أنت هنا

قراءة كتاب التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين

التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين

كتاب " التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين " ، تأليف د. رعد حافظ سالم الزبيدي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

المطلب الأول : مفهوم التنشئة الاجتماعية

من أجل الاحاطة بمفهوم التنشئة الاجتماعية أقتضى الأمر تقسيم المطلب إلى فقرتين أثنين تتناول تعريفات التنشئة الاجتماعية أولا، وسمات التنشئة الاجتماعية وعلاقتها بالتنشئة الاجتماعية السياسية ثانيا.

أولا: تعريفات التنشئة الاجتماعية: هُنالكَ آراء مختلفة حول تعريف التنشئة الاجتماعية يمكن تصنيفها إلى ما يأتي:

1- التعريفات العامة للتنشئة الاجتماعية: وهي مجموعة من المحاولات الفردية التي تحاول تعريف التنشئة الاجتماعية. ومن التعريفات العامة للتنشئة يذكر: "أن العمليات التي تحدث في حياة الوليد البشري تعمل على تحويله من طفل عديم القدرة إلى إنسان ناضج، فلا يكون هناك أي نوع من الكائنات الحيّة يمر بعملية مكثفة طويلة في النمو مثلما نرى ذلك في حياة الكائن البشري. كما إننا لا نستطيع أن نلاحظ في نمو الفصائل الحيوانية التعدد والتناقض الذي نلاحظه في نمو الإنسان، فعندما ينمو الطفل يتعلم لغة أو أكثر من اللغات، ويكتسب ثروة، وأنواع متنوعة من المساعدة والإيذاء..."([5]). هذا التحول الذي نراه في حياة الوليد البشري (يحدث نتيجة لعملية التنشئة الاجتماعية)"([6]). كما عرفت التنشئة الاجتماعية بأنها: "عملية تعلم وتعليم وتربية ونضج ونمو وارتقاء تقوم على التفاعل الاجتماعي الايجابي، وتهدف إلى إكساب الفرد طفلا فمراهقاً فراشداً فشيخاً سلوكاً وقيمّاً واتجاهات مناسبة لادوار[7] اجتماعية معينة تُمكنهُ من مسايرة الجماعة والتوافق معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي والثقافي، وتيسّر له سبل التكيّف[8] والاندماج في إطار الحياة الاجتماعية، (أي أنها): عملية تحويل الفرد من كائن عضوي حيواني السلوك إلى كائن آدمي اجتماعي التصرف في وسط أفراد آخرين من البشر، ومن كائن ذي دوافع فطرية غريزية إلى كائن ذي حاجات اجتماعية، ومن كائن يعتمد كليا على والديه إلى كائن يعتمد على ذاته، فهي إذن عملية إكساب الفرد صفة الإنسانية، وجعله آدميا متوافقا مع أفراد المجموعة التي يندمج فيها ويكون عضواً من أعضائها...أنها عملية تطبيع وتطويع وتنميط للمادة الخام للطبيعة البشرية في القالب الاجتماعي واستدخال واستدماج ثقافة المجتمع في بناء شخصية الفرد وتمثله لها، وإكسابه النمط الثقافي والاتجاهات والقيم والمعايير السائدة في الجماعة والمجتمع"[9].

يتضح من التعريفات العامة للتنشئة الاجتماعية بأنها: مجموعة من المحاولات الفردية لتعريف التنشئة الاجتماعية، وأنها تُعرف التنشئة الاجتماعية على أنها: عملية تحويل الكائن البشري إلى كائن اجتماعي نافع في المجتمع عبر نقل معايير وقيم وممارسات وثقافة المجتمع إلى الجيل أو المواليد الجديدة باللجوء إلى بعض الأساليب.

2- تعريف التنشئة الاجتماعية حسب أبعادها: هناك اتجاه آخر ينحو إلى تعريف التنشئة حسب أبعادها([10]). وطبقا لهذا الاتجاه فأن للتنشئة أبعاداً (بيولوجية)، واجتماعية، ونفسية، ونفسية اجتماعية، و(انثروبولوجية). يُعرف أصحاب التعريف الحياتي (البيولوجي) التنشئة الاجتماعية على: "أنها عملية من أهم العمليات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع، والتي بها يتحول الطفل من كائن حي (بيولوجي) تتحكم فيه الغرائز إلى كائن اجتماعي يستطيع التفاعل مع أفراد المجتمع الذي ولد فيه، فالتنشئة وفقا لهؤلاء تعمل على "تحويل الوليد البشري من كائن (حي) يستجيب لكل نوازعه (الحياتية من غرائز ودوافع) دون ضابط أو رابط إلى كائن اجتماعي يتحكم في هذه النوازع، ويشبعها بطريقة ترضي المجتمع وقيمه؛ وبذلك يكتسب الفرد في أثناء هذه العملية السلوك الاجتماعي والقيم والعادات الاجتماعية والثقافية والدينية"([11]). أما أصحاب البعد الاجتماعي فيعرفون التنشئة على أنها: "العملية التي تتعلق بتعليم أفراد المجتمع من الجيل الجديد، كيف يسلكون في المواقف الاجتماعية المختلفة على أساس ما يتوقعه منهم المجتمع الذي ينشئون فيه، وتحديد هذا المجتمع ضمن الإطار العام له. ويكون دور الأفراد هنا تعلم النمط الثقافي لمجتمعهم بهدف تكوين شخصيتهم المناسبة للجماعة وثقافتهم وسلوكها المرغوب([12]). وحسب البعد النفسي والنفسي الاجتماعي تعرف التنشئة على أنها: "عملية تعلم وتعليم وتربية تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى اكتساب الفرد سلوكاً ومعايير واتجاهات مناسبة لإدوار اجتماعية معينة تيسًر له الاندماج في الحياة الاجتماعية"([13]). ويُعرف المتخصصون في دراسة علم الإنسان (Anthropologists) التنشئة انطلاقا من اعتبار الإنسان مخلوق عضوي سلوكي ثقافي. فيرون بأن التنشئة هي: تربية الفرد وتوجيهه، والإشراف على سلوكه، وتلقينه لغة الجماعة التي ينتمي إليها، وتعويده على الأخذ بعاداتهم وتقاليدهم، ونظام حياتهم، والاستجابة للمؤثرات الخاصة بهم والرضا بأحكامهم، والسير ضمن الإطار الذي يرضونه للوصول إلى الأهداف التي يؤمنون بها، بحيث يصبح جزءا منهم وغير بعيد عنهم يفكر مثلهم، ويشعر بشعورهم، ويحس بما يحسون به ويصبح واحدا منهم([14]).

يتضح من كل ما تقدم بأن الاتجاه الثاني ينطلق في تعريفه للتنشئة الاجتماعية بالاستناد إلى أبعادها الحياتية، والاجتماعية، والنفسية، والنفسية والاجتماعية وأخيرا الانثروبولوجية. يُركز التعريف الحياتي على أن: التنشئة تقوم بتحويل الجانب الحيواني في الإنسان إلى جانب اجتماعي، أما التعريف الاجتماعي فأنه يُركز في دور هيئات التنشئة الاجتماعية السياسية كالأسرة والمدرسة في تحويل هذا الكائن الحيواني إلى كائن بشري. ويُشدد التعريف النفسي على استعدادات الفرد الفطرية في اكتساب عملية التنشئة الاجتماعية السياسية أما التعريف النفسي الاجتماعي فأنه يأخذ بالتعريفين الاجتماعي والنفسي معا. وأخيرا فأن أصحاب التعريف الانثروبولوجي يركزون في أكثر من جانب بحيث يُعرفون التنشئة الاجتماعية السياسية انطلاقا من اعتبار دور الجوانب الحياتية والسلوكية والثقافية مشتركة معا في تنشئة الفرد.

3- تعريف التنشئة الاجتماعية حسب شمولها: يذهب بعض المتخصصين إلى القول بان التعريفات المختلفة للتنشئة الاجتماعية يمكن أن تصاغ بطريقتين: طريقة تتسم بالتوسع والشمول في النظرة، وطريقة أخرى تتسم بالتركيز والتحديد. فمن جهة يرون أنه يمكن النظر إلى التنشئة الاجتماعية: كعملية اجتماعية مستمرة وشاملة تستهدف بناء الشخصية، ونقل التراث الثقافي من جيل إلى جيل. ومن جهة أخرى، يرون أنه يمكن النظر إلى عملية التنشئة الاجتماعية إذ تقتصر على ذلك الجانب منها الذي يتم داخل الأسرة، حيث يكتسب الفرد شخصيته الاجتماعية ويتحوّل إلى كائن اجتماعي([15]). يمكن القول أن أصحاب هذا الاتجاه يرون أن للتنشئة نطاق واسع يشمل كل المجتمع، ونطاق ضيق يشمل الأسرة وتحويل الفرد إلى كائن اجتماعي، وفي الحقيقة لا يمكن الفصل بين الاثنين. أي التنشئة يمكن أن تشمل المفهومين معاً؛ لأن الأسرة تؤثر في المجتمع كما أن الأخير يؤثر فيها.

ما يمكن أن يخلص إليه هو: أن المحاولات الثلاث لتعريف التنشئة الاجتماعية ينطلق كل واحد منها من آراء أو مدرسة خاصة في محاولته لتعريف التنشئة الاجتماعية، وأن كل واحد منها أسهم في تعريف جانب معين، ومهم من مفهوم التنشئة الاجتماعية بشكل يؤدي في النهاية إلى أعطاء صورة تامة عن مفهوم التنشئة الاجتماعية، ويمكن القول مما تقدم أيضا أن عملية التنشئة الاجتماعية: هي العملية المستمرة التي يكتسب بفضلها الفرد المعايير والقيم والممارسات والثقافة بواسطة هيئات متعددة فضلاً عن استعداده الفطري، وبوسائل مختلفة، بشكل تساعده على أتباع سلوك يتكيف مع حاجات المجتمع، وتُعين الأخير بالنتيجة على الاستمرار والاستقرار الاجتماعي.

ثانيا: سمات التنشئة الاجتماعية وعلاقتها بالتنشئة الاجتماعية السياسية: تتسم التنشئة الاجتماعية بجملة سمات ومعالم معينة لعل أهمها هو: إن سلوك الفرد يرتبط تدريجيا بالمعاني التي تتكون لديه في المواقف التي يتفاعل فيها.

إن هذه المعاني تتحدد بالخبرات السابقة التي مر بها الفرد وعلاقة تلك الخبرات بالمواقف الحالية وإن الطفل يولد في جماعة حددت فعلا معاني معظم المواقف العامة التي تواجهه، وكونت لنفسها قواعد مناسبة للسلوك فيها وإن الطفل يتأثر بهذه المعاني منذ ولادته، وتنمو شخصيته في مراحلها الأولى طبقاً لهذه المعاني([16]), وبعد أن تم التعرف إلى ما هي التنشئة الاجتماعية وسماتها، يبقى السؤال ما هي العلاقة التي تربط التنشئة الاجتماعية السياسية بالتنشئة الاجتماعية؟ وفي معرض الإجابة عن السؤال هذا فأن التنشئة الاجتماعية تشير إلى كونها عملية نمو وتطور عامة تشمل جميع جوانب شخصية المتعلم. أما الجانب المتعلق بنمو وتطور شخصية الناشئ السياسية([17]), أي الجانب الذي بفضله يستطيع الناشئ ان يطور ويُنميّ مجموعة من المعلومات, والقيم والاتجاهات التي ترتبط بالنسق السياسي لمجتمعه، فهو الجانب الذي يمكن أن يطلق عليه التنشئة الاجتماعية السياسية([18]). ويقول في هذا الاتجاه أحمد جمال ظاهر: "وحيث إننا ننظر إلى عملية التنشئة الاجتماعية، وما لها من دور في بناء الأمة فسوف ننتقل من بناء شخصية الفرد إلى بناء الأمة التي تقوم على بناء المواطن, وهنا يجد الباحث التقاء الاجتماع بالسياسة، فإذا كان مفهوم التنشئة متعلق بالعلوم الاجتماعية؛ فإن بناء الأمة يتعلق بالمفهوم السياسي. ويمكن أن نضيف على ذلك أن التقاء المفهومين معا التقاء ذو علاقة لا انفصام إذ يؤثر ويتأثر كل منهما في الآخر"([19]), وفي الاتجاه نفسه يقول عبد الله محمد عبد الرحمن: "... إلا أننا نلاحظ أن مفهوم التنشئة الاجتماعية السياسية يُعدّ أكثر تحديدا ولاسيما أنه يرتبط بعملية أو مظهر واحد من مظاهر التنشئة الاجتماعية، إلا وهو الجانب السياسي الذي يُعدّ جزءاً من الحياة الاجتماعية العامة, والتي ينبغي اكتسابها بواسطة أعضاء المجتمع، وخاصة أن العملية السياسية تُعدّ من العمليات التي يتم اكتسابها في الحياة اليومية, وعن طريق التنشئة الاجتماعية السياسية"([20]). خلاصة القول فأن التنشئة الاجتماعية يمكن أن تعرف أيضا على أنها، من جانب: العملية التي يكتسب الفرد بواسطتها النمو الحياتي والعواطف والمشاعر والمعارف والمعايير والمعتقدات والقيم والمواقف والأحكام والثقافة التي تؤثر في سلوكه الاجتماعي، وهي من جانب آخر: عملية تنشئة الفرد جسميا أو عضويا ونفسيا واجتماعيا وثقافيا.

الصفحات