أنت هنا

قراءة كتاب التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين

التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين

كتاب " التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين " ، تأليف د. رعد حافظ سالم الزبيدي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

المطلب الثاني : مفهوم التنشئة الاجتماعية السياسية

يمكن الإشارة هنا إلى بعض الإسهامات العربية والأجنبية القيمة التي جاءت في تحديد مفهوم التنشئة الاجتماعية السياسية، وهي كما يلي:

أولا: الإسهامات الأجنبية: يرى سمير خطاب أن الإسهامات الأجنبية لتحديد مفهوم التنشئة الاجتماعية السياسية يمكن أن تصنف إلى اتجاهين على أساس ما أعتقده بعض الباحثين الأجانب في أدبيات التنشئة الاجتماعية السياسية بشأن الأهداف المتوخاة من وراء عملية التنشئة الاجتماعية السياسية ذاتها. فهناك الاتجاه المحافظ وهو الاتجاه الذي يستند في تعريفاته إلى أن التنشئة الاجتماعية السياسية أنما تهدف للحفاظ على الوضع القائم أو دعمه. بناءً على ذلك يعرفها (هربرت هايمان) بأنها: "تعني مجموعة الأنماط الاجتماعية التي يتعلمها الفرد من مؤسسات المجتمع وتساعده على التعايش مع المجتمع". ويعرفها (كنيث لينكتون)، على أنها: "عملية نقل الثقافة السياسية من جيل إلى آخر بواسطة المجتمع"، وعرفها (فريد كريينستين)، على أنها: التلقين الرسمي وغير الرسمي المخطط وغير المخطط للمعارف والقيم والسلوكيات السياسية عن طريق المؤسسات السياسية والاجتماعية. كما عُرفت على أنها: تضم أشكالا من التربية السياسية الشكلية وغير الشكلية للقيم والمعارف, وذلك في كل مراحل حياة الفرد([21]). أما الاتجاه الآخر الذي يمثله الاتجاه التحرري فهو الاتجاه الذي يتضمن التعريفات التي ترى بأن الهدف من التنشئة الاجتماعية السياسية هو محاولة التغيير أو خلق الأوضاع الملائمة التي تلائم النظام الاجتماعي السياسي القائم. ويؤكد أصحاب وجهة النظر هذه أنها: عملية يكتسب الفرد بواسطتها الاتجاهات والمشاعر نحو النظام السياسي، وهي تتضمن المعرفة، ماذا يعرف الفرد عن النظام السياسي؟ والمشاعر، ما هو مدى التزام الفرد وولائه للوطن؟ والكفاية السياسية، ما هو الدور الذي يجب أن يقوم به الفرد في النظام السياسي؟([22]), وعلى خطى هذا الاتجاه الثاني عُرفت التنشئة الاجتماعية السياسية على أنها: وظيفة النظام السياسي, وكل النظم التي تحاول الحفاظ على ثقافتها، وهي عملية تطبيع المواطن على الثقافة السياسية, ونتاج هذه العملية هو خلق قيم ومعايير واتجاهات نحو النظام السياسي بمختلف مستوياته المحلية والقومية, وعلى صعيد الاتجاه الآخر نفسه عُرفت التنشئة الاجتماعية السياسية في معجم المصطلحات السياسية، على أنها: "عملية تعلم يكتسب الأفراد بمقتضاها مجموعة من التوجهات, وهي من المنظور الاجتماعي بمثابة السبيل إلى الإبقاء على أو تغير الثقافة السياسية"([23]). يتضح مما تقدم بأن التعاريف الأجنبية تؤكد بشكل عام، إذا ما استثنينا تعريف (فريد كرينستين)، على النظر إلى التنشئة الاجتماعية السياسية؛ وكأنها تتعلق فقط بالسياسة, والحفاظ على الوضع الراهن لصالح النظام السياسي، وعلى أنها: عملية مقصودة ومباشرة, وحتى التغير الذي ينشده الاتجاه الآخر أنما يصب في الحفاظ على النظام السياسي ليلتقي مع أصحاب الاتجاه الأول, ويؤخذ على تعريف (فريد كرينستين) ذاته أنه يصور التنشئة الاجتماعية السياسية, وكأنها مقصورة فقط على إنتاج سلوك سياسي معين بالذات عندما يؤكد أنها: تلقين للمعارف والقيم والسلوكيات السياسية, ولكن التنشئة الاجتماعية السياسية لا تتعلق بالسياسة والحفاظ على النظام السياسي واكتساب القيم والمعارف والسلوكيات السياسية فقط؛ وإنما هي أشمل من الجانب السياسي؛ لأنها مرتبطة بأوضاع نفسية واجتماعية كما سيتضح لنا ونحن نتابع هذه الدراسة.

ثانيا: الإسهامات العربية: تم تعريب مصطلح ((Political Socialization، حسب بعض الإسهامات العربية التي حاولت تحديد مفهوم التنشئة الاجتماعية السياسية إلى ما يفيد معنى التسييس (Politicization) أكثر مما يفيد مغزى التنشئة الاجتماعية السياسية. هكذا لجأت محاولة قيمّة لباحث عربي على سبيل المثال لتعَريب مصطلح (Political Socialization) الذي جاء في كتاب (كينث لينكتون), على أنه: التنشئة السياسية, وليس التنشئة الاجتماعية السياسية([24]). أن تعريب مصطلح ((Political Socialization على أنه: التنشئة السياسية أنما يعني بصورة أو بأخرى معنى (التسييس), وهذا الأخير مختلف عن الأول. كما تم تعريب مصطلح (Political Socialization), على أنه: التربية السياسية([25]). وما يؤخذ أيضا على ما تقدم من الإسهامات العربية هو أن تعريب مصطلح ((Political Socialization إلى التنشئة السياسية أو التربية السياسية؛ إنما يعني أن عملية التنشئة الاجتماعية السياسية هي عملية سياسية مباشرة ومقصودة في الوقت الذي تنطوي فيه تلك العملية أساسا على جوانب اجتماعية عفوية وتلقائية غير مباشرة تؤثر بلا وعي في السلوك السياسي للفرد في حياته العامة([26]). وخير مثال على ذلك الطفل أو التلميذ أو العامل الذي ينشأ على تجارب تشاركية مثلا في محيط أسرته ومدرسته ومكان عمله فأنه من المحتمل جداً أن يعمم أو يطبق أو يمارس هذه التجارب التشاركية في كل حياته الاجتماعية بما فيها السياسية, أي أن الفرد قد ينشأ على ممارسات اجتماعية معينة بشكل غير مقصود وغير مباشر في سياق تجارب معينة مما يترك أثراً كبيراً في سلوكه الاجتماعي والسياسي. فضلا عن ما تقدم وصفت محاولات عربية أصيلة التنشئة الاجتماعية السياسية على أنها: "تلك العملية التي تسعى كافة مؤسسات التنشئة (الأسرة، المدرسة، وسائل الأعلام...) من خلالها إلى إكساب الفرد طفلاً- فمراهقاً- فراشداً، القيم والمعايير والتوجهات السياسية اللازمة والضرورة لتحقيق التكيف مع أهداف المجتمع"([27]). كما عُرفت التنشئة الاجتماعية السياسية على أنها: "عملية يكتسب بها الفرد الاتجاهات والمعتقدات والقيم التي تتعلق به كعضو في نظام سياسي واجتماعي معيًن....([28]). وقد عرفها (أحمد جمال ظاهر) على أنها: "نقل التراث من جيل إلى جيل يهدف إلى بناء شخصية الوطن والمواطن، وبناء الدولة والمجتمع"([29]). وميّز (كمال المنوفي) التنشئة الاجتماعية السياسية في الدول العربية بين اتجاهين رئيسين بصدد تعريف التنشئة الاجتماعية السياسية فقد نظر من جهة إلى عدّ "التنشئة السياسية" كعملية يتم بمقتضاها تلقين الفرد مجموعة من القيم والمعايير السياسية المستقرة في ضمير المجتمع بما يضمن بقائها واستمرارها مع الزمن وعدّها، من جهة أخرى عملية يكتسب الفرد تدريجيا هويته الشخصية التي تسمح له بالتعبير عن ذاته وقضاء مطالبه بالطريقة التي تحلو له([30]). كما تم تعريف التنشئة الاجتماعية السياسية على إنها: "عملية يكتسب الفرد من خلالها قيمه ومعتقداته السياسية باتجاه النظام السياسي القائم من خلال أدوات التنشئة المختلفة"([31]). ويعرفها (سمير خطاب) على أنها: "تلك العملية التي تسعى كافة مؤسسات التنشئة من خلالها إلى إكساب الفرد (طفلاً- فمراهقاً- فراشداً) القيم والمعايير والتوجهات السياسية اللازمة لتحقيق التكيف مع أهداف المجتمع، ليس فقط من أجل الحفاظ على الوضع القائم في نقل الثقافة السياسية من جيل إلى آخر بصورة جامدة وآلية، لكن تتضمن كذلك عملية تغيير أو خلق الثقافة السياسية الملائمة لاستقرار المجتمع"([32]). وهو يذهب أيضا إلى أن هناك بعض الخصائص يمكن التوصل إليها بفضل التعريفات المختلفة للتنشئة الاجتماعية السياسية، منها إنها: عملية من شأنها إكساب الطفل معارف وقيم واتجاهات سياسية؛ وأنها تساعد على تغيير أو دعم الثقافة السياسية السائدة؛ وأنها عملية مستمرة طوال حياة الفرد، وتقوم بها مؤسسات التنشئة في المجتمع كافة([33]). وهناك من يرى أن للتنشئة الاجتماعية السياسية ثلاثة مدارات: "أولها/ معرفي: تحصيل الفرد أو الجماعة أو الأمة معرفة جديدة عن الماضي والحاضر والمستقبل. وثانيها/ عقيدي: استعادة القيم الإيجابية ونبذ القيم السلبية. وثالثها/ عاطفي: تكريس صورة عن الذات والآخر"([34]). ولعل ما يؤخذ على الإسهامات العربية الأصيلة في تحديد مفهوم التنشئة الاجتماعية السياسية هو تركيزها الكبير في الجانب السياسي للتنشئة بقدر تركيزها في أهداف التنشئة الاجتماعية السياسية ودورها في دعم النظام السياسي حينما أكدت بناء شخصية المواطن واكتساب الهوية, ويمكن القول: إن خير محاولة أصيلة لتعريف هذه العملية يمكن ان تكون تلك التي تعدّ أن للتنشئة الاجتماعية أبعاداً سياسية أو لها أثر لا واعي في السلوك السياسي للفرد في حياته السياسية. مما يخلص إليه من كل ما تقدم؛ أنه بالرغم من المحاولات العربية القيمة لتعريب مصطلح ((Political Socialization بالتنشئة السياسية إلا إن هذا المصطلح يعني في الحقيقة التنشئة الاجتماعية السياسية؛ وبذلك يتفق الباحث مع ما ذهب إليه (صادق الأسود) حين عَرب المصطلح الإنجليزي ((Political Socialization, إلى التنشئة الاجتماعية السياسية, وليس التنشئة السياسية([35]). وعليه يمكن القول إن التنشئة الاجتماعية السياسية: هي العملية التي يكتسب الفرد بواسطتها النمو الحياتي والعواطف والمشاعر والمعارف والمعايير والمعتقدات والقيم والمواقف والأحكام والثقافة التي تؤثر في سلوكه الاجتماعي السياسي.

الصفحات