قراءة كتاب وطن بلا مواطنين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وطن بلا مواطنين

وطن بلا مواطنين

ما هي هذه المواطنية التي لم نُنجزها بعد في وطننا؟ وإلى أي حد يساهم طغيان مظاهر التبعية السياسية - الدينية والفروقات الاجتماعية في أكثرية الميادين في تربية مواطني المستقبل وطرائق تنشئتهم على القيم الاجتماعية المشتركة؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

بعض مفاهيم المواطنية في المجتمعات الديموقراطية الحديثة

ثمة مقاربات عديدة لمفهوم المواطنية، عرضها عدة باحثين وعرفوا بها انطلاقاً من دراسة المجتمعات الديموقراطية الحديثة (فاينستوك، 2000؛ باجي، 2001؛ مرزوق، 2001...). كل هذه المقاربات انطلقت من مكونات المواطنية التي ذكرناها سابقاً مع إعطاء قدراً من الأهمية لمكونٍ ما على حساب المكونات الأخرى. وذلك، تماشياً مع حاجات المجتمع وتركيبته ووفقاً لتطور الفكر السياسي السائد في هذا المجتمع خلال مرحلةٍ زمنية معينة. ولكل من هذه المقاربات المقترحة ما يميزها على صعيد إعطاء الأولوية إما لشعور الانتماء للوطن، أو للمشاركة العامة، أو للمشاركة المدنية أو للنظرة الليبرالية.
فأما مقاربة المواطنية المعتمدة على تعزيز شعور الانتماء الوطني، فتقضي أدبياتها بترسيخ هذا الشعور وإعطائه الأولوية إزاء طروحات الهويات الخاصة، الثقافية منها أو الإثنية، أو الدينية... ويكون للانتماء الوطني، وفق هذه المقاربة، دور الحفاظ على تماسك المجتمع وضمان وحدته. ويطغى على هذه المقاربة إيلاء الأهمية القصوى للمناسبات الوطنية وكل ما يمت بصلة إلى تاريخ الشعب والأحداث التي طبعته والأشخاص الذين صنعوا هذه الأحداث.
وأما مقاربة المواطنية المعتمدة على إعطاء الأولوية للمشاركة العامة، فهي متحدرة من ثقافة الجمهورية وقيمها من ناحية تغليب المصلحة العامة والمشاركة في الشأن العام على المصلحة الخاصة وحصر الإهتمام بالأمور الفردية. ويتصف المواطن، وفق هذه المقاربة، بقوة انتمائه للمجموعة وارتباطه بمنظومة حقوقه لدى المجموعة ومتوجباته نحوها.
وأما مقاربة المواطنية المعتمدة على المشاركة المدنية، فتركز على أهمية مشاركة المواطن في إطار المجتمع المدني حيث يجتمع الناس وفق التقاء أفكارهم وأهدافهم ومصالحهم. ويتصف المواطن، وفق هذه المقاربة، بحرصه الشديد على حقوقه المدنية والاجتماعية وبالتزامه القوي بالشؤون التي يناضل من أجلها دون أن تعني هذه الشؤون بالضرورة مشاريع سياسية تبغي الوصول إلى الحكم.
وأما مقاربة المواطنية المعتمدة على النظرة الليبرالية، فتقضي بضمان حقوق المواطن في المبادرة الفردية، لا سيما في مجال العمل، والحرية الشخصية دون قيد، لا سيما في العلاقات الخاصة. ويمكن للنظرة الليبرالية في مقاربة المواطنية أن تلحظ للمواطن فرصة المشاركة في الحياة العامة، هذا إن أراد ذلك، دون أي موجبٍ مسبق. ويتصف المواطن، وفق هذه المقاربة، بضعف الرابط بينه وبين المجموعة وبالتعبير المفرط عن الخصوصيات بشتى أنواعها وبكل ما تستتبعه برأي الفرد.
نستطيع أن نلاحظ اختلاف هذه المقاربات، في تحديد أطر المشاركة، وأولوية حقوق المواطنين وارتباطهم بواجباتهم ودائرة انتمائهم الجماعي. ولا نستطيع، بيسير القول، أن نفاضل بين هذه المقاربات، لأن مجتمعاتنا أصبحت حالياً شديدة التعقيد والتنوع على صعد الثقافة والدين ومرجعية القيم. ويبدو تفضيل إحدى هذه المقاربات على سواها، نقيضاً لمبدأ أحقية الخيار على أساس المساواة بين كل الناس، بغض النظر عن تنوع رؤاهم في مجتمعهم.
أمام هذا الناجز المتمثل بتطور واكتمال مفهوم المواطنية، تبرز الأسئلة حول إمكانية تعليم المواطنية في المدرسة، وفق المقاربة التي ينتجها المجتمع لمفهوم المواطنية ومكوناته. غير أن دخول مفهوم المواطنية إلى التربية، يحمل هذه الأخيرة على التفكير بمبادئها وطرائقها وإمكاناتها. هذا ما سيكون في صلب بحثنا، ضمن الباب الثاني.

الصفحات