هذا الكتاب "لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث"، مثل هذه الإرهاصات وغيرها، دفعتني للغوص بعمق في التاريخ، علّي أجد لها إجابات، أو مؤشرات قد نعتبر منها.
أنت هنا
قراءة كتاب لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث
الجامعة العربية
«قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، في 22 آذار 1944، في القاهرة تم توقيع ميثاق الجامعة العربية، خلال مؤتمر على مستوى عال، باشتراك سورية وعبر الأردن؛ العراق؛ السعودية؛ لبنان؛ مصر واليمن؛ وفي هذا المؤتمر شارك ممثل للشعب العربي من فلسطين، ولكنه لم يتمكن من التوقيع لأنه لم يكن يمثل دولة معترفاً بها»((49)).
وفي الاجتماع المخصص لتوقيع «بروتوكول الاسكندرية» الذي تضمن إنشاء جامعة الدول العربية، في 7 تشرين الأول 1944، تم اشتراط إضافة عبارة: «تؤيد الدول العربية الممثلة في اللجنة التحضيرية مجتمعة احترامها لاستقلال لبنان وسيادته بحدوده الحاضرة». لكي يكون الاعتراف به جماعياً، بعد أن كان إفرادياً! وعندما وقع البروتوكول، وصفه يوسف السودا، بأنه «يشكل خطراً على استقلال لبنان»، مع أنه لم يكن أكثر من صيغة تعاون ولا يمكن أن يطلق عليه ميثاق وحدة أو اتحاد.. وهاجم رجال الدين المسيحيون هذه السياسة العربية وطالبوا بالحماية الأجنبية، إلا أن السياسة التوفيقية نجحت وأقنعتهم بعدم خطر هذه السياسة العربية، فرضيوا حتى عام 1948»((50)). فيما عبر بيار الجميل عن موقف الانعزاليين بكل صراحة إذ قال: إن «الذين يتوخون التدرج بنا من لبنان ذي الوجه العربي كما اتفقنا عام 1943 إلى لبنان العربي، فالشعب العربي في لبنان، فعبثاً يتوخون.. نحن مع إصرارنا على وجوب التعاون الرحب مع الدول العربية، لا نرى موجباً لإضافة وصف العروبة إلى القومية اللبنانية، ذلك أن التعاون لا يؤلف عنصراً كيانياً ثابتاً، بل هو عرض سياسي خاضع لمستلزمات السيادة والاستقلال، ومرتبط بالظروف السياسية وما تنطوي عليه من تقلبات جوهرية»((51)).
كان عبد الحميد كرامي الذي ترأس الحكومة في كانون الثاني 1945، بناءً على إشارة من هنري فرعون وميشال شيحا إلى الرئيس بشارة الخوري، يهدف إلى إدماج طرابلس، السورية الهوى، في الحياة السياسية اللبنانية. وكان من نتاج ذلك أن رئيس الحكومة، الوحدوي السوري، أسلس القياد في السياسة الخارجية لوزيرها هنري فرعون، صاحب الجهد الأساسي في تحويل الجامعة العربية من بنية اتحادية إلى مؤسسة للحفاظ على الكيانات العربية القائمة. وقد اعترض فرعون على مبدأ التحكيم الإلزامي في المنازعات القطرية، كما دفع إلى اتخاذ مقررات الجامعة بالإجماع، وليس بالأكثرية، وهكذا ألغى أية إمكانية للتصويت على موضوع الوحدة((52)).
بداية العصر الأميركي
كانت الحماية الغربية حتى الحرب العالمية الثانية تعني فرنسا وبريطانيا، إلا أنه اتضح خلال الحرب أن هاتين القوتين العظيمتين بدأتا بالتراجع، وأن الولايات المتحدة باتت هي القوة الناشئة الجديدة. ومع نهاية الحرب صارت ترمي للحلول محل القوتين الضعيفتين. وبدأت الولوج إلى المنطقة «تحت شعار تقديم المساعدات والخبرات. فمنذ الأربعينيات بدأ تدفق الرساميل الأميركية بكثافة إلى الشرق الأوسط، وازدادت الضغوط الصهيونية على الساسة الأميركيين، ولعل أسطع مثال على ذلك هو تذمر الرئيس الأميركي هاري ترومان من تلك الضغوط التي تصل إلى حد الابتزاز، والتي سوف تصبح مبدأً ثابتاً في نشاط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والعالم. وفي هذا المجال، يقول ترومان في مذكراته: «لقد كان يثيرني ويقلقني إصرار بعض الزعماء الصهيونيين، الذين كانت تحركهم دوافع سياسية فيذهبون إلى حد توجيه التهديدات السياسية»((53)). فيما لجأت بريطانيا إلى البدء بتطبيق وعد بلفور، موفرة كل الدعم للحركة الصهيونية لتحقيق حلمها.
بعد وقت قصير من الاستقلال توصلت المؤسسة اللبنانية إلى أنها في حاجة إلى بناء صلات أفضل مع الولايات المتحدة الأميركية. «فاختير لهذه المهمة شارل مالك، الذي أرسل إلى هناك لتمثيل لبنان لدى واشنطن ولدى الأمم المتحدة على السواء. أصبح مالك شخصية بارزة وأشرك الولايات المتحدة في الشأن اللبناني»((54)). وكان ميشيل شيحا وشارل مالك المهندسين الرئيسيين للسياسة الخارجية للبنان وتحالفه مع الغرب، وجاء كل وزراء الخارجية خلال الفترة من 1943 حتى 1984، إما من هذا أو ذاك، وبذلك ظل هذا التوجه هو الغالب في التفكير الخاص بالسياسة الخارجية.
لجأت فرنسا إلى المماطلة في سحب قواتها من لبنان وسورية، وكانت نادمة على تسليمها قسماً كبيراً من المصالح المشتركة إلى الحكومتين قبل أن تعقد معاهدة تضمن مصالحها. ولم يبق إلا الجيش والأمن تتمسك بهما لتضع شروطها، وقد أدت هذه المماطلة إلى انفجار «الإضراب الشامل والمظاهرات الصاخبة في 2 كانون الثاني 1945 تلبية لنداء لجنة الطوارئ المؤلفة من الأحزاب اللبنانية وكان للحزب الشيوعي دور بارز في هذه المعركة التي انتهت بخروج الفرنسيين والإنكليز في أواخر عام 1946»((55)). وجرى الأمر نفسه في سورية، حيث خرج الطلاب يطالبون بالجيش الوطني، «وكانت الحكومتان السورية واللبنانية تعبران عن إصرارهما في الحصول على الجيش الوطني»((56)).
مؤتمر يالطا
كانت الحرب الكونية على وشك الانتهاء، وتحضيراً لقطف نتائجها، اجتمع المنتصرون في مدينة يالطا السوفياتية على البحر الأسود في 4-11 شباط 1945 لتقاسم العالم. وقد حضر المؤتمر كل من جوزف ستالين (الاتحاد السوفياتي) وونستون تشرتشل (بريطانيا) وروزفلت (الولايات المتحدة الأميركية). ووقعت اتفاقية يالطا التي نصت على محاكمة أعضاء الحزب النازي وتقديمهم كمجرمي حرب، بالإضافة إلى كيفية تقسيم ألمانيا. كما تم الاتفاق على عقد مؤتمر للأمم المتحدة في سان فرنسيسكو في 25/4/1945، واشترط للاشتراك في المؤتمر أن يقتصر على الدول التي تكون قد أعلنت الحرب على دول المحور قبل 1/3/1945.
يذكر الصحفي الروماني كرتشيون يونيسكو في كتابه أيام حارة في الشرق، معتمداً على معلومات مؤلفين كنديين هما إ. لابيير وإ. كولان في مؤلفهما «يا أورشليم»، أنه في مؤتمر يالطا جرى التطرق إلى القضية الفلسطينية. وأن «ي. ف. ستالين خاطب و. تشرشل، كأنه يقول إنه لا يوجد إلا حل واحد لفلسطين، وهو تأسيس دولة يهودية، الاقتراح الذي لم يرفض من قبل الرئيسين الآخرين»((57)).