ما هي هذه المواطنية التي لم نُنجزها بعد في وطننا؟ وإلى أي حد يساهم طغيان مظاهر التبعية السياسية - الدينية والفروقات الاجتماعية في أكثرية الميادين في تربية مواطني المستقبل وطرائق تنشئتهم على القيم الاجتماعية المشتركة؟
قراءة كتاب وطن بلا مواطنين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إشكاليات التربية على المواطنية في المدرسة وهوامش النجاح الممكن
هل المدرسة قادرة على إنشاء مواطنين؟
قبل عرض صعوبات الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من عرض التناقضات التي يثيرها السؤال بحد ذاته إزاء صيغة التلميذ - المواطن. ولهذه التناقضات أيضاً مساهمةٌ في تعقيد مهمة إنشاء المواطنين في المدرسة وزيادة صعوبتها. وتتلخص هذه التناقضات بثلاث إشكاليات تتمحور حول:
تطبيق نظام المدرسة والإعتراف بحقوق التلميذ.
تقدير حاجة التلميذ من قِبل المدرسة وحرية اختيار التلميذ لحاجته.
ضمان التعاون والقبول بسلطة المدرسة والحس النقدي الذي قد يؤدي لدى التلميذ إلى الرفض.
أما فيما يخص الإشكالية الأولى، فإن مكان الديموقراطية في المدرسة هو الذي يثير التساؤل أكثر من التربية على القيم الديموقراطية وثقافة الحقوق في المدرسة. ولا بد من ملاحظة أن التطبع صفةٌ أساسية تقوم عليها التربية وتتطلب من التلميذ ضرورة التقيد بأحكام النظام وعدم اعتباره مواطناً مكتمل الصفات. لذا تقتضي معالجة الإشكالية الأولى، أن تترافق إرادة التربية وأدواتها مع إرادة تعريف التلميذ على حقوقه وما تحفظه له من أطرٍ للمستقبل.
أما فيما يخص الإشكالية الثانية، فإن رسم خط فاصل بين مكانة التلميذ والمواطن هو الكفيل بتقدير حاجة التلميذ من قِبل المدرسة في مرحلةٍ أولى وترك حرية الخيار له فيما بعد أو في مجالاتٍ معينة كتحضير للمرحلة اللاحقة. ويأتي هذا الفصل منسجماً تماماً مع النظرة القانونية التي تميز القاصر والراشد في المجالات المذكورة. وتجدر الإشارة إلى أن الخط الفاصل هذا لا يمكن إلا أن يكون مؤقتاً بل قابلاً للزوال متى اكتملت عناصر الانتقال من مرحلةٍ لأخرى، وفق الحالات التي تطرأ والظروف التي تساعد أو تؤخر هذا الانتقال.
وتبقى الإشكالية الثالثة ضمان التعاون والقبول بسلطة المدرسة والحس النقدي الذي قد يؤدي إلى الرفض. ويمكن تلافي هذه الإشكالية من خلال تفهم حس النقد ومقاربة موضوع الإختلاف من زاوية تنظيمه لاستيعابه. إن المخاطرة التي تنطوي عليها هذه الإشكالية ومعالجتها، من خلال تشجيع الحس النقدي ومن ثم استيعاب ما يلحظه، هي أساس المجتمعات الديموقراطية الراهنة.
وبعد عرض إشكاليات التربية على المواطنية وهوامش نجاحها، في المدرسة، لا بد من اقتراح، في حدود هذه الهوامش، عناصر هذه التربية ومقوماتها. ومن أهم ما جاء في هذا السياق، توصيف هيكلية المدرسة لديواي (1963) وآليات التعلم الفضلى حسب بياجي (1988). رأى ديواي أن تكون المدرسة مكاناً مثالياً لبناء المواطنية والعمل على تنمية الحس النقدي لدى التلاميذ وذلك من خلال ممارسة المواطنية بحدودها المشار إليها وليس فقط الحديث عنها نظرياً. واقترح بياجي التقاءً بين نمو المقدرات الفكرية للأفراد واكتمال الهيكلية الاجتماعية التي يعيشون فيها. وبذلك، لا تنفصل التربية على المواطنية عن التربية الذهنية بواسطة تقنيات تأخذ بالإعتبار مراحل نمو الفرد ومتطلباتها على الصعيدين الفكري والخلقي. وبالنتيجة، عندما تنجح تربية الفرد الذهنية وفق المعايير المشار إليها، يصبح التلميذ بذلك مواطناً بكامل صفاته.