ما هي هذه المواطنية التي لم نُنجزها بعد في وطننا؟ وإلى أي حد يساهم طغيان مظاهر التبعية السياسية - الدينية والفروقات الاجتماعية في أكثرية الميادين في تربية مواطني المستقبل وطرائق تنشئتهم على القيم الاجتماعية المشتركة؟
قراءة كتاب وطن بلا مواطنين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المواطنية مرافقة لقيام الدولة في الغرب
عندما كانت الدولة مُلكاً للحاكم بالحق الإلهي - لغاية القرن الخامس عشر إجمالاً - كان النمط الاجتماعي يتمحور حول الإقطاعية واستتباع الناس أو التوسع الديني واستعبادهم. مما شكل عائقاً أمام بروز السلطة المدنية المركزية التي تمثل الشعب وتحرر أبناءه من كل استتباع أو استعباد. ومع تفجر الثورات الشعبية في إنكلترا وفرنسا، عاد مفهوم المواطنية للظهور بمعطياتٍ متطورة بالنسبة إلى ما ساد لدى اليونانيين القدماء والرومان. وتجلى هذا التطور بالإبتعاد عن الإقصاء بحق فئات كانت ممنوعة من الممارسة المواطنية.
ودخلت تسمية الدولة في الأدبيات السياسية الغربية عبر مطابقتها، خلال مرحلة طويلة، لمفهوم الأمة. وبالتالي، نشأ مفهوم الدولة - الأمة. فتماهت المواطنية مع الانتماء الوطني. وأدى هذا التماهي إلى تحرير مفهوم المواطنية من قدريته، كما كان الحال في أثينا مثلاً - أن يولد الإنسان حراً جديراً بالمواطنة أو عبداً (أولمان 1966).
وأدت بالتدريج مرادفة المواطنية للانتماء الوطني إلى بلورة ثلاثة مكونات للمواطنية، هي:
المكون المدني
(ويشمل الحقوق الشخصية الفردية...)
المكون السياسي
(ويشمل حقوق المشاركة في السلطة...)
المكون الاجتماعي
(ويشمل حقوق الضمان والتعلم والاستشفاء والسكن ومتطلبات العيش...).
وغدا هذا المفهوم للمواطنية في أساس اكتمال صورة المواطنية كما نعرفها في عصرنا الراهن (مارشال 1965). بيد أن اكتمال المواطنية، بأبعادها الثلاثة، في المجتمعات الغربية، شابته نواقص جوهرية كاقتصار الإقتراع العام على الذكور فقط، كما في فرنسا حتى بدايات القرن العشرين. كما أن الانتماء للدول - الأمم أظهر أنه غير كافٍ لتثبيت باقي قيم المواطنية، على صعيد الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والقانونية كلها... بالنتيجة، انفصلت المواطنية، اليوم، بما تحمله من قيم، عن الانتماء الوطني بما يعنيه من طغيان الإديولوجيات القومية.
ولا يزال صحيحاً، حتى عصرنا الراهن، النظر إلى المواطنية عبر ما هو أكثر من الانتماء الوطني للفرد، بغض النظر عما يؤمنه هذا الانتماء، من حقوق وامتيازات. وذلك بغية التركيز على ما يمكن أن يُخفيه هذا الانتماء من طمس لأبعاد أخرى من الثقافة المواطنية تتمحور بشكلٍ أساسي حول سلة الحريات الخاصة والعامة ومنظومة الحقوق.