أنت هنا

قراءة كتاب السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 )

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 )

السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 )

كتاب " السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 ) " ، تأليف د. احمد نوري النعيمي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

وبشدة بختيار وقادة الجيش مستغلا من تاييد آية الله خميني له ، وفي صباح 11 شباط 1979 صمم قادة الجيش على الإطاحة بحكم بختيار ، مما دفع الأخير الفرار من البلاد([125] وتشكيل حكومة بارزكان([126]. حيث قام آية الله الخميني بتكليفه على ذلك في 5 تشرين الأول 1979 ([127] .

بدات المشكلات بين بازركان والمؤسسة الدينية بعد أشهر قليلة من توليه رئاسة الوزراء وذلك بسبب ازدواجية السلطة ، وهيمنة اية الله الخميني ومجلس الشورى الإسلامي عليه وعلى وزارته، ومقولة بازركان واضحة في هذا المجال (( لقد اعطوني سكينا بلا نصل ، بينما وضع النصل في ايدي الاخرين([128] .

وصل الخلاف بين بازركان وآية الله الخميني الى مرحلة متقدمة حول امور كثيرة منها فضيحة رهائن السفارة الأمريكية في طهران ، والاستفتاء على تسمية ((جمهورية إيران الإسلامية ،والإستفتاء على الدستور ، واستقلالية المؤسسة القضائية([129] وشكواه من تجاوزات اللجان الثورية ، ومعارضته ضد التعيينات التي تقوم بها المؤسسة الدينية([130] ، الأمر الذي دفع بازركان ان يقدم إستقالته. حيث جاء في نص كتاب إستقالة بازركان على مايلي : " أطلب من الشعب الإيراني أن يعذرنا ويغفر لنا خطايانا ، وأني سعيد جذا لأنني قمت خلال تسعة أشهر بخدمة الشعب الإيراني الذي كانت حكومتي دائما موضع ثقته وثقة الإمام ، الذي كلفني المهام الآتية : إدارة البلاد في المرحلة الإنتقالية ، وإجراء الإستفتاء العام حول الجمهورية ، ووضع الدستور الإيراني ، وقيام المجلس التأسيسي، وإنتخاب البرلمان إستقلت من منصبي لأنني وجدت جميع الأبواب موصدة في وجهي وجاءت إستقالتي على أثر إستقالة زملائي المتتالية .. " ([131] .

يمكننا القول في هذا المجال ، أن حكومة مهدي بازركان ، لم تكن إلا واجهة رسمية ، ربما اختيرت كحل توفيقي يرضي الأطراف المتصارعة ، الى حين حسم الامور على نحو اوضح([132].

وهناك عوامل ادت الى نجاح الثورة الإيرانية يمكننا ايجازها في الاتي :-

1- قوة المراجع الدينية في إيران ،اذ أن علماء الدين عدّو انفسهم الاوصياء والورثة الشرعيون لال البيت حتى عودة الإمام الغائب .وبموجب ذلك فانهم عدّو الحكام في إيران غير شرعيين لانهم ليسوا ورثة ال البيت ، اثر على موقفهم هذا ، وفي حال ظهور أي انحراف او فساد عندهم ، يكفي ان يقوم الفقيه باصدار فتوى لعزلهم .

2- الإستقلال المالي عن السلطة ، فقد كانت في معيتهم ثروة وقفية عقارية وزراعية ضخمة ،فضلا عن السيولة النقدية ، التي توفرت لهم نصيب من الخمس([133] او قانون 20% وهي ضربية يؤديها الشيعة عن خمس ارباحهم الصافية السنوية وكذلك من نصاب الزكاة الذي يؤديه السواء الاعظم من الناس الى المراجع الدينية ، كان هناك ما يصل عدده إلى سبعة أنواع اخرى من الموضوعات الدينية التي يقدمها الشيعة الى المجتهدين وسدنة الأضرحة ، ويمكننا تقسيم الموضوعات بصورة تقريبية الى ثلاث فئات([134] :-

1- الفئة الاولى تشتمل على نوعين من المبالغ الخيرية التي كانت فرضا على كل المؤمنين منها ((سهم الإمام وهو نصف خمس صافي دخل المؤمن المتحقق في الازمنة الحديثة من العقود التجارية وكان النوع الثاني وهو (( رد المظالم مبلغا يحوله الشيعة الى مجتهديهم تكفيرا عن منكر ارتكبوه ،وكانت هذا يشتمل على قبول وظيفة حكومية ،الأمر الذي كان لاشرعيا عند الشيعي المتزمت .

2- وكانت الفئة الثانية من المدفوعات تضم ثلاثة أنواع ترسل هي ايضا مباشرة الى المجتهدين وكان النوع الاول وهو حق الوصية يتمثل بدفع ثلث الاملاك الموروثة من المؤمنين الشيعة المتوفين وكان في العادة يخصص لغرض محدد ويقوم المجتهد بدون الناظر . وكان النوع الثاني وهو(( الصوم والصلاة مبلغا يدفعه المؤمنون الشيعة الى المجتهدين ينتظرهم ان يرتبوا مع طرف ثالث تلاوة الصوم والصلاة نيابة عن ذوي المؤمنين المتوفين لمدد تتفاوت حسب المبلغ المدفوع . وكان المبلغ السنوي الذي كان يدفعه الشيعة في اوائل القرن الماضي عن هذه الخدمات قابلا للتفاوض ويتراوح بين ثلاث وست ليرات تركية أو أربعة ريالات مجدية او ثلاثة الى أربعة تومانات . وكان النوع الثالث من الهبات الخيرية الطوعية مالا ينذر إلى المجتهدين الكبار مقابل الشفاء من مرض او النجاة من خطرها . وكان هناك ضمن الفئة نوعان من التبرعات التي عادت ترفع مباشرة الى سدنة الاضرحة كان الأول هبة خيرية تخصص لتوزيع الماء على الفقراء في النجف ، وذكر في عام 1918 ان قيمتها السنوية تبلغ زهاء 6... جنيه إسترليني ورغم ان هذه الهبة الخيرية لم تكن فرضا على المؤمنين الشيعة فقد كانت مستحبة الى حد بعيد ، لأن الهدف منها هو الحفظ على ذكر معاناة الإمام الحسين(رض بسبب العطش خلال الايام التي سبقت استشهاده مباشرة وكان النوع الثاني من هذه الهبات مالا يخصص لإنارة أضرحة الأئمة والعناية بقبور المؤمنين الأثرياء المدفونين في الاماكن المقدسة ناهيك عن التبرعات التي تنهال على العتبات المقدسة والأضرحة الدينية . وقد اصبحت هذه المصادر في معية هؤلاء ، حيث قاموا ببناء المياتم ومدارس الفقه والمستشفيات والحسينيات من دون الاعتماد على السلطة . وتجدر الإشارة في هذا المجال ،ان كثيراً من هؤلاء يقومون في ايداع أموالهم لدى كبار علماء الدين في مناطقهم من دون التعامل مع البنوك ،وقد ادى هذا في نهاية الأمر الى ثراء المؤسسة الدينية([1].

3- والمصدر الثالث من مصادر قوته هو الإجتهاد الذي ظل مسموحا به ومقاما لكل من اكتملت فيه الشروط من تضلع فقهي وقدرة عقلية ، الامر الذي ادى ان يستخدمه المرجع الديني في مواجهة أي مشكلة طارئة او مسالة جديدة بفتوى يمكن استخدامه كأداة نشطة ،مما يدفع الحكام المثول لارادة العالم الديني كي لا يخسر سلطته .

4- عمل علماء الدين من خارج إيران ، حيث أنهم عملوا في النجف ، وقد ابعدهم هذا من تتبع حكام إيران لهم ، وقد جعلهم هذا اكثر قدرة في الحركة .

5- مشاركة الطبقة البرجوازية الوطنية بالثورة خصوصا تجار البازار في طهران واذا كانت ثورة 1906 من عمل البازار في طهران ، فان ثورة عام 1979 كان للبازار دور رئيس اسهم في سقوط الشاه ومن خلال اسهامهم في تمويل الثورة ([1] بسبب ان البازار(2 لا يزال يعد المركز التجاري في طهران يضم في صفه ما يقارب 50 الف محل يعمل ما يقارب 200 الف شخص ويرتاده يوميا ما يقارب من نصف مليون شخص ، وتعقد فيه صفقات تجارية تبلغ بضعة مليارات من الريالات كل يوم وقد تبرع هؤلاء في النصف الثاني من عام 1978 بمبالغ طائلة للمراجع العليا والتي ساعدتهم على قيام الثورة ([135].

تحالفت نخبة التجار ( البازار مع الجناح التقليدي من التيار المحافظ ممثلا في جمعية روحانيت مبارز . وقد سيطر البازار على معظم المؤسسات التي صادرتها الثورة ، وقاموا بإنشاء مؤسسات إقتصادية وتجارية جديدة تغذت وما تزال تتغذى من إيرادات النفط . ويسسطر البازار حاليا على مؤسسات إقتصادية عملاقة مثل مؤسسة المستضعفين والمعوقين ، فضلا عن المؤسسة الإقتصادية التابعة لضريح الإمام الثامن للشيعة علي الرضا ، ومؤسسة إمداد الإمام التي تعد أحد المصادر المالية الرئيسة للبازار . وعلى ضوء مصالحهم الإقتصادية الواسعة ، تبنى البازار سياسة مرنة في التعاطي مع الخارج ، وذلك من خلال إقامة شبكة واسعة من العلاقات الإقتصادية والتجارية ، وفتح الأسواق الإيرانية أمام الإستثمار الأجنبي ( [136] .

عانى كل من طبقات التجار التقليدية (بازاري ، وعلماء الدين من الإضطهاد الفكري والإقتصادي ، بسبب السياسة التحديثية الموالية للغرب ، من خلال إصدار سلسلة من القرارات والقوانين التي أصدرها الشاه في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي ، التي ألزمت علماء الدين وبقية شرائح المجتمع بارتداء الزي الغربي ، وتحريم الحجاب . وقد انعكست هذه الإجراءات على ثروة التجار من خلال التهديد من تدفق البنوك والشركات الأجنبية ، وطبقة المتعهدين الجديدة التي نشأت وتنامت بمساعدة الدولة . كل ذلك قد أثر على حياة هؤلاء في مجال أرتداء الزي والتعليم والقانون والزراعة والتجارة ، مما كان له أبلغ الأثر على نفوذهم ومصالحهم الاقتصادية ، وقيمهم الإسلامية ، وتقاليدهم الثقافية . (1

6- إن الجهاز الديني كان منظما ، فقد كانت هناك لجنة عليا مؤلفة من مائتي شخص ضمت علماء الدين البارزين واساتذة الجامعات كانت تتلقى التعليمات من آية الله الخميني في منفاه . حيث قامت بنشر هذه التعليمات في صفوف الرأي العام من خلال شبكة علماء الدين التي يزيد عدد افرادها عن مائة وخمسين الفاً . وفضلا عن استفادة هؤلاء من التقنية الحديثة في نشر هذه التعليمات ومن خلال الاشرطة من منفاه . وخلال ساعات تكون آلاف النسخ من هذه الأشرطة قد جرى تسجيلها ثم تداولها في زوايا المنازل وداخل الحسينيات([137].

ان الشاه كان حصنا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ، وعليه فان كارتر استمر على بيع المعدات العسكرية للشاه بسرعة قياسية( [138] . وصل اجمالي مبيعات الأسلحة الأمريكية الى إيران الى 1,2 مليون دولار خلال 22 سنة منذ عام 1950. ووصلت قيمتها من 1972 الى 1979 الى 19,5 بليون دولار وذلك بزيادة قدرها ستة عشر تقريبا . في نهاية عام 1977 ، قام كارتر بزيادة الى إيران ، وخلالها صرح قائلا : ((إن إيران بسبب زعامة الشاه العظيمة تعد جزيرة للإستقرار في واحدة من اكثر المناطق اضطرابا في العالم([139] .

اصيب وكالة المخابرات المركزية باضطراب شديد ، ففي اب 1978 ، اصدرت الوكالة تحليلا للسياسة الداخلية الإيرانية من ستين صفحة تحت عنوان : " إيران في الثمانينات" جاء فيه : (( ان إيران ليست في حالة ثورة او حتى تمهيد لثورة . لقد عجزت الوكالة وقتئذ ان تقدم صورة واضحة عن الاضطرابات المحلية بالرغم من ان عدد وكلائها في ايران فاقوا عددهم في أي مكان اخر في العالم([140]. فضلا عن ذلك ، ان المخابرات الأمريكية اخفقت في اكتشاف حقيقة مهمة والتي تتركز في أن الشاه كان يعاني من مرض السرطان الذي لا امل له في الشفاء . لقد كان الاطباء الفرنسيون يتولون علاجه بجرعات كبيرة من الأدوية ، وهو في نفسية سيئة ، فكان يتردد في اتخاذ القرار في لحظات حرجة ، ولم تكن لديه الرغبة في توجيه قواته المسلحة او السافاك ضد معارضيه في الداخل ، الامر الذي ادى الى زيادة قوتهم . ناهيك من ان كارتر ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية كانا عاجزين في معرفة حقائق الشاه والذي هيمن على دولة تتميز شرائها النفطي وقواتها المسلحة الضخمة مع قوة اجهزة مخابراتها وهي مؤيدة للشاه ، كل ذلك قد ولد القناعة عند الإدارة الأمريكية ، انه من الإستحالة الإطاحة بحكم الشاه من قبل معارضة غير مسلحة . إن تقليل أهمية هذه العوامل من قبل الإدارة الأمريكية ، كان هو الحائل امام كارتر في فتح قنوات اتصال مع المعارضة الايرانية([141] .

زد على ذلك ، إن الإيرانيين كانوا مازالوا يحملون الولايات المتحدة مسئولية احداث عام 1953[142]( ، كان الجميع الى حد ما ، تولدت قناعة عندهم من ان وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سوف تحاول تكرار العملية . ولكن الحقيقة ، وكما اتضح لنا ، ان كارتر لم تكن لديه الرغبة في الدفاع عن الشاه ، وقد اتضح هذا عندما اتخذ قرار الاعتراف بالوضع الجديد في إيران في شباط 1979 ، مع امله الكبير في اعادة العلاقات الطبيعية معها ، وجعلها مرة اخرى تخدم الستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ، امام هذه الرواية ، كانت هناك رواية إيرانية ذهبت الى القول ، ان الولايات المتحدة سوف لن تتخلى عن الشاه ، طالما ظل على قيد الحياة ، وان المخابرات الأمريكية سوف تقود حركة انقلابية من اجل اعادة الشاه الى الحكم([143] .

والحق ، فان الولايات المتحدة كانت تعتقد بان حركة آية الله الخميني هي حركة مشايخ لايلبثون إلا ترك السلطة للعلمانيين او السياسيين بالإشتراك مع بعض المتدينين كما هي الحال في باكستان . وقد ساد تصور عندها ان بامكانها احتواء الثورة ، وربما كان اقتناع الشاه باستخدام الجيش بشكل مكثف يمثل جانباً من هذه السياسة الأمريكية التي لم تسمح له بذلك ، او تمنت عليه ان لايفعل ذلك([144].

الصفحات