ما هي هذه المواطنية التي لم نُنجزها بعد في وطننا؟ وإلى أي حد يساهم طغيان مظاهر التبعية السياسية - الدينية والفروقات الاجتماعية في أكثرية الميادين في تربية مواطني المستقبل وطرائق تنشئتهم على القيم الاجتماعية المشتركة؟
قراءة كتاب وطن بلا مواطنين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بين المواطنية والديموقراطية
هل صادفت ولادة مفهوم المواطنية في أثينا القديمة مع نشوء نظام الديموقراطية المباشرة؟ وبالمقابل، هل صادف أن تكون هزيمة أثينا عسكرياً أمام الملك فيليبوس المقدوني متزامنةً مع سقوط الديموقراطية الناشئة واضمحلال ثقافة المواطنية التي تصورها ونظر لها أفلاطون في كتاب الجمهورية؟
ربما يرجع ارتباط المواطنية والديموقراطية، في أثينا، إلى أن النهضة التي عرفتها أثينا وأدت إلى الديموقراطية، ساهمت في ذات الوقت، بتطور مكونات المواطنية بمفهومها القديم وتغيير حياة الجماعة على صعيد التمثيل وآليات الحكم وسلطة القرار. ويرجع تقهقر مفهوم المواطنية، بعد الهزيمة، إلى سبب يُعرف به علم النفس الاجتماعي من خلال ما يُسمى بالوعي الجماعي. إذ ان وعي الهزيمة بكل ما يرافقها من وقائع أو مشاعر يشكل عائقاً صلباً بوجه سطوع الديموقراطية وما يرتبط بها من مفاهيم وعناصر ثقافية. لأن الهزيمة تؤدي إلى الإحباط، هكذا علمتنا تجربة أثينا وشواهد تاريخية كثيرة لاحقة. مما يؤول إلى غياب منظومات الحياة الاجتماعية. ويمدد في غياب هذه المنظومات طغيان أنظمة الحكم المستبدة المناقضة للديموقراطية.
في يومنا هذا، يجب أن نلاحظ أن كل انتماء سياسي، أو اجتماعي أو ثقافي يؤمن سلة الحقوق والواجبات المتعارف عليها في المجتمع، دون أن تكون هذه السلة مؤاتيةً بالضرورة لمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان كالمساواة بين المواطنين بلا تمييز. ففي الأنظمة الشمولية والدكتاتورية، كل المنتمين للوطن يُعتبرون مواطنين ولهم حقوقٌ وواجبات، حتى لو كانت الحقوق محدودةً ومقيدة، والواجبات كثيرة ومُرهِقة. إذاً، لا معنى للتنظير للمواطنية دون اقتران مفهوم المواطنية بالديموقراطية كنظام اجتماعي لعصرنا الحالي.
إن مرتكزات النظام الديموقراطي في المجتمعات الغربية المعاصرة نابعةٌ بمجملها من مبدأين اثنين: أولهما حرية الانتماء للجماعة وإمكانية تغيير هذا الانتماء وثانيهما المساواة الشاملة بين كل المواطنين دون أي تمييز في حقوقهم المدنية، القانونية، الاجتماعية، والسياسية. هذان المبدآن، بالإضافة إلى مستلزماتهما وتبعاتهما، يتحققان بالتدريج مع الوقت، في ظل نظامٍ ديموقراطي دون سواه، حتى لو استلزم تحقيق الديموقراطية، أخطاء أو سوء اختيار (كيوان، 2007)... فلا أكثر قدرةً من الديموقراطية إلا ذاتها على تدارك الأخطاء كلما حصلت وتصحيح المسار...