كتاب " التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين " ، تأليف د. رعد حافظ سالم الزبيدي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين
المطلب الأول : الجذور الأجنبية للتنشئة الاجتماعية السياسية
أهتم جملة من الكتاب والمفكرين الأجانب من القدماء بالتنشئة الاجتماعية السياسية، ومن بينهم يذكر (كونفوشيوس) و (سقراط) و (أفلاطون) و (أرسطو). كما يمكن القول إن (نيقولا مكيافيلي) و (جان جاك روسو) في العصر الحديث قد تضمنت أفكارهم جوانب من التنشئة الاجتماعية السياسية. وسيتم تناول بعض من إسهاماتهم في هذا المجال تباعا إذ أكد الفيلسوف الصيني (كونفوشيوس) (551- 479 ق.م)، في مصنفاته الثلاثة: "عقيدة الوسط"، و "التعليم الأكبر" و "الأغاني"، ضرورة غرس معاني الحق والعدل والحب في نفوس بني الإنسان منذ الصغر عن طريق التعليم الجاد حتى ينشأ نظام اجتماعي قويم يتسنى معه قيام حكم صالح([37]). يُفهم من ما ذهب إليه (كونفوشيوس) بأن أعداد جيل صالح يؤدي بالنتيجة إلى قيام حكم صالح ما زال هناك أمكانية أن يتولى قسم من هذا الجيل الذي تلقى تنشئة صحيحة إدارة شؤون الدولة المختلفة كمعلمين وكضباط شرطة وكوزراء وما إلى ذلك. وذهب (سقراط) (469- 399 ق.م)، إلى أن العلم أساس الفضيلة. كما أكد كذلك دور التقاليد والعادات القائمة على الأصول والمبادئ الديمقراطية في تدبير شؤون المجتمع الإنساني، وهذا ما تم اعتباره الخطوة الأولى، والدعامة الأساسية (للتنشئة) الاجتماعية السياسية. كما بين سقراط بأن: الحوار هو الطريق الأفضل للوصول إلى الحقيقة([38]). أما (أفلاطون) (427 - 347 ق.م), فيرى بأن على الدولة تقع مسؤولية تولي عملية التنشئة الاجتماعية السياسية. فأفلاطون يؤمن بأن التنشئة الاجتماعية السياسية عملية مهمة وحيوية لبقاء واستمرار الدولة؛ لذلك يجب أن لا تترك للمؤسسات الخاصة. فضلا عن ما تقدم يعتقد أفلاطون بأن التنشئة الاجتماعية السياسية هي الوسيلة الايجابية التي تمكن الحاكم من إدراك جوهر الطبيعة البشرية, ومن توجيهها إلى الناحية التي تحقق مصلحة الفرد، ومصلحة المجتمع ليتحقق التجانس المنشود في الدولة الفاضلة؛ عليه فأنه من الأفضل أن تتولى الدولة مهمة التنشئة الاجتماعية السياسية([39]). وقد أخذت معظم دول العالم بأفكار أفلاطون بفضل جعل التعليم الأساسي إلزامياً؛ ونصح (أفلاطون) على ضرورة تنشئة أولاد المواطنين تنشئة خاصة بحيث لا يأذن لهم سماع كل أنواع الأساطير, ولابد من السيطرة على ملفقي الخرافات, واختيار أجملها, ونبذ ما سواه، وضرورة توجيه الأمهات والمرضعات بأن يقصصن ما اخترناه من الخرافات على الأطفال، وأن يكيفن في عقولهم أكثر مما يكيفن أجسادهم بأيديهن. فعلى سبيل المثال، يرى أفلاطون بأنه يجب أن لا نُعلم الأطفال بأن الآلهة في صدام دائم مع بعضها البعض، وتتآمر وتتحارب وتتقاتل مع بعضها البعض وتحرض جماعة من البشر ضد جماعة أخرى؛ لأن ذلك حسب رأيه سوف يطبع سلوك الأطفال وهم مواطني المستقبل بهذه الصفات عندما يكونوا حكاما؛ لأن الطفل لا يميز بين الحقيقة والمجاز عند سماعه هذه القصص, ومن أهداف التعليم الذي هو أحد أسس دولة (أفلاطون) المثالية هو تحويل الناس إلى مواطنين صالحين أو تدريبهم على ممارسة الفضيلة([40]). وأوضح (أرسطو) (384- 322 ق.م), في بداية الكتاب الخامس من الباب الأول من كتابه "السياسة": "أن لكل مجتمع سياسي أخلاقاً معينة تكفل قيامه واستمراره, فالأخلاق الديمقراطية مثلا، تعطي للمجتمع الديمقراطي صورته وتضمن بقاءه"([41]). لذلك بحث (أرسطو) في طبيعة تعليم الأولاد الملائمة لطبيعة الدولة, فالمواطن حسب (أرسطو)، لابد أن يكون بحيث يلائم نوع الحكومة التي يعيش في ظلها([42]). يمكن القول بعبارة أخرى أن تعود الأفراد في حياتهم اليومية على ممارسات تشاركية وسلمية والقبول بالآخر والتسامح ستضمن بقاء واستمرار نظام سياسي يتم فيه تداول السلطة سلميا, وقبول كل حزب بالآخر, ويتم التنافس السياسي على السلطة بشكل سلمي والتسامح مع الرأي الآخر. ويستخلص من بعض أفكار (نيقولا مكيافيلي) (1469- 1527م.), أنه بين أثر بعض هيئات التنشئة الاجتماعية السياسية مثل المؤسسة الدينية، في التنشئة الاجتماعية السياسية, وذلك حينما أوضح بأن المؤسسة المسيحية الممثلة بالكنيسة ورجال الدين في روما أقد أفسدت الروح المسيحية والأخلاق المسيحية التي هي ضرورية لتحصين المواطن والدولة من الاحتلال الأجنبي؛ ذلك لأن (مكيافيلي), قد وضع اللوم المباشر على المؤسسة المسيحية في الاحتلال المتكرر لايطاليا أو المدن الإيطالية آنذاك لسببين: الأول: عدم قدرتها على فرض سلطتها على جميع إنحاء ايطاليا بما فيهم الأمراء والحكام. والآخر عدم خضوعها أو التسليم لحاكم قوي عندما يكون ذلك ممكنا، وبدلا من التسليم بقوة حاكم قوي يسيطر على كل ايطاليا فأنها، أي الكنيسة كانت تلجأ إلى الاستعانة بالدول الأجنبية للقضاء على مثل هؤلاء الحكام الأقوياء الذين يريدون توحيد ايطاليا([43]). يمكن القول بشكل آخر أن التنشئة الدينية التي قامت بها الكنيسة أسهمت في التنشئة على عدم طاعة الحاكم, والتمرد ضده حتى لو تطلب ذلك الاستعانة بدول أجنبية الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى أضعاف الوحدة الوطنية, والولاء لإيطاليا, وتسهيل احتلالها من الأجنبي. ما يمكن استنتاجه أيضا من بعض أفكار (مكيافيلي), أنه يعزو غياب الشعور بالمواطنة والروح الوطنية إلى غياب التنشئة الاجتماعية السياسية الديمقراطية في دول المدن الإيطالية, ويعلل (مكيافيلي) ذلك إلى عدم فسح الحكام المجال لسكان المدن الإيطالية من غير (فلورنسا) في المشاركة السياسية في الحكم, وقد أدى غياب الروح الوطنية إلى عزوف الأفراد من المدن الإيطالية الأخرى عن الالتحاق بالميلشيات التي حاول أن يؤسسها (مكيافيلي) نفسه للدفاع عن (فلورنسا), والمدن الإيطالية الأخرى مما تسبب في احتلال الأخيرة لأكثر من مرة([44]), ويمكن القول أيضا بناءً على تحليل بعض أفكار (مكيافيلي), أن للبيئة الجغرافية والاجتماعية أثر كبير في التنشئة الاجتماعية السياسية؛ وذلك للدور السلبي لسيادة القيم الإقليمية للإقطاع على وجود دولة ايطاليا الموحدة([45]), أي ان سيادة القيم الإقطاعية والإقليمية كانت عائقا إزاء قيام الدولة الموحدة القوية في ايطاليا نتيجة تنازع أو صراع أمراء الأقاليم الممثلين بالإقطاع مع السلطة المركزية. أما (جان جاك روسو) (1712- 1778م.), فقد جاءت معظم أفكاره في مؤلفيه "العقد الاجتماعي" و "إميل" أو "التربية" حين شدد على أهمية زرع المشاعر العامة الملائمة للديمقراطية السياسية([46]), ومن المفيد التأكيد على أن للديمقراطية السياسية التي بشر بها (روسو) مقومات قوامها التنشئة الاجتماعية السياسية للوصول أو أدراك الهدف منها, وتشبه فكرة روسو هذه بعض أفكار أرسطو المشار إليها أعلاه حين أشار إلى أن أتباع التنشئة الاجتماعية الديمقراطية لأفراد المجتمع يمكن أن تضمن نظاما سياسيا ديمقراطيا, وبعد أن تعرفنا إلى الجذور الأجنبية للتنشئة الاجتماعية السياسية, ودور المفكرين والأساتذة الأجانب في دراسة التنشئة الاجتماعية السياسية يبقى علينا البحث في الجذور العربية الإسلامية للتنشئة الاجتماعية السياسية، ومعرفة دور المفكرين والأساتذة العرب والمسلمون والعراقيون بضمنهم، وهذا ما يتطلب الانتقال إلى المطلب القادم.

