أنت هنا

قراءة كتاب أصول الثقافة السريانية في بلاد ما بين النهرين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أصول الثقافة السريانية في بلاد ما بين النهرين

أصول الثقافة السريانية في بلاد ما بين النهرين

على الرغم من تطور مجالات الثقافة والعلوم السريانية في بداية القرن السابع الميلادي، فإن سيطرة البيزنطيين على المدارس العليا في سوريا وضغوط الفرس وتدخلهم في حياة أهالي العراق وإشعال نار الفتنة بين المناذرة والغساسنة الذين كان من بينهم عدداً كبيراً من المسيحيي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

مقدمة

ترقى الكنيسة الشرقية في العراق إلى الرسول مار ادّي وتلميذه مار ماري (ت82م) الذي يعدُّ أول رئيس لكنيسة بلاد بين النهرين، وكانت لهذه الكنيسة ست أبرشيات مركزها في ساليق – قطيفون (المدائن)، وقد توافق الفتح الإسلامي مع وجود الجاثليق (أيشوعياب الثاني 646) على رأس كنيسة المشرق، وحصل هذا الجاثليق على صداقة المسلمين وعلى مرسوم يعطى الأمان للمسيحية، انتقل مركز الجاثليق إلى بغداد عام 779 في زمن الجاثليق حنا ينشوع الثاني، ومن بين تلك الأبرشيات واحدة في برات – ميشان أو فرات – ميشان (البصرة) وواحدة أخرى في بيت هوزاي ومركزها بيت لافاط (جنديسابور) وأبرشية بيت كرماي ومركزها كرخ في – دبيث سلوخ (كركوك).

استمرت الكنيسة الشرقية (النسطورية) بعد الفتح الإسلامي ولاسيما في ظل الخلافة العباسية حتى صارت تضم خمسة عشر من رؤوساء الأساقفة إلاّ انها تعرضت للتشتت بعد غزو هولاكو للعراق عام 1258 اعقبتها هجرة جماعات مسيحية إلى المناطق الجبلية في العراق وتركيا وإيران، حتى عودتها في بداية القرن العشرين إلى وطنها الأصلي، العراق.

أما الكنيسة الارثوذكسية، وهم الذين سمّوا في القرون الميلادية الأولى بالمونوفوزيين أو اليعاقبة، فقد انتشر مذهبها في تكريت والحيرة وشمال نينوي، وانتظمت شؤونها في القرن السادس الميلادي حينما انتقل مطرانها في تكريت إلى شمال الموصل عام 628 ومركزه في دير مارمتي.

لعل من أبرز السمات في تاريخ المشرق، أن الكنيسة الشرقية في الهلال الخصيب تشترك مع التراث العربي في مجتمع واحد سواء في نموه أو تقاليده، وكلاهما انطلقا في توسعهما شمالاً وكان الهلال الخصيب مجالهما المشترك، ولذلك نجد تشابهاً واضحاً في جوانب عديدة بين المسيحيين والمسلمين في هذه المنطقة، تكاد لا تفرق بينهم سواء في الشكل أو اللغة، فلغتهم المشتركة هي العربية، فيما عدا المسيحيين في شمال العراق الذين لا يزالون يتحدثون بالسريانية أو إحدى لهجاتها المسماة بالسورت إضافة إلى اللغة العربية حتى الوقت الحاضر.

إن التغيير الدرامي الذي جرى في الإمبراطورية البيزنطية وتحوّلها إلى المسيحية في الشرق بين الأعوام 313-321 لعله يعود في أبرز أسبابه إلى تأثير الشرق وأهله الذين ورثوا الأديان الجليلة والحضارات العظيمة.

على الرغم من أن الكنيسة المشرقية قد توسعت في القرن الخامس وانتشرت بين القبائل العربية كالغساسنة في الجزيرة والمناذرة في جنوب العراق، إلاّ أن سياسة بيزنطية المتقلبة والمضطربة تجاه الكنيسة المشرقية، وسعيها إلى احتوائها، أضف إلى تدخل الأباطرة المباشر في تعيين رجال الدين، قد شجّع على انقسام الكنيسة المشرقية إلى قسمين: يعاقبة في سوريا ولبنان وفلسطين، ونساطرة في العراق وإيران، لذلك نجد أن المسيحيين بتأثير السلطة الساسانية سعوا إلى الاستقلال عن بيزنطية خوفاً من بطش الفرس بهم كما فعلوا بعد أن اهتدت بيزنطية إلى المسيحية حينما شن الحكام الفرس حملة شعواء انتهت بقتل ما يقرب من ستين ألف شهيد في العراق والأهواز معظمهم من رجال الدين والمتعلمين المشرقيين.

كانت المسيحية قد انتشرت في القرن الخامس والسادس في معظم أنحاء سوريا ولبنان وفلسطين ومصر وجنوب إيران واليمن وقطر مما شجع المسيحيين من ذوي الأصول العربية على تقبل الفاتحين المسلمين ومساعدتهم في غالب الأحيان، وكانت سياسة المسلمين تتسم بالحكمة والاعتدال فقد راعهم انتشار المسيحية في الهلال الخصيب، فقابلوهم بالعهود والمواثيق القائمة على الحرية الدينية والعيش المشترك.

في الحقيقة أن اللقاء بين المسيحية والإسلام له جذوره التاريخية والدينية العميقة، بدأت منذ عهد الرسول الكريم الذي كان يلتقي باستمرار مع ابن عم زوجته الفاضلة خديجة الكبرى، ورقة بن نوفل الذي كان على الأرجح مسيحياً حكيماً، كما التجأ بعض المسلمين الأولين إلى ملك الحبشة النصراني الذي حماهم. وقابل النبي الكريم (ص) رؤوساء قبائل نجران من المسيحيين في المدينة، لكن اللقاء التاريخي والتقاء الثقافتين حدث عندما فتح المسلمون الهلال الخصيب.

وكان معظم المسيحيين في سوريا قد ملّوا تدخل السلطة البيزنطية في حياتهم، كما أن الفرس في العراق كانوا قد فتكوا بآخر ملك عربي الذي كان على الأرجح مسيحياً وهو المنذر الأخير ملك مملكة الحيرة أو بالأحرى ملك العرب الذي كان يمتد نفوذه إلى جنوب العراق واليمن وقطرايا، وقد فسر بعض المسيحيين في القرن السابع فتوحات المسلمين وتوسعهم السريع في المشرق تفسيراً معتمداً على التوراة والكتاب المقدس، فذكروا أن العرب قد انحدروا من نسل أولاد إسماعيل الابن الأكبر للنبي إبراهيم الخليل الذي وعده الله بأن يجعل نسله شعباً جليلاً (التكوين 21/18) فقد كتب أحد الرهبان النسطوريين في العراق عام 670 (50 هـ) أن بني إسماعيل يحققون انتصارات سيما وأنهم من أحفاد إبراهيم الذين كانوا يعيشون في الصحراء، وكان قد ذكر مثل هذا الرأي احد المطارنة الأرمن المسمى (سيبوس) عام 661 (41 هـ) أيضاً.

على الرغم من تطور مجالات الثقافة والعلوم السريانية في بداية القرن السابع الميلادي، فإن سيطرة البيزنطيين على المدارس العليا في سوريا وضغوط الفرس وتدخلهم في حياة أهالي العراق وإشعال نار الفتنة بين المناذرة والغساسنة الذين كان من بينهم عدداً كبيراً من المسيحيين، قد أثر على تكوين حضارة سريانية إلى جانب الحضارتين الفارسية والبيزنطية لذلك وجد السريان في المسلمين شركاء أفضل في العيش والبناء الحضاري.

يبلغ عدد المسيحيين في العراق بين 4% - 5% من عدد السكان وفي سوريا يبلغ مجموعهم بين 8-9% من عدد السكان وفي فلسطين 6% وفي مصر أكثر من 8% وفي لبنان حوالي 45% من عدد السكان، وكان يطلق على اليعاقبة في سوريا والنساطرة في العراق بالسريان على الرغم من أنهم ذوي أصول مختلفة آرامية وآشورية ومكدية وعربية. [انظر الملحق رقم (2)].

كانت هيئة اللغة السريانية في المجمع العلمي العراقي ولازالت موضع فخر المثقفين السريان في العراق والعالم العربي، وذلك من خلال المؤتمرات والندوات والدراسات والترجمات التي تصدر عنها، وإن كانت في السنوات الثلاث الماضية تبدو متواضعة، وهذا ما يذكرنا بالعلاّمة المرحوم يوسف حبّي رئيس الدائرة العلمية السريانية للسنوات 1996-2001 الذي خلّف لنا دراسات وبحوث سريانية متميزة، وقبله المرحوم الباحث الجليل كوركيس عواد، ولا بد لنا من أن نعرّف بأعلام السريان في العراق لقرّائنا أمثال البيرابونا (الذي ألف وترجم زهاء ستين كتاباً) ود.بطرس حداد (الذي ألف وترجم زهاء ثلاثين كتاباً) وسهيل قاشا (الذي ألف أكثر من عشرة كتب) والبطريرك عيواص (الذي ألف وترجم عدة كتب) د.يوسف فوزي ود.جاك أسحق ود.يوسف ساكو ود.يوسف توما الذين نشروا دراسات علمية في الثقافة السريانية في مجلة المجمع العلمي ومجلتي بين النهرين والفكر المسيحي وغيرها، هذا بالإضافة إلى جهود فرع الأدب السرياني في اتحاد الأدباء والكتاب السرياني، ولا بد أن نشير إلى كتابين مهمين صدرا حديثاً باللغة الإنجليزية، هما:

1) المسيحية في العالم العربي

Talal, (prince) El Hassan Christianity in the Arab World. Amman, Royal Institule for Inter-Faith studies, 1995.

2) المسيحية في العراق:

Rassam, Suha Christainity in Iraq. London, Grace Wing, 2006

وأخيراً ينبغي ألا ننسى المجلة المتميزة (ميسوبتيميا) التي تصدر في خارج العراق وجهود رئيس تحريرها الأستاذ سليم مطر ومجلات عراقية تعني بالأدب المشرقي المسيحي مثل مجلة بين النهرين ومجلة الفكر المسيحي وغيرهما.

بغداد 2010

الصفحات