هذا الكتاب "لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث"، مثل هذه الإرهاصات وغيرها، دفعتني للغوص بعمق في التاريخ، علّي أجد لها إجابات، أو مؤشرات قد نعتبر منها.
أنت هنا
قراءة كتاب لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لبنان من دويلات فينيقيا إلى فيدرالية الطوائف - الجزء الثالث
لبنان يعلن الحرب على الرايخ
أحاط السفير البريطاني سبيرز لبنان علماً بشروط حضور مؤتمر سان فرانسيسكو، وتم إبلاغ سورية كذلك، «وعليه جرى الاتفاق بين حكومتي لبنان وسورية على أن يصير إعلان الحرب في وقت واحد، فوافق المجلس النيابي السوري في 26/2/1945 على إعلان الحرب على دول المحور، ولم يكن هذا الإعلان إلا شكلياً. وكذلك فعلت الحكومة اللبنانية أيضاً إذ طلبت من المجلس النيابي إعلان الحرب على ألمانيا واليابان فوافق وأصدر قراراً في 27/2/1945 يقول: «إن لبنان يعتبر في حالة حرب مع الرايخ الألماني والامبراطورية اليابانية»((58))!
في 25/3/1945 وجهت الولايات المتحدة أصالة عن نفسها ونيابة عن بريطانيا والاتحاد السوفياتي والصين دعوة إلى الدول المحاربة في صف الحلفاء لحضور مؤتمر سان فرانسيسكو.
سافر المندوب السامي الفرنسي الجديد الجنرال بينيه إلى فرنسا في آذار 1945 لإجراء بعض المفاوضات مع حكومة فرنسا الموقتة، فغاب أكثر من شهرين ولم يعد إلا بعد أن اتفق مع حكومته على الخطة التي ينبغي اتباعها.
وفي سان فرانسيسكو، كان وفد لبنان إلى المؤتمر يعنى (كالوفد السوري) بتوفير ظروف مؤاتية لتحقيق جلاء قوات الاحتلال الفرنسية. ولذلك أيد الاقتراح المصري الخاص بإضافة فقرة إلى الفصل 11 من مقترحات (دمبرتون أوكس 20/8 -7/10/1944 التي تقرر فيها إنشاء هيئة الأمم المتحدة) وهي: «إن الدول الأعضاء في المنظمة تتعهد باحترام سلامة أراضي جميع الدول الأعضاء في المنظمة واحترام استقلالها السياسي»، وكانت الغاية من إدخال هذا التعديل تأمين انسحاب القوات العسكرية الفرنسية من سورية ولبنان وغيرها من البلاد العربية. ورُفض هذا التعديل. ووقع الوفد السوري واللبناني ميثاق الأمم المتحدة في 26/6/1945»((59)).
الأم «الحنون» القاتلة
في هذه الأثناء، استغل الفرنسيون فوز يوسف كرم الموالي لهم في الانتخابات النيابية الفرعية عن زغرتا، فلما حضر إلى المجلس النيابي في 27/4/1945 مع عدد من أنصاره بمرافقة قوات الاحتلال، حاول أنصاره رفع العلم اللبناني القديم على باب المجلس، أي العلم الفرنسي الذي تتوسطه الأرزة والذي يرمز إلى ارتباط لبنان بفرنسا، كما حاولوا اقتحام القاعة التي يوجد فيها النواب، وحدث صدام بينهم وبين «أنصار الاستقلال»، فأطلق الجنود الفرنسيون المتمركزون في بناء قريب النار، بعد أن قطعت خطوط الهاتف عن مبنى المجلس، وسقط شهداء وجرحى. إلا أن الحكومة سيطرت على الوضع، ودخل النائب كرم من دون أنصاره و«استنكر ما حدث»((60))!
في 7 أيار 1945 أعلنت الحكومة الفرنسية أنها أصدرت تعليماتها إلى المندوب العام الفرنسي في سورية ولبنان ببدء المفاوضات مع حكومتي سورية ولبنان، وفي اليوم نفسه أنزل الفرنسيون تعزيزات عسكرية (كتيبة جنود سنغاليين) في بيروت، في غمرة الاحتفالات بانتهاء الحرب، في إثر إعلان الهدنة في أوروبا في 8 أيار. عاد بينيه إلى بيروت يحمل التعليمات لفتح باب المفاوضات المقرر بدؤها في 19 منه، وقد عمد الفرنسيون إلى تعزيز قواتهم في بيروت في 15-17/5/1945، أي عشية المفاوضات المقررة. وفي اليوم نفسه، سلم المندوب السامي مذكرتين إلى وزيري خارجية لبنان وسورية، وفيهما: «أن فرنسا مستعدة لتسليم الكتائب الخاصة لسورية ولبنان مع بقائها تحت القيادة العليا الفرنسية ما دامت الظروف لا تسمح بممارسة القيادة الوطنية ممارسة تامة، على شرط أن تؤمن صيانة مصالح فرنسا الجوهرية التي تحتفظ بها في سورية ولبنان. وهذه المصالح هي ثقافية واقتصادية واستراتيجية. أما الثقافية فيمكن تحديدها وضمانها باتفاق جماعي واتفاقية تضمن استقلال المؤسـسات الثقافية الفرنسية. وأما الاقتصادية فتتعلق بوضع الرعايا الأجانب والاتفاق التجاري...الخ. وأما الأوضاع الاستراتيجية فتتضمن تأسيس قواعد جوية وبحرية تمكن من ضمانة طرق مواصلات فرنسا وممتلكاتها فيما وراء البحار. والاحتفاظ بقيادة فرنسية في الجمهوريتين. وحالما توقع هذه الاتفاقيات يصير تسليم القطعات الخاصة، على أن تبقى مدة طويلة تحت قيادة فرنسية. وعلى الأثر اتصل رئيس الجمهورية السورية برئيس الجمهورية اللبنانية واتفقا على عقد اجتماع في لبنان»((61)).
عقدت الحكومتان اللبنانية والسورية اجتماعاً مشتركاً في شتورة في 19/5/1945 ومما صدر عنه: «.. رأى ممثلو الحكومتين السورية واللبنانية أن في إنزال الجنود، على الشكل الذي تم، انتقاصاً لسيادة البلدين. وأن المذكرة تتضمن مقترحات تنم عن روح لا تتفق واستقلال سورية ولبنان. لذلك اتفق الجانبان السوري واللبناني على عدم الدخول في المفاوضة مع الجانب الفرنسي وإلقاء جميع التبعات التي يمكن أن تنجم عن هذا الموقف على عاتق الحكومة الفرنسية. كما قررا توحيد الجهود والمساعي للدفاع عن سيادة البلدين واستقلالهما»((62)).