أنت هنا

قراءة كتاب ديمقراطية - عولمة وحروب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ديمقراطية - عولمة وحروب

ديمقراطية - عولمة وحروب

يحاول حسن خليل تقديم نفسه ماركسياً في مواجهة المفاهيم المتغيرة، لذا نراه يسعى إلى إعادة تحديد هذه المفاهيم، وتوصيف معاييرها الابستمية ضمن حراك الواقع السياسي - الاقتصادي عالمياً وفي العالم العربي، ولبنان، معيداً "للبراكسيس" لمعانه كأساس في الفكر الماركسي...

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

أولاً: في أزمة الفكر اليساري

في البداية لا بد من الملاحظات التالية:
ژ1 إنَّ هذا الموضوع أو الإشكالية المطروحة ليست إلا مجرد أفكار تطرح للنقاش، أي بمعنى آخر هي أفكار لم تكتمل بعد، وهي بحاجة إلى نقاش ضروري ومكثّف وعقلاني لاستكمال عناصر فهمها، لتصبح مقاربات أولية في عملية إعادة بناء فكر عالمي يساري جديد قادر أن يصبح بديلاً للسائد والمهيمن.
ژ1 إنَّ الأزمة المطروحة للنقاش، أي "أزمة الفكر البديل" لا تُختصر بفئة معينة، أعني بهم "المتضررين مما هو قائم"، وإنما تطال الجميع. هناك أزمة عامة قبل أن تكون "أزمة فكر"، وباعتقادنا أنها أزمة "النظام العام" (2)، أي النظام المكوّن للواقع السياسي والثقافي والفكري والاقتصادي، وبذلك سنناقش من خلال هذه المحاولة الظواهر المرافقة والنتائج المترتبة ومحاولة استشراف البدائل أو اقله ملامسة اتجاهاته.
ژ1 إنَّ بعض أهداف هذه المحاولة، ولنقل ذلك بشكل متواضع، يتمثّل بإجراء مقاربة لما هو مطروح سواء أكان فكراً أو ممارسة، من خلال دراسة النظم المكوّنة، أي بمعنى آخر في النظرية والتطبيق والممارسة. بذلك نكون، ومن منطلق إعادة النقاش إلى أساسه قد أعدنا الاعتبار للفكر الإنساني بالمعنى العام، والذي يحتل الفكر اليساري موقعاً أساساً فيه، أو أقله أحد مكوّناته، ومن هنا يمكن طرح السؤال التالي: هل فعلاً هناك أزمة فكر؟ وهل الفكر اليساري في أزمة؟
سؤال يبدو للوهلة الأولى بديهياً وذلك لسببين: الأول لكثرة من طرحوا هذا السؤال، و الثاني لأن المفهوم والواقع السائد ارتباطاً بالانهيارات الكبرى التي حدثت في أواخر القرن الماضي يبيّنان أن الجواب بديهي أيضاً. لذلك نرى أن محاولة إعادة طرح السؤال أو النقاش تحمل وجهين: الأول: لإعادة فهم ما حصل و الثاني: لإعادة تكوين المكوّن أصلاً ببعض النظريات والمنظرين على ضفتي الواقع الفكري الأيديولوجي والسياسي - أي في حقليّ الصراع التاريخي بين معسكري الرأسمالية من جهة والآخرين، بغض النظر عن ماهيتهم، من جهة أخرى. إنَّ التصدي لإشكالية إعادة نقاش واقع مأزوم بوجوده وشخصيته، تاريخه وحاضره، ليست سوى مسألة تحتمل أوجهاً عدة، منها الفشل والتكرار، ولكن وجوب إعادة الاعتبار إلى مفهوم "إعادة التوازن" -أقله في المرحلة الأولى- لهذا الاختلال الحاصل كماً ونوعاً وممارسةّ في الحياة العامة، بات ضرورة موضوعية حتمية وملحة نظراً لأن هذا "اللاتوازن" يهدد في حال استمراره إرساء حالة ثابتة للواقع المتغير أصلاً في ذاته وطبيعته، ويمكن، كذلك، أن يؤدي إلى اختفاء عنصر وجوده ومبرره المجسد بالآخر، سواء أكان فكراً أو وجوداً مادياً، وفي مرحلة لاحقة إلى إعادة حركة التاريخ إلى حالتها الطبيعية (هنا الإشارة إلى أن هذا لا يعني بأننا خارج حركة التاريخ!). نعني بالحالة الطبيعية، الحالة التي تكون فيها الوقائع المعاشة سبباً لتكوين العقل الجماعي المؤلف في طبيعته للواقع الجماعي، وهذا ما انحرفت عنه تجارب الأعوام الماضية بحيث أصبحت مسببات إنتاج العقل الجماعي محصورة في فئة معينة ومكان معين يوزع "جدول العمل" على الجميع للتنفيذ من دون مشورة أو استئذان (3).
من هذا المنطلق فإن إعادة طرح الإشكالية من خلال أزمة اليسار يعني الطرح الأوسع والأشمل "للنظام العام" الذي يتحكم بمفاصل تطور الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية في عالم تسوده "الثقافات القديمة" المتجددة في طبيعتها وأهدافها. بذلك يكون العامل المؤثر في إعادة إنتاج تلك الثقافات هو المصلحة بحدّ ذاتها. ولقد وجب، إذن، على أصحاب تلك المصلحة أن يكونوا أول من يناقشها، ولا بد من الإشارة هنا إلى وجود أكثر من صاحب مصلحة. بذلك يكون اليسار أحد أصحاب هذه المصلحة، ولكن لماذا؟ وهنا التساؤل الثاني: دائماً اليسار يناقش هذه القضايا من واقع أزمته، أي لماذا يقدم أزمته في النقاش أو يحصرها فيه من دون غيره؟ سؤال يتطلب التبصر قبل الإجابة لأنه في شقّي الإجابة، أي أنه فعلاً مأزوم، ولا بد له ولن يستطيع إلا أن يفعل ذلك. لذلك يجب الانتباه لما يقال وضرورة نقاشه بشكل هادئ وموضوعي لكي لا نقع مجدداً في دائرة المساهمين في زيادة مشاكل اليسار التي هي في أصل وجودها كثيرة. من هذا المنطلق سنحاول الدخول في فهم تلك الأزمة من زاوية تحديد الهوية والوظيفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لليسار وارتباطها بمصالح طبقية وشعبية تخص أكثر من فئة من الناس.
المفهوم والهوية

لا بد من خلال مناقشة أزمة أي فكر أو أيديولوجيا من أن نسلّط الضوء على ما تعنيه هذه الأزمة، ما مصدرها وإلى ماذا سوف تؤدي. بذلك تكون مناقشة هذا الموضوع عملياً إعادة طرح ماهيته وتحديد أهدافه، أي بمعنى آخر إعادة طرح التعريف من خلال مناقشة الأزمة؛ فعملية الفصل بين المفهوم والممارسة هي بحد ذاتها أساس في طرح المشكلة، فأزمة اليسار إذا أخذناها من خلال تعريف الوظيفة السياسية لهذا المشروع، نرى عندئذٍ أن مناقشة الأزمة تتعدى المفهوم إلى العمل أو الواقع، وبذلك نكون قد بدأنا الخوض في نقاش النظام العام المؤلف من عدة أجزاء وأقسام، وبطبيعة الحال فإنَّ هذا اليسار هو مكوّن من مكوناته. لذلك فإنَّ طرح المشكلة كمشكلة خاصة باليسار، فقط، هي كمن يعزل هذا اليسار عن الواقع العام، وهذا بطبيعته غير صحيح، أو حصر المشكلة والأزمة فقط باليسار وهذا تجن ٍ على هذا الأخير. من هنا، فإنَّ طرح الإشكالية يجب أن يكون من خلال طرح أزمة النظام العام المرتبط أصلاً بتطور النظم المحددة والضابطة لآليات تطور الفكر والسياسة والأيديولوجية وعلم الاجتماع.
هذا الطرح يؤدي، إذن، وفي ظل واقع مأزوم بطبيعته، إلى تعميم الأزمة، وبذلك يكون التصدي ولو لجزء من هذه الأزمة، نعني به اليسار، من خلال مقاربات بدائل للنظام المأزوم أوعلى الأقل آليات تصدي لهذه الأزمة. عندئذ يكون طرح أزمة اليسار هو مسألة طبيعية وواجبة.
إنَّ إعادة التمركز والتموضع اليساري اليوم ناتج من خلال بعض الأمور التي يعتقدها أهل اليسار في أساس هويتهم الفكرية والسياسية، ونعني هنا الانحياز إلى الفئات الأكثر تضرراً والأكثر تهميشاً على الصعيد الاجتماعي وهذا صحيح بالأساس. لكن السؤال الإشكالية اليوم هو كيف يمكن إعادة توصيف هذه الهوية الاجتماعية في ظل التحولات الجذرية الناتجة عن تغيرات في الواقع العام - بيولوجياً إن صح التعبير (4)؟ - أي عملية التحوّل الناتجة عن التغير بفضل منطق الحياة والتطور بحد ذاتها، وليس فقط بفضل التطورات والتغيرات الاجتماعية والسياسية والجيوسياسية. من هنا فإنَّ إعادة التمركز تكون في موضع الخلل بهدف إصلاحه أو تعطيل مفاعيله في صلب نقاش أهل اليسار، سواء من خلال تحديد الهوية والوظيفة لهذا اليسار اللتين تسمحان بفهم خارطة طريق التطور الفكري والثقافي والبعد الاجتماعي، وبعدها يحدد هذا اليسار موقعه لينطلق في حمل لوائها والدفاع عن تلك الفئات التي تربى ونشأ حاملاً لواءها، وناطقاً باسمها.

الصفحات