كتاب " التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين " ، تأليف د. رعد حافظ سالم الزبيدي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين
المطلب الثاني : الجذور العربية الإسلامية للتنشئة الاجتماعية السياسية
على صعيد الفكر السياسي العربي الإسلامي أسهم بعض المفكرين السياسيين العرب والمسلمين أمثال الفارابي، والماوردي، وابن سينا، وابن تيمية، وابن خلدون، وابن الأزرق، ورافع رافع الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي, ورشيد رضا في مجال التنشئة الاجتماعية السياسية, وسيتم التطرق إلى أفكارهم تباعا.
تطرق الفارابي (873-950 م.), إلى حاجة الفرد إلى الاجتماع الإنساني الذي يتضمن التعاون من اجل بلوغ الكمال الذي هو غاية الفرد وغاية النظام السياسي بقدر ما يحقق الكمال والسعادة, وقد شبه الفارابي المدينة التي يتحقق فيها التعاون بالمدينة الفاضلة، وشبه الأخيرة بالجسد التام الصحيح. كما أشترط الفارابي على رئيس المدينة الفاضلة بأن يكون معداً للرئاسة بالفطرة أولا والهيئة والملكة الإرادية بالتنشئة الاجتماعية السياسية ثانيا([47]). ويمكن القول بعبارة أخرى أن التنشئة على التعاون الاجتماعي يقود إلى التعاون السياسي بدل الصراع السياسي مما يحقق الاستقرار الاجتماعي والسياسي معا, كما أن التنشئة على القيادة أو التدريب على الأدوار منذ الطفولة يؤدي إلى الشعور بالكفاية السياسية, والرغبة في المشاركة, وتولي المناصب. وحثّ الماوردي (974- 1058 م.), الناس على ضرورة طاعة أولي الأمر من الحكام، وأكد ضرورة التنشئة الاجتماعية السياسية للحاكم عندما أشترط كأحد الشروط ان يتوافر في من يتولى الإمامة مؤهلات الثقافة السياسية والإدارية والحربية والكفاية النفسية والجسمية, وقد نصح الماوردي الملك بتقويم نفسه أولا التقويم الصحيح إذا ما أراد تقويم قومه، فإذا ما عجز الحاكم عن انتهاج الرغبة في سياسة الرعية فأن النتيجة ستؤدي إلى تنشئة شعب منافق، وان كان مستتر أو يلجأ إلى الشقاق، وان كانت مجاهرة, ويرى انه لا خير في حكم يتأرجح بين شعب نشئ على النفاق والشقاق, فضلا عن ما تقدم شدد الماوردي على أن التنشئة الاجتماعية السياسية إنما تتطلب من النظام السياسي أحيانا ان يستعمل الرهبة من اجل منع المعاندين, وحسم سعي المفسدين؛ وذلك أقوى الأسباب في تهذيب المملكة، ومنع العصيان, كما ينصح الماوردي صاحب السلطة ان ينشأ على الاستماع وتقبل آراء الغير. أما آبن سينا (980- 1037 م.), فقد أوضح حاجة الإنسان إلى الاجتماع مع غيره, وحاجة المجتمع إلى رئيس، وبيّن ان على الأخير ان يُعرّف الناس بالقوانين ويسوس المجتمع, وبين ان على الحاكم واجبات عدة لعل من بينها منع انحراف الناس عن القواعد المتعارف عليها في المجتمع. يمكن القول أن ما أوصى به ابن سينا في مجال التنشئة الاجتماعية السياسية هو ضرورة التنشئة على ضرورة الاجتماع بين الناس والطاعة لحاكمهم، فضلاً عن ضرورة قيام الأخير بالتنشئة على القوانين الضرورية لبقاء واستمرار المجتمع. وأكد ابن تيمية (1263- 1329 م.), وجوب طاعة ولاة الأمر, وحتى وان كانوا من الملوك, والاحتمال مع الصبر أفضل من الخروج على الحاكم؛ لان في ذلك انتقاض وفوضى وهدم([48]), أي أنه يشجع على التنشئة الاجتماعية السياسية القائمة على الطاعة التي تقود إلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي, وهو غاية النظم السياسية من وراء عملية التنشئة الاجتماعية السياسية. ويستخلص من بعض أفكار آبن خلدون (1332- 1406 م.)([49]), بيانه لدور العصبية([*]) في الحصول على الحكم، أي بين أثر النسب على السلوك الاجتماعي والسياسي للفرد. كما بيّن أثر الثروة في الحراك الاجتماعي من البادية إلى المدن أو تحول البادية أو جزء منها إلى مدينة, ودور ذلك في قيام الدولة, وقد عزى ابن خلدون ظاهرة عدم استقرار الدولة وزوالها إلى أسباب حتمية وأخطاء بشرية([50]), وهناك من يرى أن ابن خلدون أول من استطاع ان يستخلص السياسة من الاعتبارات الدينية، وأول من استطاع أن يضع أسسها التربوية بشرحها بطريقة أصح من الوجهة العلمية؛ وذلك بفضل توضيح الأثر الاجتماعي والاقتصادي فيها([51]), أي أن أبن خلدون بّين كيف أن التنشئة الاجتماعية السياسية على التعاضد والتآزر في أيام المحن والأخطار القائم أساساً على النسب يؤدي إلى قيام الدولة، وأثر الثروة في انتقال خصائص التنشئة البدوية إلى التنشئة الحضرية, ومن ثم قيام الدولة بالمعنى الحديث, ويقول عالم الاجتماع العراقي (علي الوردي)، ان ما جاء به ابن خلدون قبل ستمائة سنة تقريبا يكاد يشبه ما يقوله علماء الاجتماع الآن حينما قال: "ان الإنسان ابن عوائده ومألوفه لا ابن طبيعته ومزاجه، فالذي ألفه في الأحوال حتى صار خلقا وملكه وعادة تنزل منزلة الطبيعة والجبلة, وعدّ ذلك في الآدميين تجده كثيرا صحيحا. والله يخلق ما يشاء", أي ان الإنسان كما علق على ذلك (علي الوردي)، هو نتاج أوضاعه الاجتماعية أكثر مما هو نتاج نسبه أو وراثته الطبيعية. هكذا يتفق (علي الوردي) مع عالم الاجتماع الغربي (دركهايم) حينما قال: "فإذا نشأ الإنسان في بيئة، تسلط عليه منها ضغط اجتماعي أو "قسر اجتماعي"([52]).
أما ابن الأزرق (حوالي 1427- 1496 م.), فيرى بأن العصبية تحقق التعاضد والتناصر، وأكد ضرورة طاعة السلطة, وعدم الخروج عليها, ويقول كلما كثرت العصبيات القبلية كلما ضعفت عوامل قيام دولة قوية([53]). فضلا عما تقدم بحث آبن الأزرق في مختلف العوامل التي تؤثر في انهيار هذا النظام أو حدوث تغيرات سياسية (العوارض)، وجاءت معظم أفكاره هذه في كتابه "بدائع السلك في طبائع الملك"([54]). يُفهم من أفكار آبن الأزرق أنه شجع على التنشئة على الطاعة التي تؤدي غالبا بالنتيجة إلى الطاعة السياسية التي تُعد عنصرا مهما من عناصر الاستقرار الاجتماعي والسياسي للنظم السياسية. كما أنه يشجع على التنشئة الاجتماعية السياسية التي تقود إلى الولاء للنظام السياسي القائم بدلا من الولاء إلى عصبيات عدة. وأكد رافع الطهطاوي (1801-1873 م.), ضرورة طاعة الحاكم والصبر بدلا من التغير العنيف الذي قد يقود إلى الفتنة واضطراب الأحوال, أي أنه يؤكد على التنشئة التي تقود إلى طاعة الحكام الضرورية التي من المحتمل جدا أن تقود إلى الطاعة السياسية ذلك أن تعود الفرد على ممارسة الطاعة في بداية حياته خصوصا يجعل التخلص منها أو مخالفتها أمرا صعبا عند الكبر. وقد بين جمال الدين الأفغاني (1838- 1897م.) أثر أسلوب (الدعاية والتضليل) الذي تمارسه البيئة الدولية المتمثلة بالدول الغربية الغازية للدول الشرقية مثل مصر والهند في التأثير على التنشئة الاجتماعية السياسية للناس في هذه الدول لضمان قبول الناس بالأمر الواقع, إذ بين بأن الدول الغربية الغازية تستعمل حجج كثيرة مثل حجة حماية الأقليات كوسيلة لإيهام الشعوب المستهدفة بالاحتلال من أجل السيطرة عليها مما يؤدي إلى عدم مقاومة المحتل. ويُستنتج من أفكار جمال الدين الأفغاني أن الدول الغازية أسهمت في فرض وشيوع نمط التنشئة التسلطية في هذه الدول الشرقية؛ وذلك بواسطة أبعاد الوطنيين من السكان الأصلين، وتفريق وحدة الصف الوطني بفضل خلق الفتن الداخلية وغيرها من الأساليب, كما دعا الأفغاني إلى التنشئة على التسامح الديني والطائفي، وعارض النمط التسلطي للحكم, وشجع على احترام رأي العقلاء في الحكم، كما أكد دور العصبية في بناء الأمة, وحمايتها من الغزو الأجنبي. أما الشيخ محمد عبده (1849- 1905 م.) فقد أكد ضرورة تربية الشعب, وتربية القادة الموجهين كوسيلة للتحرر من العبودية والاحتلال الأجنبي البريطاني، كما تنبه لتأثير العلمانية في شق وحدة صفوف المسلمين, وربط بين وجود المشاعر الوطنية بشعور المواطن بالحرية والأمن والسلم والعدالة الاجتماعية, ودعا محمد عبده إلى أهمية العصبية الدينية للوحدة الوطنية في الوقت نفسه رفض عدم التسامح الديني والعنصري، وأكد وجوب الشورى، والتكافل الاجتماعي. وعزى عبد الرحمن الكواكبي (1854- 1902 م.)([55])، ضعف الأمة إلى قصور في التنشئة الاجتماعية السياسية بسبب دور المؤسسة الدينية والنظام السياسي، وقصور في القيم الأخلاقية. كما أكد أهمية التنوع العرقي في قوة الدولة. وأكد رفضه للأساليب التسلطية في الحكم في الوقت الذي شدد من جانب آخر أهمية الأنماط التسامحيه والتشاركيه والحرة في التنشئة الاجتماعية السياسية الضرورية للدولة المستقرة, كما بيّن الكواكبي أثر التنشئة التسلطية في أفساد الأخلاق والدين والعلم والتربية, وأوضح الكواكبي أن خير وسيلة للتخلص من نمط الحكم الاستبدادي هو تهيأة البديل الأفضل, وعدم مقايضة الاستبداد باستبداد جديد. أي أنه أكد ضرورة التنشئة الديمقراطية, والصبر على الحاكم الظالم إلى حين توافر أجواء وحاكم ديمقراطي. وبيّن رشيد رضا (1865- 1935 م.), ان الإصلاح يمكن ان يتحقق بفضل اجتناب مقاومة السلطة, و قيام هيئات مثل المؤسسات الدينية بالتنشئة الاجتماعية السياسية، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية أيمانا منه بأثر تلك الأوضاع في سلوك الإنسان. وأكد هذا المفكر دور قادة الرأي من أصحاب الحل, والعقد والشورى في قيادة الأمة, ودعا إلى توحيد مناهج المدارس الدينية([56]). يمكن القول مما تقدم أن المفكرين العرب والمسلمين كان لهم دوراً متميزاً أيضا، فضلا عن دور المفكرين والعلماء الأجانب في الإسهام في دراسة التنشئة الاجتماعية السياسية.

