أنت هنا

قراءة كتاب ديمقراطية - عولمة وحروب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ديمقراطية - عولمة وحروب

ديمقراطية - عولمة وحروب

يحاول حسن خليل تقديم نفسه ماركسياً في مواجهة المفاهيم المتغيرة، لذا نراه يسعى إلى إعادة تحديد هذه المفاهيم، وتوصيف معاييرها الابستمية ضمن حراك الواقع السياسي - الاقتصادي عالمياً وفي العالم العربي، ولبنان، معيداً "للبراكسيس" لمعانه كأساس في الفكر الماركسي...

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

- التعددية الطوائفية: هي من أهم المرتكزات التي قامت عليها سياسة ما بعد الحرب الباردة. وتكاد تكون من أهم العوامل المقررة لطبيعة النظام السياسي للعولمة وشكله. إنَّ فكرة التعددية ليست بالفكرة المرفوضة بل نقول إنها مطلوبة وذلك لإبراز الأفكار وتباينها وصراعها ليسهل الاختيار. لكن المشكلة تكمن في كيفية تكوين هذا المفهوم واستقدامه وطريقة التعاطي معه إضافة إلى نوعية التعدد وطبيعة الاستخدام. ما لجأت إليه نظم العولمة أو نظم ما بعد سيادة فكر ومنطق العولمة كان بعيداً كل البعد عن الطبيعة المنسوبة للتعدد. لقد حاولت الاستفادة منه لأجل بسط سيادتها واستخدمته بالطريقة التي يمكنها من خلالها استغلاله لتحقيق سياساتها وفرضها على الجميع. من هذا المنطلق ندرك خطورة ما تم خلال العقدين السابقين من تأجيج للنزاعات والصراعات ذات الطابع المذهبي والعرقي والطائفي، وذلك ارتباطاً بمدى تطور المشروع الأمبريالي الأميركي. إنَّ طبيعة هذا الواقع قد أفرزت قوى جديدة على مسرح الأحداث وأسّست لمنطق وأسلوب مختلفين في شكل إدارة الصراع. نحن، هنا، أمام حالة خرجت عن اطار المتعارف عليه خلال ما سبق من عهود الصراعات، ومما لا شك فيه أنه مؤثرٌ في النتائج والتداعيات. إنَّ استخدام ما جرى استخدامه من حالات وسياسات من قبل القائمين على الواقع السياسي المعولم كان للأسباب التالية:
- يؤمن حالة اللااستقرار واللاأمن في منطقة ما، مما يستوجب وجوداً عسكرياً مباشراً للدول الكبرى تحت حجة الحفاظ على الأمن، أو الحفاظ على الأقليات أو على المصالح. كما أنَّه يؤجج ويغذي الصراعات وخاصة إذا ما وجدت لها العدة والوسائل وسبل الدعم. كما أنه إضافة إلى ذلك يمنع، وبشكل نهائي، أي إمكانية لقيام استقلال حقيقي في الواقع أو السياسة أو الاقتصاد.
- لا تناقض على صعيد الوظيفة بين التعددية الطائفية التي يسيء استخدامها وبين الامبريالية أو الرأسمالية ولا حتى مع مفهوم العولمة المرتبطة بشكل السلطة السياسية الحاكمة في العالم؛ فهدف السلطة السياسية الحاكمة هو السيادة والسيطرة، وحالات التناقض الطائفي أو العرقي تغذي الصراعات وتعطيها أبعاداً أكثر دموية مما يجعل أو يُسهّل السيادة والهيمنة للطرف الأقوى.
- طبيعة تلك التعددية الطوائفية مرتبطة بمنطق السلطة الدينية، الأثنية أو العرقية ومنطق الرجوع إلى النمطية الدينية أو القبلية أو المناطقية في كيفية إدارة الحياة العامة السياسية والاجتماعية، مما يجعلها في مجتمع تعددي أداة صراع وخلاف وتنافر. هنا تجدر الإشارة إلى كثرة الاستخدام لمثل تلك المفاهيم في الخطاب السياسي المواكب للأحداث الدائرة حول العالم، كما أيضاً لطبيعة الحروب التي طغت عليها الصبغة العرقية والأثنية والطائفية، وأيضاً إلى التشجيع والرعاية اللتين حظيت بهما تلك الفئات سواء أكانوا أفراداً أو جماعات ممن بيدهم سلطة الحكم الحالية (13).
- التوافق بين هذا النوع من الحكم وبين سياسة المحافظين الجدد اليمينية وارتباطها بمصالح مع مراكز قوى تكون في بعض الأحيان دينية. لقد طغى الخطاب الممزوج ما بين السياسي والديني على سطح الأحداث فارتبط البعد الماورائي من مكالمة الله أو الخير والشر... الخ بالبعد السلوكي المرتبط بالسلوك اليومي. هذا الواقع المستجد اعطى منطق التعددية الطوائفية دوراً أساسياً في مسار الحياة السياسية وصناعة الأحداث.
- إنَّ أحد أبرز أهداف سياسة العالم المعولم أو السياسة الامبريالية الجديدة هو الغاء الصراع الطبقي كشكل من اشكال الصراع السياسي المؤدي إلى التغيير؛ فبهذا النوع من التعددية الطوائفية ووضعها الواحدة في مقابل الأخرى يمكن الغاء الصراع الطبقي واستبداله بالآخر المذهبي. إنَّ امكانية خلق رأي عام مع قضية سياسية أو طبقية مرتبطة بالواقع الاجتماعي أو الاقتصادي هو سهل ويمكن البناء عليه في ظل صراع سياسي، وهذا بطبيعة الحال يشكل تهديداً لأصحاب النظام العالمي الجديد أو لنقل تهديداً لمشروعهم. الافضل لهم إذن هو تزكية الصراعات ذات الطابع المذهبي أو الديني وبذلك يتحقق لهم التخلص من الانقسام السياسي وتستفيد من الآخر الذي يعطيها الحجة الدائمة والذريعة المناسبة للتدخل.
هذه هي أبرز أشكال ومظاهر النظام العالمي المعولم، مظاهر تستوجب التوقف عندها نظراً لمدى خطورتها على التطور الطبيعي للمجتمعات ولما لها من أثر سلبي على كيفية ممارسة السلطة من خلال إبدال طرق وإدارة السلطة بأخرى أكثر رجعية. من هنا فإنَّ المطلوب مواجهتها بكل الامكانيات لمنع تشويه المنطق الطبيعي لتطور القضايا والأمور. هذا الواقع يتطلب المواجهة من خلال تعريته وكشف حقيقة أهدافه. ولا يمكن الركون إلى هذا الواقع واعتباره نهائياً بل متغيراً ومتبدلاً ولم يستقر بعد.
فمواجهة العولمة تتطلب إذن عدم طرح الموضوع «بالجملة» أي بالكلية المطلقة لأن ذلك يفقد روح المواجهة عنصر الموضوعية والوضوح. إنَّ نقد العام أو السائد كما هو، هو ضربٌ للمنطق التاريخي للتغيير-فالنقد بحد ذاته هو بداية مؤشرات صراع البدائل. وبذلك يكون عند اكتمال عناصر هذه البدائل قد حصل بالفعل، وفي الواقع، الانتقال من مرحلة النقد إلى مرحلة الوجود بالفعل أي مرحلة وضع البديل موضع التنفيذ. من هذا المنطلق فإنَّ نقد الواقع بكليته، بحسب رأينا ليس بالرأي الصائب، فمن جهة ليس كل ما هو موجود في هذا العالم هو سيء، ومن جهة أخرى ليس كل ما هو موجود حالياً هو نتاج من تحكم بمفاصل السياسة والاقتصاد؛ إنَّ بعض ما هو موجود ليس بالقليل، هو منتوج قيم وأفكار وتطور أساسه البشرية بصيرورة تطورها وتقدمها وتقدم علومها وقيمها، أي بمعنى آخر هو نتاج الفكر الجماعي للبشرية والذي يشكل مجموع من اجتمع في هذه الحياة وأعطى وأنتج.
إذن نحن أمام عالم متغير ومفاهيم متغيرة، تغيرات فرضتها طبيعة تطور الأمور وسرعتها، وأيضاً فرضتها الطبيعة الإنسانية والسياسية والاجتماعية المرتبطة بدينامية مكونات المجتمع المدني وآلياته. من هذا المنطلق سنحاول المباشرة في تحليل الواقع الحالي والتوقف عند بعض القضايا والمظاهر والتي نتوخى منها ملامسة الواقع وكشف حقيقته وحقيقة أهدافه. إنه واقع مأزوم ومضطرب، ولكن لا بأس من محاولة النقاش.

الصفحات