أنت هنا

قراءة كتاب النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

تعاني دول العالم الثالث غالباً من مشكلات الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي ، ولهذه المشكلات أسباب عدة ، وقد تجذرت بسبب وجود الظاهرة الاستعمارية ولا سيما المصحوبة بالاستيطان ، وفي ظل هذه الظاهرة نجد أن نمط العلاقة السائدة هو الاستبعاد ، لا الاستيعاب ، أو الا

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 4

المطلب الثاني :الاستعمار البريطاني

خلفت إنكلترا هولندا رسمياً عام 1814 (تاريخ توقيع اتفاقية لندن)([18]) ولكنها بدأت بممارسة سلطتها الفعلية منذ عام 1806 وبدأت إنكلترا عام 1825 بإدخال بعض الإصلاحات على نظامها الاستعماري في البلاد ، فأنشأت مجلساً تشريعياً عام (1834)، وشكلت محكمة عليا لتكريس استقلالية السلطة القضائية وعملت على التخفيف من حدة اضطهاد السود ([19]) ، وشجعت الهجرة الإنكليزية إلى المستعمرة وأعلنت اللغة الإنكليزية لغة رسمية ، ونمت الإرساليات الانكليكانية فأثار كل ذلك حفيظة البوير وهم بأغلبيتهم المطلقة مزارعون تقليديون بأفكارهم وينتمون إلى الكنيسة الإصلاحية الهولندية التي تتبع تعاليم كالفن ، ولكن بمنهج مغاير ([20]) .فلم يرتضوا بالوصاية الإنكليزية عليهم ونزحوا بأعداد كبيرة إلى خارج حدود مستعمرة الرأس (الكاب) إلى مسافة الفي كيلو متر باتجاه الشمال والشرق (منطقة ترانسفال في الشمال ، وناتال في الشرق) ، إذ ما لبثوا ان أعلنوا استقلالهم . فظهرت جمهوريتان : جمهورية جنوب أفريقيا (ترانسفال 1884) وجمهورية دولة اورانج الحرة (اعترفت إنكلترا بها عام 1854) ([21]) اللتان عاشتا حياة مضطربة حتى نهاية القرن الثامن عشر بسبب تهديد القبائل الأفريقية ولاسيما قبيلة الزولو ، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تقسيم البلاد على وحدتين سياسيتين متحاربتين ، جمهوريات البوير والمستعمرات الإنكليزية،ومطامع ألمانيا الاستعمارية في أفريقيا الجنوبية وكذلك البرتغال وفرنسا، والوضع الجديد الناتج عن اكتشاف الماس والذهب الذي ترتب عليه تدفق المهاجرين بكثرة ولاسيما في بداية عام 1886 ، وقيام مدن جديدة كمدينة جوهانسبرغ وقد عد البوير ان تدفق المهاجرين هذا هو بمثابة أستيطان إنكليزي - يهودي يهدف إلى نهب ثرواتهم ([22]) .
عملت بريطانيا بعد ظهور هذه الثروات المنجمية ، على التنكر لمعاهداتها السابقة مع زعماء القبائل من جهة ، ومع البوير من جهة أخرى ، ولجأت إلى سياسة ضم الأراضي إلى سلطتها التي امتدت بين الأعوام 1865 - 1895 من مستعمراتها في الكاب حتى ناتال وهكذا ، كانت أفريقيا الجنوبية كلها في العام 1895 ، الواقعة جنوبي نهر ليمبوبو ، خاضعة للسيطرة البريطانية ، فيما عدا جمهوريتي البوير (الترانسفال والاورانج) ([23]) . اللتين كانت بريطانيا تطمح في إخضاعهما أيضاً ، ليتم لها السيطرة على كامل أفريقيا الجنوبية وبعد مناوشات عسكرية عدة ، كانت الغلبة فيها أحياناً للبوير ، وقد أعلنت الترانسفال الحرب على إنكلترا ، ثم لحقتها حليفتها الاورانج ، وبدأت بذلك حرب فعلية بين الإنكليز والبوير في 12 تشرين الأول عام 1899([24]) ، امتدت حتى 31 آيار 1902 وانتهت بهزيمة البوير وباختفاء دولتهم وأطلق على البوير وهم تحت السلطة البريطانية اسم الافريكان ، او افريكانرز ([25]) .
إن هذا الصراع استخدم فيه الإنكليز البوير من اجل قتال الأفريقيين ، ثم بعد ذلك اختلفوا معهم على اقتسام ثروات البلاد وسوف نرى ان لذلك أثراً في اقتسام النفوذ في جنوب أفريقيا .
وفي ضوء كل ما تقدم ، ظل الأفريقي صاحب البلاد الشرعي مبتعداً عن قضية بلده متقهقراً في مناطق فقيرة بعد تسوية النزاع بين المستعمرين ، وسوف نرى من خلال التجمعات السياسية للأفريقيين ، أن النضال ضد الاستعمار الاستيطاني لم يتوقف لحظة واحدة ، وإنما اخذ أشكالاً متعددة بعد القهر الأبيض العنصري المسلح لهم . كرس المستعمرون والمستوطنون في جنوب أفريقيا نظاماً يقوم على السيادة غير الشرعية للأبيض، انه التمييز العنصري الذي ناضل الأفريقيون لمحوه ، وكان الإنكليز يضخمون التناقضات بين البوير والأفريقيين إلا انهم ليسوا اقل عنصرية منهم وان الصراع الداخلي بينهم وبين الافريكان ، إنما هو ظاهرة لها خطرها على المجتمع الأبيض ، الا ان الخوف من المد التحرري الأفريقي كان يجمع العدوين ، بهذا يسهم البيض جميعاً بدعم خارجي وداخلي بإيقاد نار العنصرية ، المظلة التي يرونها تحميهم.
كانت بريطانيا تدعم التقسيمات بين السكان والحكام المحليين في جنوب أفريقيا ([26]) ووسعت من خلال التقسيم بين البيض والسود ، وقد اتضح هذا في نهاية القرن التاسع عشر ، حينما أخذ المجتمع في منطقة (الكاب) طابع الخصومة والعداء السافر بين مجتمع البيض والأفارقة السود المحليين ، كما ساعد ذلك على اكتشاف المعادن في جنوب أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر (الماس) في عام 1867 و (الذهب) في عام 1886([27]). لذا تغّير على نحو مثير وسريع بناء جنوب أفريقيا وتركيبته الاقتصادية والسياسية ، وكانت صناعة المعادن المتنامية قد خلقت انقسامات كبيرة بين البريطانيين والبوير والبيض والسود والأغنياء والفقراء .

الصفحات