أنت هنا

قراءة كتاب لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث

لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث

هذا الكتاب "لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث"، مثل هذه الإرهاصات وغيرها، دفعتني للغوص بعمق في التاريخ، علّي أجد لها إجابات، أو مؤشرات قد نعتبر منها.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

الميثاق الوطني

بعد إجراء الانتخابات النيابية، وقبل جلسة المجلس النيابي المحددة لانتخاب رئيس الجمهورية بيومين، اجتمع رئيس «الكتلة الدستورية» بشارة الخوري مع رياض الصلح في 19 أيلول 1943 وتم الاتفاق بينهما على الخطوط العريضة لما عرف بالميثاق الوطني. ويرى كمال الصليبي أن الكتلة الدستورية بزعامة الخوري وجدت في المخرج السياسي الذي صاغه كاظم الصلح وتقي الدين الصلح، والقاضي باعتبار لبنان دولة مستقلة ذات شخصية مميزة في المجموعة العربية له كيانه المستقل، وبأن الشعب اللبناني جزء لايتجزأ من الأمة العربية، أساساً عملياً للتفاهم الوطني بين جميع الفئات في البلاد((8)). ويؤكد هذا ما يقوله بشارة الخوري نفسه: «أما الميثاق الوطني فليس سوى اتفاق العنصرين اللذين يتألف منهما الوطن اللبناني على انصهار نزعاتهما في عقيدة واحدة، استقلال لبنان التام الناجز بدون الالتجاء إلى حماية من الغرب ولا إلى وحدة أو اتحاد مع الشرق». ويؤشر إلى أن الميثاق «هو ميثاق القومية اللبنانية، الأمة الموحدة، المطلة على القومية العربية»((9)).
وفيما انحسر التأثير التاريخي للزعامة الدرزية في الجبل، لينهي الثنائية الدرزية - المارونية، فقد هيأ تأسيس دولة لبنان الظروف لبروز ثنائية جديدة، هذه المرة سنية - مارونية، كما فسح في المجال أمام «شيعيّة سياسيّة» أن تظهر متأخرة، خصوصاً بعد الاعتراف بالطائفة الشيعية الجعفرية، منتصف عشرينات القرن العشرين، وترحيب المراجع السياسية والدينية بالأمر، ليتحول الحضور الشيعي الذي «كانت قد عزلته في الجنوب وفي المناطق اللبنانية الفقيرة الحملات التأديبية المملوكية ما بين نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر»((10)) والقمع العثماني لاحقاً، ثم الفرنسي، ليتحول إلى ولاء وانسجام مع فكرة الكيان، بعد فترة من التردد في انتظار ما ستسفر عنه الثورات السورية التي شارك فيها بفعالية.
أما في جبهة الكومبرادور الذي ربط مصالحه بالاحتلال الفرنسي، والذي كان أبرز رموزه إميل إده، فقد حصر مثقفوه تطور الأحداث في البعد الديني حيث يقول فؤاد افرام البستاني: «لقد أصبح الصراع في لبنان صراعاً سياسياً وحضارياً بين المسيحية والإسلام منذ إلحاق الأقضية الأربعة»((11)). «بينما اعتبره آخرون صراعاً بين القومية العربية والقومية اللبنانية»((12)).
تكرس الاتفاق الشفهي بين الخوري والصلح في البيان الوزاري أمام مجلس النواب في 7 تشرين الأول 1943، ويقول الميثاق: «إن لبنان ذو وجه عربي يستسيغ الخير النافع من حضارة الغرب». فكانت هذه الصيغة انعكاساً، أو الوجه الآخر للسلبيتين اللتين قام عليهما الميثاق الوطني وهما «لا للوحدة العربية ولا للحماية الأجنبية»((13))، الصيغتان اللتان أثارتا حفيظة معارضي الميثاق، حيث يعبر جورج نقاش عن تلك المعارضة بقوله: «نفيان لايؤلفان أمة»((14)).‏ وفيما أورد الصلح أنه يريد للبنان ألا يكون مقراً للاستعمار، أو ممراً له، فقد اتهم الصلح بأنه أصبح «زعيماً لانفصال لبنان عن سورية بعد أن كان في جملة المنادين بوحدة البلاد العربية والعاملين في سبيل تحقيقها»((15)).
على ضوء الميثاق، كان على لبنان أن يكون محايداً، فلا ينحاز إلى الدول الأجنبية في مواجهة الدول العربية، ولا يعمل على العكس. ووضعت الصيغة العملانية لتأكيد استقلال لبنان، حيث جاءت الخطوط العريضة كما يلي: يكون لبنان جمهورية مستقلة لا تسعى وراء أية حماية أجنبية، ولا تسعى لأي اتحاد مع أية دولة عربية؛ وأنه ذو وجه عربي بطابع خاص، ولغته العربية؛ وعليه أن يصبح عضواً في الجامعة العربية.
هذا في السياسة الخارجية، أما على الصعيد الداخلي، فقد اتفق على أن توزع الوظائف العامة بالتساوي بين الطوائف المعترف بها. وتبعاً لذلك توزع المناصب الرئيسية الثلاثة وفقاً للعرف التالي: رئاسة الجمهورية لمسيحي ماروني، ورئاسة الوزراء لمسلم سني، ورئاسة البرلمان لمسلم شيعي.
وقد حظيت هذه الصيغة بقبول ومباركة مصر والسعودية والعراق وسورية (الكتلة الوطنية)، وتشجيع بريطانيا، فيما لقي معارضة من الانتداب الفرنسي وأتباعه، ومن طلاب الوحدتين العربية والسورية. وهكذا «أصبحت الدول العربية هي الضامنة لدولة الطوائف المتعايشة بدلاً من الاستعمار الغربي. فلقد أرسى الميثاق دولة الطوائف مع الدستور اللبناني»((16)).
وفي جلسة المجلس النيابي في 23 أيلول 1943 وقف عبد الحميد كرامي قائلاً: «إن للبنان استقلالاً معترفاً به ونحن الذين حاربنا لبنان في الماضي لأنه لم يكن عربياً، ونحن الذين طلبنا الوحدة السورية، أتينا اليوم إلى هذه الندوة نعترف باستقلال لبنان ونناضل في سبيل هذا الاستقلال ضد أي كان لأن لبنان أصبح الآن عربياً»! أما كمال جنبلاط، الذي كان من الداعين إلى الاستقلال المضمون بحماية فرنسية، فقد تحول في الجلسة النيابية في 17 تشرين الأول 1943 إلى العاملين على إزالة الانتداب الفرنسي عن سورية ولبنان لأن «أهل لبنان الكبير اعترفوا به مسلمين ومسيحيين ودروز وشيعة، وحياه بصفته العربية»((17)).
ومنذ 1943 أصبح عدد النواب ينطلق من قاسم مشترك هو 11، تكون فيه النسبة 6 مسيحيين مقابل 5 مسلمين (وأصبحت متداولة تحت مسمى 5 و6 مكرّر)، هذه المعادلة التي استمرت حتى تم تعديلها في اتفاق الطائف (فتصبح 6 و6 مكرر).

الصفحات