يحاول حسن خليل تقديم نفسه ماركسياً في مواجهة المفاهيم المتغيرة، لذا نراه يسعى إلى إعادة تحديد هذه المفاهيم، وتوصيف معاييرها الابستمية ضمن حراك الواقع السياسي - الاقتصادي عالمياً وفي العالم العربي، ولبنان، معيداً "للبراكسيس" لمعانه كأساس في الفكر الماركسي...
أنت هنا
قراءة كتاب ديمقراطية - عولمة وحروب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الثاني
الديمقراطيات القاتلة
أولاً- مقدمة لا بد منها
"لم ننس بعد كونداليسا رايس (14)، خلال مؤتمرها الصحافي في بيروت في تموز 2006 والتي قالت رداً على سؤال حول عذاب الشعب اللبناني، خاصةً الأطفال، نتيجة العدوان الإسرائيلي: "هذه اوجاع ولادة الشرق الأوسط الجديد". إنَّ منطق السيدة رايس وجوابها ليسا بحاجة إلى كثير من الشرح لتبيان مضمونهما الإجرامي...
بالمقابل لم ننس أيضاً مئات الآلاف الذين نزلوا إلى الشوارع، وفي نفس الوقت، في بيروت كما في العواصم العربية، في باريس، لندن، مدريد، كراكاس وغيرها رافضين ومنددين بالعدوان الإسرائيلي المدعوم والمُشجّع من السياسة الأميركية، هذه السياسة التي تجعل من كل اعمالها الوحشية والإجرامية كما لو أنها أعمال شرعية وصحيحة، خاصة عندما تضعها تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان".
"الديمقراطيات القاتلة" هو الواقع الحالي للعالم، واقع نعيش فيه "الكذبة الكبرى" لليبرالية-المعّولمة (15) والممّوهة بمجموعة أفكار ومفاهيم عن "عالم حر" يعيش في أمن وسلام. إنها حالة تعبر عن واقع مأزوم في شكله ومضمونه. عالم نعيش فيه هذا الوهم الكبير، وهم أصبح معه كل حديث عن "ديمقراطية" أو "حقوق انسان" هو حديث "مشبوه" أو لنكن أكثر تسامحاً، هو حديث يستوجب الكثير من التمحيص في مصدره، ومضمونه وظروفه، حديث ننتظر بعده مباشرةً حرباً جديدة ليصبح أي كلام عن الديمقراطية وحقوق الإنسان مرادفاً للحروب.
إنَّ الحديث عن الديمقراطية في هذا الوقت ضرورة ملحة نظراً لما ارتبط بهذا المفهوم من أمور وسلوكيات وصلت في بعض الأحيان إلى ارتكاب أفعال وممارسات ابعد ما تكون عن المفهوم التقليدي-الكلاسيكي للديمقراطية. لقد اخترنا هذا الموضوع لأنه يمس بشكل مباشر حياتنا اليومية، وواقعنا اليومي المعاش بكل تفاصيله وعلى جميع الصعد: السياسية، الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية، ولأنه يختص أيضاً بما يدور من حولنا، في عالم مأزوم بطبيعته وتطوره؛ وسبب الاختيار ليس لزيادة مفهوم جديد أو تعريف آخر لهذا المُسمى "ديمقراطية" وإنما زعمٌ بتحقيق قراءة تحليلية لبعض الظواهر الفلسفية والسياسية التي ظهرت اخيراً على مسرح الأحداث وفي الفكر الإنساني، خاصة في العقدين الأخيرين، وفي القلب منها الديمقراطية التي ارتُكبت باسمها مجموعة "موبقات" سياسية وسلوكية هي أبعد ما تكون عن جوهرها: نعيش اليوم في عصر حيث نرى بعضهم يقوم ويدعو إلى الحرب والغزو والقتل باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تُباع في أسواق السياسة والمصالح، نرى روح، وجوهر ومفهوم الحرية مرتبطاً بشكل كبير بالذي يمتلك سلطتَي المال والقوة، ونرى أيضاً شدة الترابط والتماهي بين القيم والمصالح في الخطاب السياسي والأيديولوجي لأصحاب "الرأي العالمي الجديد" بحيث تضيع القيم في لعبة المصالح وبتقدم المفهوم الأخير على الأول في مطلق الأحوال.
أمام هذا الواقع المأزوم هناك ضرورة لطرح الأسئلة التالية:
هل فعلاً نعيش اليوم في عالم "ديمقراطي"؟
هل الأنظمة الموجودة والمصنّفة "ديمقراطية" هي فعلاً كذلك وتُطبق أصول الديمقراطية؟
النفي هو الإجابة الطبيعية عن هذين السؤالين لأنه هو الواقع، مما يجعل فكرة دراسة هذا النوع من "الديمقراطيات" امراً واجباً ومطلوباً، خاصة مع هذا الانتشار الواسع لهذا المفهوم-الملتبس والمعقد. واقع فرض علينا مفاهيم جديدة تستوجب التوقف عندها وتحليلها. واقع ونظام يبرر الأفعال ويستغل القيم في لعبة السياسة. وإنَّ ما نحاول قوله في هذا النص هو مقاربة لواقع "النظام العالمي" (16) وتجلياته في كل المجالات، إنها محاولة لإظهار مدى "الإفراط" في استخدام المفاهيم وخاصة "القيم" في لعبة المصالح، إنها محاولة لحث الفكر الإنساني على "الانتفاض" على واقع "الكذبة الكبرى" التي نعيش فيها، إنها محاولة للقول: إنه هو الواقع، لا حل مع هذه العقلية المتحكمة، إذن اصبح من الواجب التفكير في بديل آخر، بديل يكون أكثر انسانية، إنها دعوة لعدم التسليم بالواقع كما لو أنه قدرٌ محتمٌ.
إنها ملحّة وضرورية مسألة تفكيك المنظومة الفكرية السائدة وإعادة تركيبها، وفي هذا الوقت بالذات، لأننا في واقع صعب. من يدري فقد نصبح على عالم من دون "قيم"، وهنا يكون متأخراً جداً القيام بشىء. إذن هذا هو الواقع، وما سنحاول مناقشته هو بكل بساطة استعراض بعض الظواهر السلوكية التي ظهرت مؤخراً على مسرح الأحداث الدولية وكان لها أثر كبير، حاسم ومقرر في الكثير من الأحيان: إنها محاولة نقاش إذن مع بعض الاتجاهات لإيجاد مخارج.