كتاب " التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين " ، تأليف د. رعد حافظ سالم الزبيدي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين
المطلب الثالث : تطور دراسة التنشئة الاجتماعية السياسية
تشير الحقائق إلى أن لعلماء الإنسان، وعلماء الاجتماع([57])، وعلماء، النفس، وعلماء نفس النمو([58])، فضلا عن التطورات التي حدثت في القرن العشرين تأثيراً في دراسة التنشئة الاجتماعية السياسية. وفيما يلي مناقشة البعض منها:
1- تأثير علماء الإنسان: من بين الدراسات التي قام بها الباحثون في مجال علم الإنسان تُذكر الدراسات التي أجرتها (ماركريت ميد) (Margaret Mead) في العام 1925، في (ساموا) (Samoa) وتوصلت بفضلها إلى أن هناك تأثيراً لمتغير السن في عملية التنشئة الاجتماعية([59]). ودرس الباحث (جيزه روحيم) (Geza Rohiem) تنشئة الأطفال في أستراليا, ودرس (أريك أريكسون) (Eirk Erickson) تنشئة الأطفال عند قبائل الهنود الحمر الأمريكيين، وقدمت دراساتهما تحليلات للتنشئة الاجتماعية بواسطة تفسيراتهم للشعائر والقيّم والعادات السائدة في المجتمع([60]), ثم تبع ذلك دراسات قام بها كل من (إبرام كاردنر)(Abram Kardiner) و (رالف لنتون)(Ralf Linton) , لدراسة بعض المجتمعات, وتحليل عملية التنشئة عن طريق دراسة العادات والتقاليد والقيم والممارسات داخل المجتمع([61]). كما توصل )جون وايتنج( (John Whitign) و)ارفن تشايلد( (Irvin Child) بفضل دراستهما المقارنة إلى أن هدف التنشئة الاجتماعية هو الحفاظ على الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة([62]), ويمكن القول إن علماء الإنسان أفادوا الباحثين في التنشئة الاجتماعية السياسية؛ وذلك لإمكانية تطبيق بعض النتائج التي توصلوا إليها والخاصة بالتنشئة الاجتماعية, والانتقال الثقافي, وتطوّر الشخصية على بعض المواضيع الخاصة في التنشئة الاجتماعية السياسية, كما أنهم أفادوا أولئك المراقبين السياسيين المهتمين بالمجتمعات البدائية، بتوفير بيانات لهم تخص تلك المجتمعات، إذ كان هناك نقص في المعلومات عن المجتمعات غير الغربية, فضلا عن ما تقدم ساعد المتخصصون في الدراسات الإنسانية على تحسين أساليب وطرق البحث التي يمكن تطبيقها مباشرة في التحليل السياسي الثقافي المقارن([63]).
2- تأثير علماء النفس (Psychologists): لقد أفادت البحوث التي قام بها عالم النفس المعروف (سيكموند فرويد) (Sigmund Freud), الباحثين في علم الإنسان في مجال دراسة التنشئة الاجتماعية, فقد استفادت الباحثة (ماركريت ميد) من إشارات ( سيكموند فرويد) في العديد من دراستها([64]). كما أفادت دراسات علم النفس دراسة التنشئة الاجتماعية السياسية في مجالات عدة([65]). يُذكر منها دراسات الشخصية بشكل عام والشخصية السياسية بشكل خاص. فقد ساعدت دراسات الشخصية وسماتها وتأثيرها في التنشئة الاجتماعية السياسية في فهم وتفسير كثير من الاتجاهات والمواقف السياسية للأفراد والجماعات, فالشخصية التسلطية على سبيل المثال قد تكون نتاج لتنشئة في أسرة أو مجتمع تسلطي. بالمقابل فأن الشخص التسلطي قد يقود إلى أعادة أنتاج تنشئة تسلطية إذا ما أتيحت له الفرصة في إدارة أسرة أو أية مؤسسة اجتماعية أخرى أو تولي أي مسؤولية بقدر ما يكون أنموذجاً للتأثير([66]).
3- تطورات القرن العشرين: لقد حدث في العقود الأخيرة من القرن العشرين زيادة هائلة في عدد الدراسات التي تناولت الشخصية بواسطة دراسة العلاقة بين سلوك الوالدين وأبناءهم في العالم المتقدم، واحتلت الدراسات التي تناولت العلاقة بين سلوك الوالدين, وسلوك الأبناء وسماتهم الشخصية مكانة مهمة؛ وذلك نتيجة أسباب عدة تُذكر منها على سبيل المثال تأكيد علماء النفس (الفرويدي) أهمية السنوات الباكرة في حياة الفرد، ودوام خبراتها في شخصيته وسلوكه ومستقبل حياته, ويكمن السبب الآخر في تركيز تلك الدراسات في متغيرات تتعلق بالنمو الجسمي والعقلي (المعرفي)، والانفعالي, والاجتماعي للأبناء وعلاقتها بسلوك الوالدين. والسبب الآخر هو التقدم في ميدان الصحة النفسية، الذي يركز في الاهتمام على معالجة سوء الصحة النفسية عند الفرد دفع إلى مزيد من الاهتمام لدراسة وتشخيص الخبرات السابقة لشخصية الفرد, وتكيفه والأسباب في الميل إلى الجنوح والفصام, وتنوع سلوك العدوان غير اجتماعي عند الفرد([67]). كما استفاد الباحثون في التنشئة الاجتماعية السياسية من مدارس الطب النفسي بفضل تأكيد هذه المدارس على موضوع تطور الشخصية, وكيفية تأثير تجارب الطفولة المبكرة في تكوين الاتجاهات والقيم السياسية([68]), فضلا عن ما تقدم فإن السبب الرابع يكمن في أن معظم المقررات والمتطلبات الجامعية التي تتناول أي مجال للشخصية تتناول العلاقات بين الوالدين والأبناء([69]). ومن أمثلة تلك الدراسات تُذكر على سبيل المثال دراسة (سيموندر، 1939), المبكرة عن دراسة تأثير الوالدين في التنشئة الاجتماعية للأبناء، إذ درس أبعاد السلوك الوالدي (التقبل في مقابل الرفض، والسيطرة في مقابل الخضوع)([70]). وقد ظهرت المحاولات الجادة والمباشرة لدراسة التنشئة الاجتماعية السياسية في نهاية الخمسينات مع صدور كتاب (هربرت هايمن)، الموسوم ب "التنشئة الاجتماعية السياسية"([71]), في العام 1959([72]), ثم ظهرت دراسة (فْريّد كريينستين), والدراسة المشتركة التي قام بها كل من (روبرت هيس وديفيد استن)([73]), في العام 1960, وتناولت تطور التوجهات السياسية لدى الأطفال الأمريكيين([74]). كما استعملت دراسات تحليل النظم السياسية التنشئة الاجتماعية السياسية كأداة لفهم النظم السياسية من حيث عملياتها الأساسية, وعوامل استقرارها وأسباب تغيرها([75]), ومن بين أهم الدراسات التجريبية التي أجريت في مجال التنشئة الاجتماعية السياسية تُذكر دراسة (كابريل الموند) و (سدني فيربا) (Sidney Verba) التي جرت في خمسة بلدان, ولمدة نحو ستة سنوات([76]), وحاول بعض علماء السياسة الأمريكان أمثال (شارلز ميريام) (Charles Merriam) التعرف إلى كيفية حدوث عمليات التنشئة الاجتماعية السياسية في العديد من الدول الأوربية خلال القرن العشرين، وذلك بفضل قيامه بتحليل هذه العملية في كل من ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة([77]). وبعد ذلك استعمل مصطلح التنشئة الاجتماعية السياسية على نطاق واسع من قبل طلاب العلوم السياسية([78]), وعلى صعيد الدول العربية، تُعد دارسة (محمد عماد الدين إسماعيل وزملاءه)، في العام 1967, من أولى الدراسات العربية التي اهتمت بدراسة الاتجاهات الوالدية في التنشئة الاجتماعية، وعلاقتها بالمستويات الاجتماعية الاقتصادية المختلفة. وتوصلت الدراسة إلى وجود اتجاهات والدية لا سوية كالتسلط والحماية الزائدة، ووجود اتجاهات سوية كالأسلوب الديمقراطي([79]), وقام (فيصل السالم) بدراسة ميدانية عن التنشئة الاجتماعية السياسية في بعض دول الخليج العربية في العام 1980, تحمل عنوان "أساسيات التنشئة السياسية الاجتماعية: مع دراسة ميدانية في بعض دول الخليج العربي", كما قام (توفيق فرح) (Tawfic E. Farah) و (ياسوماسا كِِرودا) (Yasumasa Kuroda) في العام 1987, بجمع وتحرير كتاب "التنشئة الاجتماعية السياسية في الدول العربية", الذي تضمن بعض الدراسات في مجال التنشئة الاجتماعية السياسية من بينها دراسة (توفيق فرح) التي أجراها في الكويت([80]). وعلى صعيد الإسهامات العراقية، كان أول من قام بتعريب وتعريف مصطلح (Political Socialization) التعريب والتعريف الصحيحيين في الدول العربية، هو صادق الأسود([81]), ودرس (حسان محمد شفيق العاني) دور التنشئة الاجتماعية السياسية في المحافظة على بقاء النظم السياسية, وتحقيق الاستقرار السياسي، والنظريات المتعلقة بها، كما عرج على التطبيق الفرنسي للأنموذج الأمريكي في التنشئة([82]).
يتضح مما تقدم بأن جهود عدة أجنبية وعربية وعراقية قام بها علماء وأساتذة متخصصون أسهمت في تطور دارسة التنشئة الاجتماعية السياسية.

