أنت هنا

قراءة كتاب تاريخ شرق الأردن وقبائلها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تاريخ شرق الأردن وقبائلها

تاريخ شرق الأردن وقبائلها

لا شك أن شرقي الأردن آهلة بالسكان منذ أزمنة عريقة في القِدَم، وإن لم يزل قسم كبير من تاريخها القديم مجهولاً. فوفرة الآثار وانتشار بقايا ما قبل التاريخ التي اكتشفها وصوّرها من الجو الجروب كابتن ريز Group Captain Rees V.C., A.D.C...etc.

تقييمك:
2.5
Average: 2.5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

2- أشور ، وبابل ، وفارس

الآشوريون:

كان سرجون ملك الأكديين في أواسط القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد أول ملك آشوري زحف نحو الغرب حتى وصل بجيوشه إلى سواحل البحر المتوسط.
لم يكن هنالك أية محاولة لفتح سوريا وفلسطين بعد هذه الحملة حتى اعتلى العرش الآشوري الملك تغلث فلاسر الأول حوالي عام 1120 ق.م. فسار بجيوشه غرباً حتى وصل إلى البحر المتوسط وكاد الآشوريون يبسطون نفوذهم على سوريا وفلسطين لو لم يصده أحد ملوك الآراميين بدمشق عام 1050 ق.م واضطرهم إلى العودة متقهقرين. وبعد ذلك لم يحاول الآشوريون التقدم غرباً حتى اعتلى عرشهم آشور ناصربال (884-859 ق.م). غزا هذا الملك سوريا ووصل إلى الساحل الغربي، ولكنه قنع بما قدمته إليه المدن الفينيقية من الهدايا وقفل راجعاً إلى مملكته، تاركاً الاستيلاء على الأقطار الغربية لخلفائه.
استأنف خليفته شلمنصر الثاني الزحف إلى سوريا، فقوبل بجيش يعد خمسة وثمانين ألف هجان من رجال جند بوح العربي، وعشرة آلاف من رجال بعشا بن رحاب العموني، يقودهم جميعاً ابن هدد الآرامي. كانت المعركة في قرقير (قراقر اليوم)، ومع أن الملك الآشوري ادعى الانتصار لجيشه لكنه صُدَّ عن التقدم غرباً، وأخيراً رجع إلى عاصمته نينوى. وبعد أربع سنوات من هذه المعركة زحف شلمنصر الثاني غرباً لينتقم من ابن هدد وحلفائه، وبالرغم من تغلبه عليهم لم يتمكن من الاستيلاء على فلسطين. وفي عام 846 ق.م أرسلت حملة آشورية أخرى مؤلفة من مئة وعشرين ألف مقاتل ولكنها كانت كأخواتها، نصيبها الفشل.
فشل الآشوريون في ضم سوريا وفلسطين إلى ولاياتهم، ويعود الفضل في هذا الفشل إلى ابن هدد، فإنه بدهائه ظل متخذاً من حلفائه جبهة منيعة أمام التقدم الآشوري. وبعد وفاته تفكك هذا الحلف فدخل ملك آشور سوريا وانتصر على هازئيل ملك دمشق انتصاراً مبيناً: قتل 16 ألفاً من رجاله، وغنم 1591 مركبة حربية([58]). ومن المحتمل أن شلمنصر تغلب على العرب أيضاً واستولى على عمون بعد هذا الفوز الباهر.
توفي شلمنصر عام 823 ق.م وخلفه ابنه سماسفول، وخلف هذا ابنه فول نراري (810-783ق.م) الذي سار بجيوشه إلى سوريا واستولى عليها وأرغم الملك الآرامي ماريحا على تسليم دمشق، فانفتحت الطريق أمامه ليتوسع جنوباً وأصبحت فلسطين وشرقي الأردن تؤدي إليه الجزية صاغرة([59]).
لم تدم هذه الأحوال طويلاً، بل اشتعلت الثورات على حدود آشور وامتد لهيبها إلى العاصمة نينوى، فاضطربت أمور الدولة الداخلية. وفي إبان ذلك انتشر وباء الطاعون الذي فتك بالبلاد فتكاً ذريعاً حوالي عام 793 ق.م. كل هذه العوامل أضعفت الآشوريين وجعلت سوريا وفلسطين وشرقي الأردن تتحرر من النير الأجنبي. وفي أثناء ضعف الآشوريين هذا يحتمل أن يكون أمصيا ملك يهوذا قد هجم على الأدوميين، وذبح منهم عشرة آلاف رجل في وادي الملح، واحتل سالع «بطرا» ودعاها «يقتئيل»([60]). وخلف أمصيا ابنه عزريا الذي استرجع فرضة أيلة «العقبة»، ثم استولى عليها رصين ملك سوريا في أيام آحاز وطرد اليهود منها وأسكن بها سوريين.
ابتدأ حكم تغلث بلاسر على نينوى عام 745 ق.م، وكانت باكورة أعماله اكتساح سوريا وفلسطين وشرقي الأردن فأسر أهل جلعاد وأرسلهم إلى نينوى([61]). فَزِعَ أهل البلاد من بطش الجيوش الآشورية فقدمت جميع الممالك بما فيها تيماء النائية الهدايا إلى ملكها وكانت مملكتا مؤاب وآدوم خاضعتين لعمال من الفرس الذين عينهم الملك في البلاد المحتلة لإدارتها وقمع فتنها وثوراتها وتحصيل الإتاوة التي فرضها عليها.
وفي عهد الملك سرجون الثاني أخذ البدو القاطنون جنوبي وشرقي الأردن يناوشون الآشوريين ويشنون الغارة عليهم فأرسلت في عام 715 ق.م حملات لإخضاع الثموديين في غربي تيماء والعبابيد سكان الجبال الواقعة جنوب شرقي العقبة ومرسمان وخيابا القاطنين جهات حسما الشرقية. غُلبت هذه القبائل وحُمل من بقي من رجالها إلى السامرة. ويظهر أن الآشوريين لم يصلوا فعلاً إلى تيماء ومدائن صالح ولكن سيادتهم كان معترفاً بها في تلك الأماكن من الجزيرة العربية. وكان الصبئيون يقدمون الهدايا كل سنة إلى ملك آشور، الأمر الذي يدل على أن الآشوريين كان بإمكانهم سد الطرق التجارية على الجنوب، ولهذا كان من الصواب والحكمة خطب وُدَّهم بشتى الوسائل([62]).
أما البدو الذين كانوا حول الجوف من الجبهة الجنوبية، والذين كانوا عنصر اضطراب، فقد خضعوا لوقت ما للجيوش الآشورية ودفعت ملكتهم شمسية جزية 164 جملاً أبيض إلى الملك الآشوري العظيم([63]).
وفي ابتداء حكم سنحريب عام 705 ق.م قام ميروداش بالادان أحد المطالبين بالعرش البابلي بثورة عظيمة، وبالوقت نفسه أرسل وفوده إلى الممالك الغربية المقهورة يستنفرهم لحرب الآشوريين. وكانت النتيجة أن تألف حلف كبير من لولي ملك صور وحزقيال ملك يهوذا ومكرام ملك أدوم وبدوئيل ملك بيت عمون وكموش ناتبي ملك مؤاب ثم انضم إلى هذا الحلف عدة رؤساء من البدو منهم الملكة ياتي سيدة عربان الجوف التي قاد جيشها أخوها باسكانو. أخمد سنحريب هذه الثورة، وفي سنة 702 ق.م أسر باسكانو وانحل التحالف.

الصفحات