كتاب " التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين " ، تأليف د. رعد حافظ سالم الزبيدي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

التنشئة الاجتماعية السياسية في مجتمعات الخليج العربية-دراسة أنموذجي الكويت والبحرين
المطلب الأول : اهتمامات ووظائف التنشئة الاجتماعية السياسية
تكمن أهمية التنشئة الاجتماعية السياسية باهتماماتها فضلاً عن الوظائف التي تقوم بها لهذا ينصرف هذا المطلب إلى دراسة اهتمامات التنشئة الاجتماعية السياسية أولا، ثم دراسة وظائف التنشئة الاجتماعية السياسية ثانيا.
أولا: اهتمامات التنشئة الاجتماعية السياسية: تهتم التنشئة الاجتماعية السياسية في البحث في مشروعية الأنظمة السياسية، ودور الرموز الدينية أو التاريخية أو الثورية في حياة المجتمعات وتكون نظمها السياسية, وتهتم بالخلفية الاجتماعية للسلوك الانتخابي للأفراد, وانتماءاتهم الحزبية، والأسباب الاجتماعية للثورات والقلاقل والانقلابات، وللتطرف الديني وتوزيع المهمات السياسية على الأفراد وتطوير خبراتهم ومهاراتهم على صعيد الحياة السياسية([84]). كما تهتم التنشئة الاجتماعية السياسية بقضية بناء الأمة([85]), واستقرار الدول واستمراره من عدمه([86]). فضلا عن ما تقدم تهتم التنشئة الاجتماعية السياسية بالمقارنة بين النظم السياسية بواسطة البحث عن الأسباب الاجتماعية للتعددية الإيديولوجية والسياسية، وآثار التغير الاجتماعي في النظم السياسية([87]).
ثانيا: أهداف التنشئة الاجتماعية السياسية: يهدف كل مجتمع بواسطة التنشئة الاجتماعية السياسية إلى تحقيق أهداف معينة, فأي مجتمع ينبغي أن يكون لديه تصور ما لنوع الشخص الذي يرمي إلى تخريجه قبل تكوين رأي واضح عن التنشئة الاجتماعية السياسية التي يعتقد أنها أفضل من غيرها, فالتنشئة الصينية كما يقول (راسل) "أنتجت الاستقرار والفن، وجعلت اليابان ترفع شعار التفوق الوطني الهدف الأسمى للتنشئة في حين حققت التنشئة الأمريكية هدفا آخر هو تحويل مجموعة من البشر المتباينة إلى أمة متجانسة. فالتنشئة هي وسيلة لتحقيق أهداف يرسمها المجتمع, وتعكس قيمه وتطلعاته ومشروعه الحضاري"([88]). وفيما يلي دراسة لأهداف التنشئة الاجتماعية السياسية بشكل عام، والتي تشترك فيها معظم الشعوب، وأهداف التنشئة الاجتماعية السياسية في الإسلام والدول العربية. وفيما يتعلق بالأهداف الأساسية للتنشئة الاجتماعية السياسية التي تكاد تتفق عليها معظم هيئات التنشئة الاجتماعية السياسية في المجتمعات المعاصرة، فأن التنشئة تهدف إلى إتاحة الفرصة للطفل للنمو والارتقاء نموا تلقائياً سوياً تاماً ومتوازناً وشاملاً في نموه التكويني، وفي مظهره العام الخارجي والداخلي، وعقلياً وانفعالياً وجسمياً واجتماعياً. على ان يتم ذلك وفق قوانين النمو وحقائقه ومراحله؛ وذلك بتهيأة الأوضاع والأسباب اللازمة لهذا النمو كافة دونما ضغط خارجي أو تدخل استباقي للأمور قد يعطل هذا النمو, وعليه: "فالطفل الذي تدفعه إلى تعلم القراءة قبل الأوان، والذي يتعثر في القراءة يتكون لديه في الغالب شعور بعدم الثقة في النفس، وبأنه شخص فاشل، لأنه يحس بأنه لا يستطيع أن يفعل ما يريد له الكبار من حوله. وكذلك فأن "الطفل يولد بدافع طبيعي داخلي يدفعه للنمو والتقدم بأسرع ما يمكنه، فإذا أدركنا ان الطفل هو دلالة نفسه، وإذا لم نطلب منه أكثر مما تحتمل طبيعته بحيث لا نعطل تعلمه، فانه يتقدم في قوة في سهولة ويسر، فإذا ما تهيأ الطفل ونضج قبل كل خطوة، فسيتقدم بنفسه لتحقيق ما بعدها من خطوات"([89]).
يمكن القول إذن أن الهدف هو تنشئة الفرد على الاستقلال الذاتي والاعتماد على النفس, والاستقلال يجب ان يكون شخصياً واجتماعياً ونفسياً بغرس مفهوم المسؤولية والواجب في سلوك الفرد وتصرفاته. فالتدريب على الاستقلال يبدأ منذ الطفولة ويسير في شتى مراحل النمو([90]). كما تهدف التنشئة الاجتماعية السياسية إلى مساعدة الطفل على إشباع حاجاته الأساسية إشباعاً كافياً، قدر الإمكان في إطار من الأمن والحب والعطف والتقبل لإكسابه القدرة على التكيف والتوافق النفسي والاجتماعي([91]). فضلا عن ما تقدم تسعى التنشئة الاجتماعية السياسية إلى التكوين الاجتماعي لشخصية الطفل، وتطويعه في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه([92]). ويتم التكوين الاجتماعي عن طريق تنشئة الفرد على القيم الروحية والوجدانية والخلقية من أجل غرس الضوابط المانعة للسلوك والاتجاهات المادية لتقيم نوع من التوازن بين الدوافع الغريزية الفطرية والرغبات والدوافع الاجتماعية المكتسبة في شخصية الفرد([93]). ومن هذه القيم على سبيل المثال الصدق والأمانة والكرامة والتعاون والإيثار وحب الآخرين([94]), وعليه فأن "عملية التنشئة الاجتماعية للطفل تهدف إلى إكساب الطفل اللغة الإنسانية, وجعله آدميا؛ وإكسابه صفة الإنسانية بتطويعه في القالب الاجتماعي بتكييف الطفل لبيئته الاجتماعية وتكوينه على صورة مجتمعه، وصياغته في القالب الذي يرتضيه المجتمع؛ وذلك من أجل أن يتعلم الطفل الامتثال لمطالب المجتمع, والاندماج في ثقافته, والخضوع لالتزاماته مع الاحتفاظ بقدر من الاستقلال بشخصيته لتحقيق ذاته بنجاح, فالهدف هو إكساب الفرد القدرة على التعاون والانضباط والتنظيم المستمر, والقدرة على التكيف النفسي والاجتماعي([95]), أي ضبط سلوك الفرد، وكفه عن الأعمال التي لا يقبلها المجتمع, وتشجيعه على ما يرضاه منها حتى يكون متكيفا ومتوافقا مع نفسه ومجتمعه([96]), ويعدّ حسن التكيف والتآلف مع الآخرين مؤشر أو معيار لنمو الصحة النفسية عند الأفراد، ومن مظاهر التآلف والتكيف الاجتماعي المصادقة, وحب تكوين الصداقات، وتنمية الذات الاجتماعية كبديل للذات الانفرادية والإذعان لقوانين المجتمع وتقاليده بقبول ورضاء"([97]). إن فشل الفرد في التكيّف والتآلف مع الآخرين؛ إنما سببه فشل أو قصور في التنشئة الاجتماعية السياسية([98]). كما أن فشل التنشئة الاجتماعية السياسية في إدخال الطفل في الإطار الثقافي, وإكسابه ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه يعمل على عدم الحفاظ على التركيب الاجتماعي وتأييده([99]), وقد يؤدي كل ذلك إلى تهديد استقرار المجتمع وبقاءه([100]).
وأخيرا فإن المجتمعات تسعى من بين ما ترمي إليه من وراء عملية التنشئة الاجتماعية السياسية إلى تحقيق هدفين متكاملين هما: المحافظة على البقاء والاستمرارية، وتماسك المجتمع وتوازنه في بيئة مشحونة بالتغيرات المتواصلة والمستجدات المتلاحقة, ولا يتحقق هدف المحافظة على البقاء وهدف الاستمرارية إلا بالمحافظة على عادات ومعايير السلوك وضوابطه فيه وقيمه ومعتقداته, ولا يتحقق تماسك المجتمع وتوازنه إلا عندما يكون هناك قاسم مشترك من الاتفاق على تلك العادات والتقاليد والمعايير والقيّم, وتحقيق هذان الهدفان لا يتم إلا بفضل التنشئة الاجتماعية السياسية([101]).
يتضح مما تقدم بأن التنشئة الاجتماعية السياسية تهتم بمواضيع اجتماعية وسياسية عدة ومهمة للغاية كونها ذات صلة وثيقة بتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي, كما تقوم التنشئة الاجتماعية السياسية في الواقع بوظائف ذات أهمية جوهرية في أعداد وتنشئة الأفراد والجماعات, وبما يخدم المجتمع والدولة في مكان ما من العالم, ويحقق لهما الاستقرار والاستمرارية.

