أنت هنا

قراءة كتاب تاريخ شرق الأردن وقبائلها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تاريخ شرق الأردن وقبائلها

تاريخ شرق الأردن وقبائلها

لا شك أن شرقي الأردن آهلة بالسكان منذ أزمنة عريقة في القِدَم، وإن لم يزل قسم كبير من تاريخها القديم مجهولاً. فوفرة الآثار وانتشار بقايا ما قبل التاريخ التي اكتشفها وصوّرها من الجو الجروب كابتن ريز Group Captain Rees V.C., A.D.C...etc.

تقييمك:
2.5
Average: 2.5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

1- شرقي الأردن منذ أزمنة ما قبل التاريخ حتى غزو الآشوريين

حدود شرقي الأردن
شرقي الأردن بوضعها السياسي الحاضر هي إحدى أقسام البلاد العربية، تمتد جنوبي وادي اليرموك وجبل الدروز، ويحيط بها من الغرب نهر الأردن والبحر الميت وخط وهمي يمتد من وسط وادي عربة حتى خليج العقبة. وتشتمل من الشرق على جبل الطبيق، أما وادي السرحان فإنه خارج عن حدودها الشرقية. ويحدها من الجنوب خط وهمي يمتد من مسافة كيلومترين جنوبي العقبة إلى مسافة كيلومترين جنوبي قلعة المدورة.

أزمنة ما قبل التاريخ
في سنة 1927 و1928 قامت بعثة الآثار التابعة لجامعة أكسفورد ببعض البحث والتنقيب شمالي جزيرة العرب، وتوصلت إلى نتائج تاريخية قيِّمة. فقد جاء في التقرير الذي وضعه المستر هنري فيلد Henry Field عن هذه البعثة أن «الظواهر الأركيولوجية والجيولوجية تدل على أن البادية كانت في زمن من الأزمان خصبة التربة غزيرة المياه، حتى أنها لتعول عدداً كبيراً من البُدَّاء المستقرين في أزمنة ما قبل التاريخ».
زارت البعثة قصر البرقع وباير وقصر الأزرق وسارت في طريق عمان - بغداد فعثرت في جميع هذه الأماكن على أحجار صوانية من بقايا العصور الحجرية عملت بها أيدٍ بشرية. ومنذ خمسين سنة وجد المستر سي. دوتي C. Daughty في معان وجبال الشراة كثيراً من نوع هذه الأحجار.
ويشاهد الآن كثير من بقايا الأبنية الحجرية في أرض حرة الراجل البركانية، كما يشاهد أسوار وجدران عديدة في البادية تدل على كثرة سكانها قديماً. وعثر قرب بقايا هذه الأبنية الخربة على أدوات صوانية من العصر النيوليثي Neolethic (منذ عشرة آلاف أو اثني عشر ألف سنة)، كما أنه وجد مثل هذه الأدوات في وادي باير مما يعود إلى العصر الشيليني Chillean (أي منذ مئة ألف إلى أربعمئة ألف سنة)، واكتشف في جهات أخرى حجارة من العصر المسترياني Mousterian (أي منذ قريب من عشرين ألف سنة). فوفرة آثار الأزمنة التي قبل التاريخ جعلت المستر فيلد يقول: «أعتقد أن شمالي بادية العرب تقع على إحدى الخطوط الرئيسية للهجرة بين الشرق والغرب، وأن مواطن ما قبل التاريخ الأصلية تمتد من شمالي شرق العراق إلى الصين».
إن بقايا أبنية ما قبل التاريخ الواقعة على مقربة من عمان تدل على درجة الحضارة في تلك العصور العريقة في القِدَم، ومن هندستها يظهر ما بلغ إليه القدماء من فن التحصين، إذ إن مداخل تلك الأبنية قد شيدت بشكل يجعل الكتف الأيمن للعدو المهاجم، وهو الكتف الذي لا يقيه الترس، عرضة لسلاح المدافعين([1]).

سكان شرقي الأردن القدماء
لا نعلم يقيناً من هم سكان شرقي الأردن في عصور ما قبل التاريخ، ولكن ما لا جدال فيه أن الساميين قد غزوا هذه البلاد واستوطنوها منذ عصور قديمة جداً. ومن المسلَّم به أيضاً أن جزيرة العرب كانت وطن الأمم السامية القديمة، ومنها هاجروا لضيق الأرض بهم أو حباً بالفتوح والتوسع إلى العراق وسوريا وشرقي الأردن وفلسطين، بل قد يكون إلى مصر أيضاً.
تقول الأساطير إن بعض أماكن من بلاد شرقي الأردن كان يسكنها العمالقة (الرفائيون)، ويقال إن عوج ملك باشان كان من بقايا هؤلاء العمالقة، وأن سريره الحديدي في ربة عمون كان طوله أربع عشرة قدماً وعرضه ست أقدام([2]). وكان يقطنها أيضاً أقوام يدعون بالأميين والعناقيين والزمزميين، هم أيضاً فيما يقال من العمالقة([3]).
لا تشير المراجع العربية إلى هؤلاء العمالقة، ولكن ورد فيها أن سكان شرقي الأردن عرب منذ القديم. وتنقسم العرب إلى ثلاثة أقسام تختلف في اللهجة وتجتمع في أصل واحد، وهو سام بن نوح:
1- العرب العاربة، أو العرب البائدة([4]).
2- عرب الجنوب، أو القحطانيون (انظر الملحق الأول)، أصلهم من اليمن وتناسلوا من قحطان المعروف بالتوراة بيقطان. هاجروا من اليمن إلى جميع بلاد العرب حيث أسسوا دولاً وإمارات لعبت دوراً هاماً في التاريخ العربي، ولما جاء الإسلام دبّ بينهم الانقسام والتلاشي.
3- العرب المستعربة، أو العدنانيون، أو الإسماعيليون نسبةً إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وقد برزت أهمية العدنانيين في الجزيرة منذ عهد النبي ﷺ (انظر الملحق الأول).
إن أسباب هجرة القبائل العربية في جزيرتهم تكاد تكون واحدة في جميع أدوارها، وهو أن ازدياد عدد السكان كان يزيد في حاجتهم إلى أَرَضين يفلحونها ويزرعونها، فأخذت حياتهم تتبدل من زراعية إلى بدوية، فرحلوا عن أرض اليمن الغنية ووديان حضرموت الخصبة إلى السهول التي في أواسط الجزيرة العربية، ولما ضيق عليهم من هاجر بعدهم ساروا شمالاً حتى بلغوا الهلال الخصيب. وهكذا ظل سير هذه الهجرة مستمراً وقتاً طويلاً، الأمر الذي دعى أحد الثقاة لأن يقول بأنه لا يوجد الآن قبيلة في نجد من القبائل التي كانت تقيم فيها لعهد النبي ﷺ([5]).
ولقد كان سيل هذه الهجرة البدوية الجارف الذي لم ينقطع في أي زمن من الأزمان من أعقد المشاكل وأخطر المسائل التي جابهت كل حكومة كانت مسؤولة عن إدارة أرض الهلال الخصيب وشماله، ولعل الدولة الرومانية قد وُفِّقت إلى درء هذا الخطر بتعبيدها الطرق الحربية وبنائها القلاع والحصون مدة ستمائة سنة، ولكنها تقهقرت أخيراً أمام تيار الإسلام الجارف، فوصل العرب إلى شواطئ الهندوس وأسوار الصين شرقاً، واحتلوا شمالي إفريقيا وإسبانيا وجزءاً من فرنسا غرباً.
أسست القبائل السامية التي نزحت إلى الهلال الخصيب دولاً لعبت دوراً عظيماً في التاريخ. من هذه القبائل الفينيقيون الذين توطنوا في سواحل سوريا، وأصبحوا أمة بحرية شقت سفنها عباب البحار حتى الجزائر البريطانية، والعبرانيون الذين سكنوا شرقي الأردن وفلسطين بين 1900 و1400 قبل الميلاد، والأنباط الذين أسسوا دولتهم المعروفة في جنوب شرقي الأردن وبسطوا سلطانهم على البلاد المجاورة.
لم يقف سيل هذه الهجرة حتى يومنا هذا فقد كانت عشائر الرولة تقطن أرض زيزياء منذ ثلاثين سنة. وفي صيف عام 1914م، كانت ضاربة خيامها في الصحراء حول ثمد، واليوم تسكن البادية السورية. ويلاحظ الآن أن بعض القبائل البدوية قد تحضرت قليلاً بعد تركها تربية الإبل التي تعتبر من ضروريات البدوي ومميزاته، وأصبحت تتكل على الزراعة والفلاحة وتربية الماشية لتأمين قوتها، فبنو حسن مثلاً، أكبر شاهد على تلك الميول لهجرهم الحياة البدوية، على حين أن بني خالد وبني صخر لم يصلوا إلى هذه الدرجة من التحضر بعد.
لا نعلم تماماً درجة الحضارة التي بلغها سكان شرقي الأردن القدماء، ولكن مما لا ريب فيه أنهم كانوا يعيشون ومواشيهم في البرية، ثم توصلوا تدريجياً إلى وضع الحواجز الحجرية لمنع تجول الماشية ليلاً وحمايتها من الوحوش الضارية.

الصفحات