذين لا يدخنون. ومع ذلك، وجدتك تحتلّين مقعدي.
***
الساعة الآن التاسعة. تأجلت الرحلة ثلاث ساعات بسبب عطل في جهاز الحاسب الآلي، إذ إن المبلغ المدون على شاشة الكمبيوتر غير حصيلة الصندوق. وأقل بنسبة كبيرة من الأعمال التي حصلت على تذاكر. ومن ثم احتلت المقاعد الفارغة.
أنت. وكنت المجيب الأول لا أدري لماذا أجبت رغم أن عيني السائل الذي يقف على باب الحافلة تتأملان الفراغ. ترصدان السحب التي أخذت تملأ السماء.
رحت أبحث عن تذكرتي، أو بقية التذكرة التي سلّمني إياها معاون القائد في جيوبي. نثرت حصيلتي من الأوراق والنقود فوق المقعد وعبثت بحقيبة الملابس. فلم أعثر على التذكرة.. وهنا طلب مني الترجل. وأفسح لي الطريق للعودة إلى صالة الانتظار.
***
أقلعت الحافلات الأربع فارغات هذه المرة لأنهم لا يريدون تأخير الرحلة أكثر. فالوقت من ذهب.
***
عدنا إلى طابور الانتظار أمام شباك التذاكر للبحث في قائمة الأسماء عن اسم مدون. إذ إن من يجد اسمه يعد إلى الصالة ومن لا يجد اسمه يقطع تذكرة جديدة.
وصلت أمام الموظف. تأملني قليلاً. ثم ذكّرني بسؤالي عنك وأشار إلى اسم تحته خط أحمر..
ـ أليست هي؟
تأملت الاسم. تذكرت أنني لا أعرف اسمك. هززت رأسي نافياً.
ـ ألديك أطراف صناعية؟
ضحك قبل أن أجيب. كيف يكون لي أطراف صناعية ويدي اليمنى فوق الطاولة تحمل الأوراق النقدية والأخرى تحمل حقيبة الملابس. ثم إنني أرتدي سروالاً رياضياً قصيراً وفانلة صيفية.
***
تسلم البطاقة. هذه المرة لم تكن تحمل رقم المقعد أو المكان المخصص. وتلفت حولي. كانت الصالة فارغة. تمدّدت فوق أحد المقاعد متوسّداً حقيبة الملابس.