أنت هنا

قراءة كتاب السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 )

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 )

السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 )

كتاب " السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 ) " ، تأليف د. احمد نوري النعيمي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

المبحث الثاني: الطابع القومي في إيران

يتكون المجتمع الإيراني من قوميات وأديان عديدة ، وفي الواقع لاتوجد إحصاءات رسمية لنسب هؤلاء ، ومع ذلك يمكننا ان نقدم نسباً تقديرية ([10] لهذا التكوين ، حيث يبلغ عدد الفرس 08. ,36 مليون نسمة (51 بالمائة والاذري97. 16 مليـون نسمة (24 بالمائة([11] ، والتـركمان 7.07. مليون نسمة ، والأكراد 4.95 مليـون نسمة ، (7 بالمائة ، والعرب 2.83. مليون نسمة (4 بالمائة ، والبلوش والجنسيات الاخرى 2.8. مليون نسمة (4بالمائة([12] .

يمثل المسلمون 8 و 98 %من السكان في إيران 91 % من الشيعة 8 و 7 % من أهل السنة . والمسيحيون يمثلون7 و 0 %واليهود 03 و% والزراداشتين 1 و 0 % ، ويمثل أتباع سائر الأديان الأخرى 1 و0 % ([13] .

وهذا يعني ، ان إيران تفتقد إلى مصدر الدولة القومية ، بسبب هذا الاختلاف السكاني الذي يحوى على عناصر قومية متعددة ، ولا تشكل اية واحدة منها سمة الدولة القومية ، وعليه يعد الإسلام العنصر الرئيس في توحيد هؤلاء ،حيث يشكل المسلون نسبة 98% من مجموع السكان([14].

تمتلك إيران مخزونا نفطيا غنيا ، وتعد ثاني اكبر احتياطي دولة في العالم في مجال الغاز الطبيعي حيث يبلغ23.00 تريليون متر مكعب في نهاية كل سنة ( [15] وهي الثانية من حيث الحجم بعد احتياطات روسيا الإتحادية ، وتمتلك إيران بشكل واضح إمكانية هائلة كلاعب رئيس في مجال الغاز الطبيعي . تبلغ الإحتياطات في حقل الغاز الهائل في بارس في الخليج ، إحدى اعظم الجواهر في تاج الطاقة الإيراني ، والذي يعد إمتدادا لحقل الشمال القطري ، مابين 280 – 500 تريليون متر مكعب ([16] . والحق فان إيران بحاجة لمصادر الطاقة هذه ومن خلال التعاون مع الدول الساحلية لبحر قزوين([17] .

فضلا عن ذلك فأن لإيران 9 % من الإحتياطات النفطية المثبتة . وعليه نرى بان اقتصاد إيران يعتمد بشكل كبير على الدخل النفطي الذي يشكل على وجه التقريب 80% من الصادرات اي 40% الى 50% من ميزانية الحكومة ، وهذا يعني ان 1. % -2. % لـ G D P اساسه نفطي . الحصة الكبيرة من إحتياجات النفط تقع في الأقاليم الجنوبية لخوزستان والحقول النفطية الساحلية ([1]. مما يعني أنه لا يوجد ما يفوقها سوى احتياطات المملكة العربية السعودية ، التي تبلغ احتياطاتها نحو 260 مليار برميل ، وكندا التي تبلغ احتياطاتها 170 مليار برميل ، وربما العراق الذي يعتقد أن احتياطاته تبلغ 115 مليار برميل . والأهم من ذلك أن احتياطات إيران التي لم يتم اكتشافها بعد ، مثل تلك الموجودة في العديد من البلاد الأخرى ، ربما تكون أكبر ، حيث يشير معظم الخبراء إلى وجود احتياطات غير مكتشفة وخصوصا في بحر قزوين ([18] .

تقدر الإحتياجات النفطية لإيران في منطقة بحر القزوين بـ 15 مليار برميل من النفط و 11 تريليون متر مكعب من الغاز . وهنا لابد من الإشارة من أن إيران لا تنتج في الوقت الحاضر النفط والغاز في منطقة قزوين . اذا اخذنا بنظر الإعتبار الحجم المعد لإحتياجات إيران في منطقة قزوين ، فان حجم الانتاج للحقول الجنوبية لايران يبقى ذا اعتبار اكبر بناء على ذلك ، وليس مثل بقية الدول الساحلية الاخرى ، فان إيران لا تعتمد على احتياجاتها النفطية في بحر قزوين ، انها تعتمد بصورة اقتصادية على بحر قزوين من أوجه أخرى ([2].. ففي إيران ، تكون العائدات الداخلية من صناعة النفط غير كافية بشكل واضح لتلبية متطلباتها الإستثمارية . وبموجب ما قاله شخصية إيرانية عليا في وزارة النفط الإيرانية : " في كل الأحوال ، لا نملك سوى خيار اللجوء إلى الأسواق الدولية والمستثمرين الأجانب كانت لنا مداخيل من النفط ولكننا لم نستخدمها للنفط . فقد استخدمناها في قطاعات أخرى لا تجتذب الإستثمار الأجنبي المباشر . يجب علينا استخدام الإيرادات النفطية في هذه الحالة " ([19] .

ولكن إيران تجد صعوبة في تلبية حاجاتها الرئيسة للإستثمار في النفط والغاز والتي قدرها مسؤول كبير في وزارة النفط بما بين 3 و6 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي للبلد . قال مسؤول وزاري في مجال التخطيط إن الإفتقار إلى دعم الميزانية هو العائق الوحيد أمام قيام وزارة النفط الإيرانية بتوسيع خططها . واعتمدت شركة النفط الوطنية الإيرانية بشكل متزايد على مصادر رأس المال الدولي كالإستثمارات الأجنبية الناجمة عن برامج إعادة شراء ما تم بيعه مثلا ، أو على المصارف الأوربية واليابانية ووكالات منح القروض للتصدير . كما شرح مستشار أعلى في وزارة النفط : " لا يمكنني إجتذاب رأس المال لرفع الطاقة الإنتاجية وتعويض الإنخفاض ، لذا ألجأ إلى الإقتراض ، وأستمر بالإقتراض . لكن هذا الأمر غير كاف . إنه غير كاف لتحسين وضع إيران فيما يخص إحتياطاتها وبالمنزلة التي يفترض بنا التمتع بها " ([20] .

تواجه إيران عقبات سياسية تحول دون حصولها على رأس المال . كان هناك دور رئيس لجماعات الضغط الأمريكية في إرجاء مشاركة كونسورتيوم ياباني لتطوير حقل نفط أزاديجان الضخم والذي تبلغ طاقته الإنتاجية مابين 3 و 6 مليار برميل ، وفي العام 2004 ، حذر وزير الطاقة الأمريكي السابق سبنسر أبراهام المستثمرين الأوربيين من الإستثمار في إيران . ومع ذلك ، فقد واصلوا استثمارهم ، تشرك سلطات النفط الإيرانية المستثمرين الأجانب ( غير الأمريكيين في إرساء الإستقرار في البلد كونهم مالكي أسهم ، وذلك من خلال التفاوض حول عقود جديدة لتطوير النفط والغاز لقد ضغطت هذه السلطات بشكل ملحوظ على الشركاء الرئيسين وهم توتال ، وبريتيش بتروليوم وشل ، والشركة الإيطالية ENI للتوقيع على عقود تشمل عمليات تطوير جديدة . قد يكون سيف واشنطن المشهر لصالح شركات النفط الدولية تلك التي يمكنها الإفادة من شروط مالية مريحة تقدمها الحكومة الإيرانية المتلهفة لحملها على توقيع العقود ([21] .

لا يتوافر رأس المال الجديد ببساطة وسهولة . لقد ناقش مستشار وزاري الأمر قائلا إن تسهيل الإستثمار في صناعة النفط والغاز في إيران هو من مسؤولية البلدان المستهلكة إذا رغبت في أن يقوم البلد بتزويد العالم بمزيد من الطاقة . يمكنها المساعدة من خلال إقناع الولايات المتحدة برفع عقوباتها ، وتخفيض حدة المواجهة السياسية المحفوفة بالمخاطر ، وتشجيع الشركات الأجنبية على الإستثمار في إيران . وعرض بوضوح لمشكلة البلد : " في ظل العقوبات ، لا يمكن لإيران تطوير إمكانات قطاع الهيدروكربون ، وأن عجزها عن تزويد العالم بالطاقة الذي هو بحاجة ماسة إليها قد يؤدي إلى قيام الدول المستهلكة الأقوى بإجتياحه لتطوير إحتياطاته الضخمة " ([22] .

في عام 2005 جنت الحكومة الإيرانية 6. 44 بليون دولار من صادرات النفط وأنفقت 25 بليونا على الإعانات – للإسكان والوظائف والغذاء ودعم البنزين – وذلك لإسكات مجموعات الضغط . لذلك إذا هبطت أسعار النفط هبوطا حادا مرة ثانية فستضطر إيران أن تحرم كثيرا من الإيرانيين من مزايا عديدة . وذلك بسبب مشكلة البطالة ، فإن ذلك يمكن أن يثير كل أنواع المشاكل ، ويؤدي كما يقول توماس فريدمان " إلى قيام غورباتشيف إيراني ( [23] .

إلى جانب هذا فأن إيران تمتلك طبقة متوسطة متعلمة ، ونظاماً سياسيا قائما على المؤسسات الدينية ([1].

وهنا لابد الإشارة ،انه بعد ان استقلت الجموريات الإسلامية في آسيا الوسطى من الإتحاد السوفيتي، منحت لإيران فرصة القيام بدور اقليمي جديد مستغلة مكانتها الخاصة التي تميزت في آسيا الوسطى لإعتبارات تاريخية ، فضلا عن العوامل الضاغطة للسياسة الجغرافية الإيرانية وذلك لانها حلقة الوصل بين الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا ووسطها ([2]..

فيما يخص أهل بلاد الفارس من الناحية السكانية ، كانوا اصلاً من أهل السنة ، ([24] بدليل انه عند تتويج اسماعيل الصفوي فيها (1501-1524 ، كان تعداد مدينة تبريز 30. الف شخص ، وكان عدد : أهل الشيعة ما يقارب عشرين الف نسمة ([1].

كان الفرس قبل ظهور الصفويين من أهل السنة والجماعة في الغالب ([25] فالحركة العباسية نشأت بين الفرس وتنامت تحت رعايتهم . وكان جل فقهاء أهل السنة وأئمة الحديث من الفرس في تلك الحقبة الزمنية . ولو حاولنا الرجوع إلى تراجم المحدثين وافقهاء الأولين لوجدنا فيها أسماء النيسابوري والبخاري والترمذي والرازي والطبري والغزالي والخراساني والشهرستاني والكيلاني والاسترابادي والجرجاني والامدي والاصفهاني والتستري ... وغيرهم من المنتسبين لبلاد الفارس المختلفة ( [26] .

ظل الفرس على مذهب أهل السنة حتى ظهر الصفويون ، اتخذوا الوسائل كافة لإكراه الفرس على دخول مذهب التشيع ، ولجأوا إلى الإضطهاد والقتل والتعذيب في هذا السبيل ، وكان شعارهم في ذلك " ياعلي " ([27] .

عندما دخل إسماعيل الصفوي تبريز ، وأراد فرض التشيع على اهلها بالقوة قام مجموعة من مستشاريه بتقديم النصح له بسبب ان ثلثي سكانها من السنة ، فكان رده عليهم : ((أنا والأئمة المعصومين معي ، واني لا اخاف ابدا ، فاذا وجدت من الناس كلمة اعتراض شهرت سيفي بعون الله فيهم فلا ابقي على احد منهم حيا ([28]

وبعد ذلك النجاح الذي حققه إسماعيل في تبريز ، أمر بأن تقرأ الخطبة بإسم الإثني عشر إماما ، وبعد ذلك جعلها تقرأ بإسمه( [29] . وبهذه الصورة تأسست الدولة الصفوية ذات المذهب الشيعي في عام 1501 م ( [30]

اعتمد اسماعيل الصفوي في نشر عقيدة الامامية على نصر الله الزيتوني ، وعد المجلد الاول من قواعد الاحكام لإبن المطهر الحلي الاساس للتعليم ، وعمله هذا ادى الى اغراء كثير من علماء الامامية من جبل عامل بالهجرة الى إيران لبناء دولة جديدة فيها وحسب معتقداته الجديدة([31] .

وهنا الابد من الإشارة الى أن المذهب الشافعي كان هو السائد في بلاد فارس الى أيام إسماعيل الصفوي([32] ، وهذا على عكس ما ذهب اليه شاه إيران السابق الذي جاء في مذكراته : ((منذ عام 625 بعد المسيح ، خضعت إيران للعرب ، وبقيت بلادنا بضعة قرون تحت حكم الخليفة في بغداد ، وكما حدث في اليونان ، فان الإيرانيين الذين انهزموا مالبثوا ان اصبحوا منتصرين وقد اثبتوا أصالتهم واستقلالهم برفضهم السماح للمذهب السني بالتسلل الى عقيدتهم الأساسية الشيعية ، وبالتالي فانهم كانوا يرفضون الخضوع الى سلطة الخليفة في بغداد من الناحية الروحية على الاقل ، فقد كان العامل الحاسم في عودة استقلالنا هو الانتصار الذي حققه ابو مسلم الخراساني الذي عاش بين 754-75 وبفضل القوات المؤلفة من اكثرية فارسية ثم تحرير خراسان ([33] .

إن تحويل إيران إلى المذهب الامامي من وجهات نظر الرأي الاول قد ادى الى سخط كبير في نفوس قادة الدولة العثمانية في القسطنطينية ، فبعد مرور مائتي سنة من حكم الصفويين بلاد فارس ، تكون قوتهم قد استهكلت ، الامر الذي دفع العثمانيين الى ابرام معاهدة مع قيصر روسيا من اجل تقسيم مناطق واسعة من ايران بين العثمانيين والقياصرة ، ومن ناحية اخرى ، قام العثمانيون بتجهيز جيش قوي للوصول الى غرب إيران ([34] ويضيف هذا الرأي قائلاً : - إن الشاه نادر ( [35] الذي كان يحكم إيران في هذه الحقبة لم يستطيع تغيير معتقدات اهل السنة وذلك لسببين هما([36]:-

1- اعتقادا من نادر شاه ، انه بإمكانه تخفيف التوتر بين ايران والدولة العثمانية من خلال الحد من التناقضات مع اهل السنة([37].

2- لم يستطيع نادر شاه اجبار اهل السنة على طاعته من خلال الزعم بانه هو الاخر ينتسب الى ال البيت([38] ، فهي لم تصدق هذا الا بالنسبة للعائلة الصفوية.

ومنذ ذلك الحين صار ملوك ايران لا يستطيعون الزعم بالنسب الاسلامي الشريف.

وهنا ، ونحن بصدد الحكم الصفوي ،لابد ان نسجل بعض الملاحظات ،حول تطور المذهب الأثني عشري من بينها : أن الروحانية الشيعية تحولت بعد الصفويين إلى مؤسسة اجتماعية أي اصبحت بعد ان اكتسبت الصفة الرسمية مؤسسة مشخصة في عملها ووظيفتها الاجتماعية ،وصار لها بنية مالية واقتصادية ثابتة([39].

واذا كان تعيين واصدار احكام المناصب الرسمية لعلماء الدين من صلاحية السلطان صار علماء الدين في سلطتهم وصلاحيتهم ياتون بعد الملك مباشرة ضمن سلسلة المراتب الإجتماعية ، الا انهم في القضايا الشرعية ، كان لهم صلاحيات مطلقة([40].

اما فيما يخص الأوقاف ، والتي كانت بيد العلماء بدأ بالتوسع شيئا فشيئأ ثم ترسخت اركان هذه المؤسسة في القرون الاخيرة من خلال استيفاء الزكاة والخمس والقيمة العالية لمرجعية التقليد . ويوماً بعد يوم ترسخ موقع التيار الموازي للسلطنة من خلال العلاقة المعنوية بين علماء الدين والرأي العام ، حتى اذا سقطت الملكية الصفوية لم تغادر الروحانية الشيعية الميدان ،بل أصبحت اقوى من السابق وعندما بدا عصر الملكية القاجارية والتي لا تمثل من حيث الوجاهة عند اهل الشيعة الحكم الصفوي ، فان الروحانية في ظل غياب المدنية الجديدة كانت الاهم في الساحة في تقرير المصير الاجتماعي للراي العام([41] .

وعلى الرغم من إستمرار التأييد من لدن علماء الدين للسلطة السياسية في العهد الصفوي كانت هناك معارضة كبيرة ، حيث رفض بعض العلماء ارتكازا الى اصل الاعتقاد بالإمامة وولاية العصمة ، رفض حق التعاون مع الملوك الصفويين وادانة المتعاونين معهم .وعلى هذا الاساس فقد دار جدل كبير حول موضوعات فقهية كانت لها مساس بشكل او باخر بالسلطة مثل اخذ الخراج واقامة صلاة الجمعة وغيرها .وقد طرح ايضا في هذه الحقبة موضوع ولاية الفقيه في عصر الغيبة وصار محورا للبحث في القرنين الاخيرين ، اذ طرح هذا الموضوع في بداية العصر الصفوي بوضوح وعناية كبيرين ثم تبلور اكثر واصبح أثرا مستقلا في بداية العصر القاجاري على يد احمد النراقي ، وبعد قرنين تشكلت صورة اخرى لهذه النظرية على يد آية الله الخميني بعد ثورة شباط 1979([1].

ان طرح هذا الموضوع في العصر الصفوي ،أريد منه كيفية تبرير التعاون مع الملكية الصفوية من خلال إسناد التشيع الى السلطة ، وبتعبير أدق ،اختفاء صفة الشرعية على سلطة ملوك هذا العهد ،بعد ان بقي المتصدي للقضايا والإشراف عليها هم علماء الدين ([2].

الصفحات