أنت هنا

قراءة كتاب السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 )

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 )

السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 )

كتاب " السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979– 2011 ) " ، تأليف د. احمد نوري النعيمي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

وهذا يعني ان دعوة آية الله منتظري تتضمن الى انتخاب الشعب للولي الفقيه بصورة مباشرة امكانية مساءلته ، فهو ليس القانون ، وانما ينبغي ان يكون مساءلا من قبل الناس والدستور الإيراني([183] ، وفي هذا السياق ، يقول الشيخ منتظري : " ولاية أمر المسلمين يجب أن تكون بالإنتخاب الشعبي " ([184] . وهنا لابد من الإشارة من أن معارضي منتظري تمسكوا بمبدأ " القيادة الجماعية " المنصوص عليها في النسخة القديمة وغير المعدلة لدستور " جمهورية إيران الإسلامية "( [185] ، أي إمكانية تشكيل " مجلس المرجعية " يضم عددا من المراجع ليقوم بمهام القيادة وترددت وقتها أسماء آيات الله كلبايكاني ونجفي ومنتظري كأعضاء " مجلس المرجعية " المفترض . ([186] إذا بإمكاننا أن نقول في هذا المجال ، إن جبهة منتظري هي بالأساس في الحوزة العلمية بمدينة قم ، ، أما جبهة رفسنجاني وخامنئي فكانت شؤون السياسة في طهران وفي خارج إيران . وفي حين استخدم منتظري كل الحجج والأسانيد للتأكيد على نظرية " ولاية الفقيه " أمام باقي المراجع الذين لم يؤيدوا النظرية تماما ، كان رجال آية الله الخميني في قمة الجهاز التنفيذي والتشريعي مطالبين بتدبير أمور السياستين الداخلية والخارجية . كانت أدوات منتظري في قم ، الفقه والقلم ، وكانت أدوات رجال آية الله الخميني في طهران ، السيف والسياسة . اختلفت الأدوات ، ونظرا لإختلاف الجبهات والأدوات ، كان من الواضح أن تتضارب المصالح والأفكار بين ممثل خط آية الله منتظري في قم ، ورجال آية الله الخميني في طهران ([187] .

من هذا المنطلق رفض الكلبايكاني نظرية الفقيه والإنتظار، وتخلى عن الشروط المثالية في الامامة كالعصمة والنص ، وأكد ضرورة اقامة دولة في عصر الغيبة ، ومع ذلك حصر الحق في إقامة الدولة في الفقهاء . من هنا عد بعض فقهاء الشيعة بانه من غير المعقول ان يبقوا في حالة انتظار دون ممارسة أي دور سياسي([188].

ويعني هذا أيضا ، انه من حق الفقيه الإيراني أن تكون له ولاية عامة اذ يقوم باخضاع كل الموجودات الثابتة والمتحركة في الارض ،وتكون له الهيمنة المطلقة على المحكومين باعتباره الوصي على امور المسلمين في عصر غيبة الامام المهدي([189] .

وقد عارض آية الله منتظري([190] ، ولاية الفقيه بعد ان كان مؤيدا لها ( [191]

( [192] اذ يقول في هذا المجال : (( انني اعترضت ادخال المادة القانونية بشأن الولي الفقيه في الدستور بعد الثورة ، ولاية الفقيه هي صنيعتي ولكني ارفضها اليوم لان الفقيه حسبما كنت اريد لايعدو كونه مراقبا ينظر الى الأمور ، ويقدم نصائح الى السلطات القانونية . ولكن ما نراه هو قيام دكتاتورية اكثر استبداديا من النظام السابق باسم الدين . ومذهب أهل البيت تحت مظلة الولي التي جمعت تحتها عناصر فاسدة ومنافقة ومنحرفة لا دين لها ولا إيمان بثورة ولا باخلاق ([1].

هناك من يقول ، ان آية الله منتظري خلط بين الجانب النظري والدستوري لمفهوم ولاية الفقيه ، وسوءتقديره للمعادلة السياسية الداخلية ، فاصطدم بالعقبة القانونية في الاولى وخلط اوراق اللعبة السياسية الداخلية لغير صالح قوى التغيير في الثانية مما اربك الكثير من مقربيه السياسيين من داخل النظام وخارجه ([2].

ان آية الله منتظري ، وفي الحالتين ، أي في حالة اصطدامه مع اية الله الخميني في الثمانينات وحالة اصطدامه مع اية الله خامنئي في التسعينات ذهب ضحية لعبة اليمين المحافظ السياسية المعقدة ، تلك اللعبة التي كانت توحي له في كل مباشرة او بالوساطة ان باستطاعته صعود مسير المعارضة الداخلية ، ثم استخدام ذلك لضرب منافسيه في الداخل وهم في قمة السلطة السياسية([193] .

في الثمانينات وعندما كان الحاكم التنفيذي الفعلي ريئس الوزراء مير حسن موسوي ، في حينها ادت مداخلات آية الله منتظري المشابهة حول مدى صلاحيات الحكومة في التدخل في شؤون الناس الإقتصادية الى سقوط حكومة اليسار تحت وطأة تحريض اليمين المحافظ وقتها الذي كان يتعلل بقبول ولاية الفقيه المطلقة لآية الله الخميني . وفي التسعينات تكررت التجربة نفسها ، وان كان الحيثيات والظروف مختلف تماما ،اصيب تكتل اليسار الاسلامي نكسة جديدة حيال الرأي العام ، ولكن هذه المرة تحت وطاة تعلل اليسار الإسلامي نفسه بقبول ولاية الفقية المطلقة لآية الله علي خامنئي ، والدعوة الصريحة الى اقامة (( حكومة العدل الإلهي التي لها فيها دور للجمهور والرأي العام سوى تاييد (( الحاكم الممثل لحاكمية الله في الارض.

تلاحقت الأحداث على إيران في منتصف الثمانينات ، وبصورة خاصة بين جماعات النفوذ ، والخط المؤيد لآية الله الخميني . وفي أثناء مراسم الحج ، اكتشفت سلطات الأمن بمطار جدة في المملكة العربية السعودية خمسين كيلو غراما من مادة سيمتكس الشديدة الإنفجار مخبأة في أمتعة حجاج إيرانيين من حملة حج إيرانية زوارها من مدينة أصفهان . وتبين خلال التحقيق مع الحجاج المعتقلين أن لا علاقة لهم بتلك المتفجرات . وإعترف رئيس حملة الحج بأنه سلم الحقائب إلى الحجاج بعدتسليمها إليه من مسؤولي مديرية الحج في أصفهان . وبعد مرور سنة على الحادث ، إتهمت وزارة الأمن الإيرانية ، التي قادها محمدي ريشهري ، السيد مهدي هاشمي ، بأنه كان وراء إرسال الحقائب المليئة بالمتفجرات والسعي لإثارة الفتنة في علاقات إيران مع الدول الإسلامية ([194].

والحق استخدم خصوم منتظري تحفظات على شخص السيد مهدي هاشمي شقيق السيد محمد هاشمي زوج إبنة آية الله منتظري . وقدم مهدي هاشمي للمحاكمة بتهمة العمالة للولايات المتحدة الأمريكية ، وأعدم في محاكمة سريعة . وأستخدم هذا الإعدام لاحقا للنيل من مكانة منتظري ، وبالتالي تبرير إبعاده عن السلطة ، بوصف أن سمعته الشخصية والعائلية لم تعد فوق الشبهات . وكانت هذه القاعدة قد إنطبقت قبل منتظري على محمد شريعتمداري، نجل آية الله شريعتمداري وعلى أولاد آية الله طالقاني ، وهو ما أسهم في تحييد هاتين الشخصيتين ( [195]

كشف آية الله منتظري في مذكراته بعد ثلاثة عشر عاما من إعدام مهدي هاشمي في عام 1987 ، أن الأخير لم يكن وراء تهريب المتفجرات ، بل جهات بعينها في وزارة الاستخبارات الإيرانية ([196] . وقدر أن هاشمي أعدم لأنه كشف عن زيارة مكفارلين مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان لطهران في عام 1986 والتي أسفرت عن صفقة " إيران غيت " ، والتي حصلت إيران بموجبها على أسلحة أمريكية أثناء الحرب مع العراق([197] .

اعترف رفسنجاني ، المدير الرئيس للصفقة بحدوث قضية " إيران غيت " عندما صرح قائلا : " أنها كانت ضرورية لنا بسبب سياق الحرب وضروراتها ، إلا أنها أيضا كانت خيارا واعيا من جانبنا ، ومبادرة أطلقناها نحن ، وظلت تحت سيطرتنا في تفاصيلها كافة . وعندما أقيمها الآن أصنفها كجزء من مفاخر العمل الدبلوماسي . لكن الوضع السياسي الملوث هو الذي يسمح أحيانا للبعض أن يقول ما يشاء دون حساب . في تلك المبادرة استطعنا إيجاد انشقاق حقيقي في الإدارة الأمريكية ، وأزمة ظلت تلاحقهم لسنوات ، واقتربت من أن تتحول إلى فضيحة تشبه فضيحة ووترغيت مع نيكسون . وبالمقابل فقد إستطعنا أن نحصل على إمتيازات عديدة ، كما أنها أفادتنا سياسيا بشكل جيد ، ولم ندفع ثمنا سوى مساع حثيثة لإطلاق سراح رهائن غربيين كانوا محتجزين في لبنان ، إذ كنا نعتقد بأن البعد الإنساني للقضية كان يتطلب تدخلنا لأننا لم نكن مرتاحين لوجود رهائن . استطعنا الحصول على إحتياجاتنا من صوارخ تاو وهوغ والتجهيزات الضوئية لراداراتنا دون أن ندخل في ضرورات وتبعات المفاوضات المعروفة "( [198] .

وقد اكتسبت نظرية ولاية الفقيه مؤيدين لها في إيران الذين شغلوا عضوية مجلس الخبراء الأول الذي صاغ دستور الثورة الإيرانية ، وكان من ضمن هذه الشخصيات بهشتي ، والذي قام فيه بدور أساسي وكانت زعامة بهشتي والعمل الجماعي الذي قام به مؤيدو نظرية ولاية الفقية وموافقة اية الله الخميني كلها عوامل اساسية في اقامة نظرية ولاية الفقيه في إيران([199] .

هكذا تحولت الإجتهادات التي املت عليها الظروف السياسية الى قواعد دينية ثابتة غير خاضعة لاعادة التاويل والتفسير ، ولهذا السبب صارت الإمامة وهي نظرية سياسية قابلة للتعديل والتغيير حكمت عليها المتطلبات والظروف الوقائع المستجدة واصل ثابت من اصولها ، بل صارت قاعدة الدين واصل الاسلام :(( فمن مات ولم يعرف امام زمانه فقد مات ميتة جاهلية ..([200] .

وقد اعترض بعض شيوخ الشيعة نظرية ولاية الفقية عنه اية الله الخميني ، ومن بينهم محمد جواد مغنية واحمد الكاتب([201] .

ان هذا التفسير المعطاة من قبل آية الله الخميني للعالم الفقيه ، له علاقة بمفهوم مرجعية التقليد المطلق الذي برز الى الوجود في منتصف القرن التاسع عشر([202] هذه المرجعية تقوم على اسس متعددة اهمها مسالة الإجتهاد والتقليد ، وتبعا لذلك ولإستدلالات عقلانية وتحوطا للاحكام الشرعية ، فان هؤلاء تحدثوا عن اشتراط ((الاعلمية المراد بها ان يكون صاحبها اقوى ملكة من غيره في مجال الاستنباط فيمن يجوز تقليده وذلك في خصوص موارد الإختلاف في الفتوى ،وقد كان لهذه الفكرة الدور الكبير في السوق الكبير نحو قيام (( المرجعية كظاهرة طبيعية على امتداد المسيرة([203] .

وانطلاقاً من ذلك صار هذا المفهوم (( مرجعية التقليد المطلق ( [204] قاعدة تنظيمية راسخة تقضي بانفراد وتميز احد المجتهدين الكبار من بين اقرانه بقوة روحية عامة وسلطة مركزية جامعة تخضع لارشادتها وتنصاع لقرارتها وتوجيهاتها بقية المجتهدين([205] . ومن خلال مرجعية التقليد المطلق([206] ، صار عدد من الآيات ومن خلال النسخ والتشريع النفوذ والسيطرة على السلطة السياسية ،والاشراف على الاوقاف الدينية والحوزات العلمية واستغلالها بجمع الزكاة والخمس وصرفها وكان هذا عاملا بان يكون لهؤلاء قدر كبير من السلطة السياسية والإستقلال المالي ([1].

إن ولاية الفقيه بهذه الصورة تخلق نوعا من (( الوحدوية المذهبية لتحل محل التعددية الشعبية التقليدية المعطاة لمراجع التقليد ،وهو مايبرر البعض وجود معارضة دينية ،حيث عارض بعض الفقهاء كما اتضح لنا مركزية القرار الفقهي ([2]

ومن خلال ما اتضح ، يمكننا ايجاز مفهوم ولاية الفقيه في نظريات ثلاث[(3]:

1- نظرية إنكار ولاية الفقيه : تجرد هذه النظرية الفقهية من الولاية المطلقة مع الاعتراض في مسؤلياته في القضايا الحسبية ،ومن انصارها جمال الدين مقداد بن عبد الله السبوري المعروف بالفاضل المقداد صاحب مؤلف التنقيح الرائع في شرح الشرائع المتوفي عام 826هـ .

2- نظرية الولاية المحدودة للفقيه :تحدث عنها الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفي عام 1281 هـ والشيخ النائيني المتوفي عام 1255 هـ بموجب ذلك تحدد ولاية الفقيه في الموضوعات الحسبية والقضاء والإفتاء والتصرف في الأموال والأنفس للغيب والقصر في إقامة الحدود

3- نظرية الولاية المطلقة للفقيه ، وتبعا لذلك فان ولي الفقيه له القدرة والإرادة على اقامة الحدود وتنظيم وادارة القضاء بل عموم الولاية في ادارة المجتمع الإسلامي زمن الغيبة ومن مؤيديها :أحمد النراقي المتوفي في 1245 هـ والحسين المراغي المتوفي عام 125. والشيخ محمد حسين النجفي صاحب كتاب الجواهر المتوفي 66. هـ وآية الله الخميني([207] .

الصفحات