أنت هنا

قراءة كتاب النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

تعاني دول العالم الثالث غالباً من مشكلات الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي ، ولهذه المشكلات أسباب عدة ، وقد تجذرت بسبب وجود الظاهرة الاستعمارية ولا سيما المصحوبة بالاستيطان ، وفي ظل هذه الظاهرة نجد أن نمط العلاقة السائدة هو الاستبعاد ، لا الاستيعاب ، أو الا

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 7

المطلب الأول :الجماعات الإفريقية

تشير بعض المصادر الى ان أقليم جنوب افريقيا كانت آهلة بالسكان قبل دخول المستعمرين الهولنديين والبريطانيين ، وعلى أية حال كان الانسان الأول يسكن أقليم جنوب افريقيا ([52]) . وسنحاول معرفة أهم الجماعات الأفريقية في أقليم جنوب أفريقيا التي ترجع بجذورها إلى السكان الذين سكنوا الأقاليم (البُوشمن Bushmen) ([53]) الذين نعرفهم الآن في صحراء كلاهاري ، ولكن الشبه بينهم وبين البوشمن الحاليين لم يكن مطابقاً تماماً . اذ انهم قد كانوا يعيشون على القنص والجمع والالتقاط وصيد الاسماك وهذا ما سوف نعرج عليه .
أولاً : البوشمن :- Bushmen

يعتقد بعضهم البعض ان البوشمن بوصفهم مجموعة بشرية معاصرة ، هم اقدم سكان جنوب افريقيا ويعرف البوشمن في جنوب افريقيا باسماء متعددة ( فالاوربيون يسمونهم البشمون ، والاكسهوسا يسمونهم توا Twa والسوثو Sotho يسمونهم روا Roa والهوتنتوت يسمونهم سان San ([54]) .
ومهما يكن من أمر فأن الاسم الاكثر شيوعاً هو البوشمن وهو الاسم الذي أطلقه عليهم للمرة الأولى جماعات البوير Boers الذين أطلق عليهم اسم Bosjesmonnes وتعني رجال الاحراش ) ويؤكد بعض الكتاب ان البوشمن مجموعة عرقية معاصرة هم اول من قطن جنوب افريقيا . وذلك استناداً إلى الآثار العديدة لأدواتهم الحجرية ورسومهم على الصخور وتماثيلهم . وهذه الآثار من أدوات ورسوم ومنحوتات قريبة الشبة ، كما ان الشخوص لهم الملامح نفسها إذا ما قارناها بثقافة البوشمن الحالية ([55]) .
ولقد وجد الباحثون هذه الآثار في مناطق جنوب افريقيا كلها . فعلى سبيل المثال وجدت في دمارالاند وباتلابين وغرب مرتفعات جريكالاند وفي دولة الاورانج الحرة والترنسفال وترانسكاي والجدير بالملاحظة أنة في أواخر القرن التاسع عشر كان البوشمن لايزالون يشغلون أجزاء كثيرة من جنوب أفريقيا ولا يزالون يعيشون في المناطق الجافة في بتسوانا وفي ناميبيا وحتى في انكولا وبلغ تعدادهم في عام 1980 حوالي10000 ([56]) نسمة.
وعلى الرغم من أن البوشمن لا يمتلكون إلا الأدوات البسيطة لم يجد البوشمن الاول في تحصيل طعامهم نصيبا كبيرا طالما كانوا سادة أرضهم الغنية بما يمكن أقتناصه . لقد كانوا يعيشون على الحيوانات البرية وجذور النباتات والفاكهة وايضا على الجراد والعسل البري والنمل الأبيض ، وكانوا فضلا عن غذائهم هذا يصطادون الأسماك من النهيرات العديدة كأنهار الكاي والفال والتسومو والمترمقوبو وتوجيلا ، وكانوا مرتبطين بأرضهم معاشياً([57]) .
ان هذا النمط من الحياة لا يشجع على إحداث تنظيمات اجتماعية وسياسية على درجة كبيرة من التقدم . فطالما في الأرض سعة ووفرة ، وطالما يعيش البوشمن على القنص منها والجمع من فاكهتها المتساقطة واقتلاع جذور نباتاتها فأن كل هذا يؤدي الى نوع من الحياة البدوية وقد عاش البوشمن في مجتمعات منعزلة بعضها عن الآخر ، فكان كل تجمع بشري يشكل عمليا وحدة مستقلة ومن الطبيعي ان تكون كل قرية من قرى البوشمن ، وكل مستقر أو تجمع بشري قليل السكان إذ كان كل تجمع يتراوح بين 25 و 70 أما القرى الكبيرة فيتراوح سكانها بين 200 و500 لكل قرية ، لكن هذه القرى الكبيرة لا تكاد توجد الا نادرا ([58]) .
ثانيا : الهوتنتوت :- The Hottentots

وهم جماعة عريقة أخرى ذات صلة بالبوشمن ونعني بهم جماعات الهوتنتوت . أنهم أطول من البوشمن ، وان كانوا مثلهم وهم يسمون أنفسهم الخوي خوان Khoikoin ومعناها أسياد الرجال ( أورجال من أصلاب رجال ) men of men ([59]) . ويشير اليهم بعض الباحثين باسم الخوي خوي Khoi Khoi . اما الاوربيون فيسمونهم الهوتنتوت ويطلقون على لغتهم ايضاً الهوتنتوت . وقد اضحى هذا الاسم اكثر انتشاراً للدلالة عليهم وعلى لغتهم([60]) .
وفي حوالي منتصف القرن السابع عشر كانوا يعيشون حول منطقة الرأس (الكاب Cape) وعلى ضفاف شاطئ نهر الاورانج وعلى الساحل في ناتال وفي كثير من مناطق جنوب غرب افريقيا (ناميبيا) ([61]) .
ويبدو ان الهوتنتوت - مثلهم مثل اشباههم البوشمن قد توطنوا في شرق وجنوب افريقيا. ففي حوالي القرن العاشر للميلاد كان البوشمن يعيشون على ساحل ما يعرف الآن تنزانيا ويبدو ان الهوتنتوت كانوا هناك ايضاً في الوقت نفسه تقريباً ، ويحتفظ الهوتنتوت بقطعان كبيرة من الماشية وبأعداد من الاغنام وكلاهما يشكلان عصب اقتصاد الهوتنتوت ، وبعض فروع الهوتنتوت يسمون الناما Nama يقتنون الماشية([62]). ولان الهوتنتوت رعاة ماشية فهم ينتقلون بقطعانهم بحثاً عن المراعي والمياه والانتقال هذا ضروري طالما تم استهلاك المراعي ، فينبغي عنئذ البحث عن مرعى جديد . وعلى الرغم من ان الهوتنتوت يمتلكون اعداد كبيرة من الماشية ، نادراً ما يذبحونها بغية اطعام انفسهم ، الا في المناسبات المهمة كالاعياد والاحتفالات ([63]) .
والهوتنتوت مثلهم مثل البوشمن ، يقتاتون أيضاً على العسل والفاكهة والجذور والاسماك ، كما ان قيامهم باصطياد الحيوانات المفترسة بسهامهم السامة يثري وجباتهم باللحوم، وعلى هذا فهم كالبوشمن صيادون جماعون وهم لا يستنبتون نباتاً كما فعل البانتو بعد ذلك ، ومن الامور الفارقة بينهم وبين البوشمن انهم يحتفظون بالماشية ([64]) .
ولدى الهوتنتوت مؤسسات وتنظيمات اجتماعية وسياسية اضخم واكثر كفاءة مما لدى البوشمن فهم يعيشون في تجمعات كبيرة ، ويتكون كل تجمع من مجموعة عشائر مختلفة تربطها صلة القربى،وعلى هذا فكل تجمع بمثابة قرية كبيرة،وبصرف النظر عن افراد العشائر ذات القرب، فأن التجمع يضم كل قطعان الماشية التي تخص ساكنه([65]).
كما رأينا فأن البوشمن والهوتنتوت ذو اعراق متقاربة . لقد سكن البوشمن جنوب افريقيا ثم اعقبهم الهوتنتوت . اما لماذا انفصلا ؟ او لماذا اتخذ الهوتنتوت طريقاً مستقلاً مختلفاً لتطوير انفسهم ؟ فأن ذلك كانت نتيجة لتأثير البيئة وربما انعزال كليهما (البوشمن و الهوتنتوت بعضهما عن الآخر ، لمدة زمنية ، استطاع فيها الهوتنتوت تطوير ثقافتهم المستقلة ومن المحتمل ايضاَ أن الهوتنتوت قد تحولوا الى رعاة بعد حصولهم على الماشية من المهاجرين البانتو الاول ، في أثناء تقدمهم . مهما تكن من الامر النظرية القديمة التي كانت ترى أن البوشمن يمثلون جنساَ مختلفاَ عن الزنوج وان الهوتنتوت هم ناتج زواج بين البوشمن والجماعات او الشعوب الناطقة بالكوشية ، والتي ضلت طريقها للمنطقة أضحت نظرية غير صحيحة ([66]) .

الصفحات