كتاب " دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية " ، تأليف د. ايمان محمد الطائي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية
تمهيد
تهتم الدول الكبيرة والصغيرة بالطاقات البشرية المتوفرة لديها، وتسعى هذه الدول إلى تنمية الطاقات وزيادة كفائتها، وتبحث في الوسائل والسبل التي تستطيع بواسطتها استثمار هذه الطاقة بشكل أمثل لكي تسهم في عملية بناء مجتمعها .
إن استثمار طاقات الإنسان وإمكاناته تتطلب نضجاً وتفتحاً مع استعمال العقل والتفكير؛ لذلك لا يمكن عزل هذه الحالة عن التنمية الشاملة في أي قطر، والتي يجب أن تشمل نواحي حياة الإنسان جميعها؛ من أجل معرفة قدراته، والتوصل إلى أعلى طاقاته وأقصى إمكاناته، من خلال الحرص على العلاقة بين الإنسان والتنمية الشاملة، وعلى أساس معالجة كل جزء واعتبار الهدف النهائي هو الإنسان في كل مكان.
إن النفس البشرية بحاجة إلى الطمأنينة والثقة، خصوصاً عند مواجهة الظروف الصعبة والقاسية، فإنه خلق جو من الثقة والاحترام والإرادة والاطمئنان يدفع الفرد إلى الشعور بالراحة والاستقرار ...؛ فالكثير من السلبيات التي تواجه الفرد، والضغوط الداخلية والخارجية المحيطة به، وتوتر العلاقات الاجتماعية، وصعوبة التعامل بشكل واضح وسليم مع الآخرين المحيطين به، وقلة تقدير مواقف الفرد ودوره، تؤدي إلى أحساس الفرد بشعور داخلي سلبي، والفشل وخيبة الأمل، والأسى وفقدان الهمة والتقاعس.
لقد أصبح التوتر في عالم اليوم من المشكلات الأكثر شيوعاً وانتشاراً، فالإحباط والضغوط التي يتعرض لها الفرد، سواء كان مصدرها العوامل المجتمعية أو الظروف الأسرية التي تحيط به في مجال حياته اليومية تعمل على إجهاده والإضرار بفعاليته، ويمكن للجسم من توليد طاقة زائدة تهئ الفرد للتعامل مع الظروف الطارئة، وذلك عن طريق مقاومتها أو الهرب منها، فإذا تمت السيطرة على التوتر فإنه يصبح ساراً ومحفزاً على نشاط، وأما إذا فشل المرء في مقاومة التغلب عليه فإنه ينعكس على سلوكه ويجعله غير قادر على التعامل مع متطلبات بيئته أو التوافق معها.
إن ضغط الحياة يعكس التوافق الضعيف بين الفرد والمواقف التي يتعرض لها في محيطه، إذ يحدث ذلك في المواقف التي يدرك فيها الفرد أن قدراته لمواجهة متطلبات المحيط تمثل عبئاً كبيراً عليه، وهذه المجموعة المترابطة المتزامنة من التغيرات البدنية والنفسية التي تحدث للفرد ما هي إلا عملية استعداد للتوافق مع متغيرات المحيط الضاغطة، فهي تجهز الفرد لمواجهة المعوقات والتعامل معها أو الهروب منها والانعزال عنها.
إن الحياة لا تستقيم مع الصراع غير المحسوم، سواء كان ذلك داخلياً يهز الكيان النفسي للإنسان ويحرم عليه راحة البال في وجوده الإنساني، أو كان خارجياً يهز صلته بالوجود الخارجي وبحضوره أمام الآخرين.
ويرى دارك وسميث (Darke and Smith) أن سلوك الفرد ينشأ ويتواصل من أجل تلبية الاحتياجات والمطالب التي تفرضها بيئته وحالته الذاتية؛ أي أن الفرد تواجهه معوقات تجعله يسلك سلوكاً معيناً.
وبما أننا لا نرى ما في داخل الفرد فإن مشاعره وانفعالاته التي تدفع السلوك ربما تكون مخفية عنا ... هذا إذا لم يصرح بها الفرد.
إن للأفراد حاجتين نفسيتين أساسيتين؛ الحاجة الأولى أن يحب الآخرين ويحبونه، والحاجة الثانية هي الشعور بقيمته بالنسبة لنفسه وللآخرين؛ وعندما يشعر الفرد بعدم قدرته على تحقيق حاجاته والتوافق مع الآخرين من حوله يؤدي به البحث عن وسائل للتكيف وإشباع حاجاته الضرورية.
إن أي نوع من المهارات لا يمكن أن تأتي بنتائجه المرجوة إلا عندما يشعر الفرد أنه يعيش في مناخ يتسم بالمودة والاطمئنان النفسي.
ويشير باركر (Barker) إلى أن الضغوط الحياتية تعيق التركيز وتشتت الانتباه؛ وبدلاً من أن يركز الفرد في تحقيق ذاته فإنه يركز انتباهه إلى همومه ومشكلاته اليومية.
وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن (80٪) من أمراض العصر، مثل النوبات القلبية وتقرحات المعدة، ضغط الدم ... وغيرها، بدايتها ما يتعرض له الفرد من مواقف مؤلمة، فإن استجابته لتلك المواقف تكون داخلية وجدانية.
إن اضمحلال دور الفرد الذي يؤديه، وعدم شعوره بالاكتفاء الذاتي، وأنه لا يحقق ذاته من خلال هذا الدور، فإنه ينزوي مبتعداً عنه، كونه لا يشبع لديه حاجات نفسية مهمة.
إن الضغوط الحياتية التي تواجه أفراد المجتمع، ربما تترك آثاراً على سلوكهم وصحتهم الجسمية والنفسية، وقد تؤثر على سير عملهم؛ ومن ثم ينعكس سلباً على المجتمع الذي يعيشون فيه، ويجعلهم يشعرون بأنهم تحت وطأة تهديد مستمر لكيانهم.
إن الإحباط المفاجئ في تحقيق الطموح، مع شدة الرغبة فيه والتعلق به، والتهيؤ للوصول إليه، يجعل الفرد يشعر بالحسرة والخيبة لعدم توقعه الفشل، مما يعجل بظهور الوجدانات السالبة، فالضغوط الحياتية التي تقع على الفرد تحرمه من إشباع حاجاته أو تعرضه لمواقف غير سارة عليه تدفعه للانسحاب وشعوره بالعزلة الوجدانية.