أنت هنا

قراءة كتاب دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية

دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية

كتاب " دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية " ، تأليف د. ايمان محمد الطائي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

أولاً :مفهوم الانفعالات

إن كل الانفعالات في جوهرها هي، دوافع لأفعالنا ... هي الخطط الفورية للتعامل مع الحياة التي غرسها التطور في كياننا الإنساني. وأصل كلمة انفعال جاء من الفعل اللاتيني (يتحرك) Motor التي تعني التحرك بعيداً، في إشارة إلى ان كل انفعال يتضمن نزوعاً إلى القيام بفعل ما. هذه الانفعالات التي تقود إلى الأفعال، نراها بوضوح أكثر عندما نشاهد الحيوانات أو الأطفال. وغالباً ما نجد خروجاً عن المألوف في الأفعال لمن بلغوا سن النضج و(التحضر) في المملكة الحيوانية، عندما تنفصل العواطف عن رد الفعل الظاهري .

ويلعب كل انفعال في سجلنا العاطفي دوراً فريداً، كما توضحها البصمات البيولوجية المتميزة. وقد تمكن الباحثون اليوم بالوسائل العلمية الجديدة بالغة التقدم التي أستطاعت أن ترى الجسم والمخ من الداخل بدقة، من اكتشاف مزيد من تفاصيل الكيفية الفسيولوجية التي تجهز بها العاطفة الجسم بمختلف أنواع الاستجابات. وعلى سبيل المثال :

- في حالة الغضب: يتدفق الدم إلى اليدين ليجعلهما قادرتين بصورة أسهل على القبض على سلاح أو ضرب عدو . وتتسارع ضربات القلب، وتندفع دفقة من الهرمونات مثل هرمون (الأدرينالين) فيتولد كم من الطاقة القوية التي تكفي القيام بعمل عنيف.

- وفي حالة الخوف: يندفع الدم إلى أكبر العضلات حجماً، مثل عضلات الساقين, فيسهل الهرب، ويصبح الوجه أبيض اللون شاحباً لأن الدم يهرب منه ..(ويشعر الخائف بأن دمه يجري بارداً في عروقه). ويتجمد الجسم في الوقت نفسه – ولو للحظة واحدة – ربما ليسمح له بوقت يستطيع فيه تقدير ما إذا كان الاختفاء هو رد الفعل الأفضل. وتثير دوائر المخ الكهربية مراكز الانفعالات في الدماغ, فتبعث فيضاً من الهرمونات التي تجعل الجسم في حالة يقظة تامة تسمح له بأن يكون على حافة الاستعداد للقيام بفعل ما, وتركيز انتباهه على الخطر الماثل أمامه حيث يختار الاستجابة المناسبة للقيام بها.

ومن بين المتغيرات البيولوجية الأساسية في الإحساس (بالسعادة) حدوث نشاط متزايد في مركز بالمخ يثبط المشاعر السلبية، مع تنمية الطاقة المتزايدة المتاحة في هذا المركز، فضلاً عن تهدئة كل ما يولد أفكاراً مؤرقة. ولا يحدث مع هذه المتغيرات تحول فسيولوجي خاص يحول دون الهدوء الذي يجعل الجسم يشفى سريعاًَ من الآثار البيولوجية الناتجة عن الانفعالات المزعجة. وهذه الحالة تحقق للجسم راحة عامة واستعداداً وحماسة للقيام بأي مهمة، وبذل أي جهد لتحقيق أهداف عظيمة ومتنوعة.

الحب والمشاعر الرقيقة، والإشباع الجنسي تستتبع جميعاً إثارة الجهاز العصبي الباراسمبتاوي، وهو النقيض الفسيولوجي لحشد الجسم (الضرب أو الهرب) في حالة الغضب أو الخوف. أما النموذج الباراسمبتاوي الذي يطلق عليه الاستجابة المسترخية فهو مجموعة من ردود الفعل تشمل الجسم كله، وتولد حالة من الهدوء والرضا، وتسهل التعاون مع الآخرين.

- وفي حالة الدهشة: ترفع الحواجب لتسمح بنظرة شاملة أوسع وتسمح بدخول مزيد من الضوء إلى الشبكية .وهذا يوفر مزيداً من المعلومات حول ما حدث دون توقع أثارة الدهشة، ويكشف حقيقة ما يجري بالضبط، بما يساعد على اختيار أفضل فعل مناسب للموقف.

ثمة تماثل في العالم كله في التعبير عن الاشمئزاز، بالتماثل نفسه للرسالة التي تثيره كشيء كريه الطعم أو الرائحة أو ما شابه ذلك، يتمثل في تعبير الوجه، حيث تتحور الشفة العليا إلى جانب من الفم، بينما يتجمد الأنف قليلاً لغلق فتحتي الأنف ضد الرائحة الكريهة أو حين لفظ طعام فاسد .

أما الوظيفة الرئيسية للحزن فهي مساعدة الحزين على التوافق النفسي في حالة فقدان شخص عزيز، كأحد أقاربه، أو إصابته بخيبة أمل كبيرة والحزن يؤدي إلى هبوط في الطاقة وفي الحماسة لممارسة الأنشطة الحياتية، وخاصة في مجالات اللهو والترويح عن النفس، فيما يعمق تراجع النشاط والشعور بالحزن الذي يقترب من الاكتئاب ... ويبطئ من عملية التمثيل الغذائي في الجسم. هذا الانسحاب الذاتي يخلق فرصة التفجع على الفقيد، أو الشعور بالأمل المحبط، وما يترتب عليه في حياة الحزين،ليخطط لبداية جديدة حتى يسترد قدراته وحين يفقد الشخص الحزين أو الشديد الحساسية نشاطه وقدراته، نجده يعزل نفسه في بيته، حيث يشعر بالأمان.

هذه النزعات الفطرية البيولوجية تشكلها خبراتنا الحياتية وثقافتنا فإذا فقدنا عزيزاً – على سبيل المثال – شعرنا بالحزن والألم، ولكن ما مظاهر هذا الحزن؟ وكيف نفصح عن عواطفنا؟ أو كيف نخفيها ولا نظهرها إلا في لحظات خاصة؟ هذا أو ذاك تقول به ثقافتنا التي تحدد من هم الذين نضعهم في فئة (الأعزاء) فنحزن لفراقهم.

ولاشك في أن الزمان الممتد لتاريخ التطور الذي تشكلت فيه تلك التفاعلات العاطفية، كان الواقع فيه أصعب مما يتحمله الجنس البشري بعد بدء التاريخ المدون . ذلك الزمان، كان زمن موت الأطفال في عمر الطفولة، وبقاء البالغين أحياء إلى عمر الثلاثين. كانت الحيوانات الضارية في ذلك الزمن تستطيع أن تضرب في أي لحظة. وكانت تقلبات الأحوال البيئية بين الجفاف والفيضان تعني إما الموت جوعاً أو البقاء على قيد الحياة. لكن مع ظهور الزراعة حتى في أكثر المجتمعات بدائية طرأ تغير كبير على التحديات التي تواجه بقاء البشر . وعندما ترسخ التقدم في العالم كله خلال عشرة الآلاف عام الماضية، أستمر التخفف من الضغوط القاسية التي كبحت نمو البشر من قبل

هذه الضغوط نفسها هي التي جعلت استجاباتنا الانفعالية لا تقدر قيمتها بثمن، ومع انحسار هذه الضغوط تضاءلت أيضاً أهمية بعض الجوانب موروثاتنا الانفعالية لبقائنا . وعلى حين كان الغضب الشديد في الماضي حاسماً لبقائنا، فإن مثل هذا الغضب من جانب شاب في الثلاثينات من العمر مسلح بسلاح اَلي يمكن أن تنجم عنه كارثة الآن.

الصفحات