أنت هنا

قراءة كتاب دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية

دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية

كتاب " دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية " ، تأليف د. ايمان محمد الطائي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

ثانياً : تشريح النوبات الانفعالية

إن النتوء اللوزي أو الأميجدالا (Amygdala)(1)في مخ الإنسان وهي كلمة مأخوذة من الكلمة اليونانية (Almond) تبدو على شكل لوزة تتكون من تراكيب متداخلة تقع أعلى جذع المخ بالقرب من قاعدة الدائرة الحوفية. وفي المخ (أميجدالتان) كامنتان، واحدة في كل جانب من جانبي المخ في اتجاه طرفي الجمجمة. وهذا النتوء اللوزي في مخ الإنسان أكبر نسبياً من نظيره في أقرب الثدييات منا في التطور.

كان (قرن اَمون The Hippocampus) (2) و(النتوء اللوزي) يشكلان الأجزاء الرئيسية للمخ الشمي البدائي. ومع تطورهما ظهرت قشرة الدماغ, ثم القشرة الجديدة بعد ذلك ((Eocortex، هذه التراكيب الحوفية هي التي تقوم حتى يومنا هذا بمعظم عمليات التعلم والتذكر. (الأميجدالا) هي الجزء المتخصص في الأمور العاطفية.

فإذا انفصلت عن بقية أجزاء المخ، تكون النتيجة عجزاً هائلاً عن تقدير أهمية الأحداث العاطفية، وهي الحالة التي يطلق عليها أحياناً (العمى الانفعالي Affective Blindness) ويؤدي العجز عن تقدير المشاعر العاطفية إلى أن يفقد الإنسان القدرة على التواصل مع الآخرين. ولنذكر – على سبيل المثال – حكاية شاب أُجريت له جراحة أزيل فيها من دماغه (الأميجدالا) لعلاج نوبات الصرع المرضية التي تهاجمه. بعدها تغير تماماً: أصبح غير مكترث للناس. يفضل الانطواء منعزلاً بلا أي علاقات إنسانية. ومع أنه كان قديراً في التحاور مع الآخرين، فقد بات لا يتعرف على أقرب أصدقائه، وأقاربه، حتى والدته. وظل لا يشعر بأي عاطفة في مواجهة كرب أو محنة شديدة، لعدم اكتراثه بأي شيء فمن دون (الأميجدالا) في المخ، أصبح هذا الشاب عاجزاً عن التعرف على المشاعر كلية، وأي شعور أيضاً حول المشاعر، لأن النتوء اللوزي (الاميجدالا) في الدماغ بمنزلة مخزن للذاكرة العاطفية، ومن ثم فله مغزاه, فالحياة من دون وجوده، حياة مجردة بلا أي دلالات شخصية.

ولا ترتبط بالنتوء اللوزي مشاعر الحب فقط، بل تعتمد عليه كل المشاعر الأخرى. فالحيوانات التي أُزيل النتوء اللوزي من دماغها, أو أنفصل جزء منه، تفتقر إلى الإحساس بالخوف أو الغضب، وتفقد حافز التنافس أو التعاون، كما تفقد الإحساس بموقعها في نظام نوعها الاجتماعي. فالعاطفة عندها عمياء، أو غائبة تماماً. أما دموع الإنسان فهي علامة انفعالية فريدة لا يتمتع بها سوى البشر فقط، يثيرها النتوء اللوزي، والتركيب الدماغي القريب منه, والتلافيف المحيطة به: فإذا ما كبحت هذه الدموع، وجفت الماَقي، ساعد ذلك في تسكين هذه المناطق نفسها من المخ، فتتوقف التنهدات. فمن دون النتوء اللوزي لايتمتع البشر بنعمة الدموع التي تخفف الأحزان.

ويعتبر (جوزيف لو دو Joseph Le Doux ) عالم الأعصاب بمركز علوم الأعصاب بجامعة نيويورك أول من أكتشف الدور الرئيسي للنتوء اللوزي في العقل العاطفي . وهو أيضاً عضو في جمعية أعضاؤها من العلماء المتخصصين في الأعصاب تكونت حديثاً، وقد أبتكر هؤلاء العلماء تكنولوجيات حديثة، لم تكن معروفة من قبل، من حيث دقتها في رسم خريطة للمخ في أثناء أداء وظائفه، وبالتالي كشف أسرار العقل الغامضة، تلك التي اعتقدت الأجيال السابقة من العلماء أنها أسرار لا يمكن اختراقها.

ألغت اكتشافات (جوزيف لودو) حول دورة المخ العاطفية، الفكرة التي استقرت طويلاً عن الجهاز الحوفي في الدماغ، ووضعت النتوء اللوزي في مركز الفعل، والتراكيب الحوفية الأخرى في أدوار مختلفة جداً .

وقد فسرت أبحاث (جوزيف لو دو) كيف يتحكم النتوء اللوزي في أفعالنا, حتى قبل أن يتخذ كل من العقل المفكر والقشرة الجديدة قرار ما .

لاشك في أن ما يثير الفضول لفهم قوة الانفعال وتأثيرها في حياتنا العقلية تلك اللحظات المثيرة للمشاعر, والتي نندم عليها بعد أن ينقشع عنها غبار الانفعال، ونتذكرها فيما بعد . لنضرب مثلاً بقصة تلك الفتاة التي قادت سيارتها على مدى ساعتين إلى مدينة بوسطن لتقضي اليوم مع صديقها، وتتناول معه غداء مبكراً . وفي أثناء تناولها الغداء ، قدم لها صديقها هدية كانت تريدها منذ شهور، عبارة عن لوحة فنية إسبانية من الصعب أن تحصل عليها. لكن فرحتها تلاشت تماماً في اللحظة التي اقترحت فيها على صديقها أن يشاهدا معاً فيلما في حفل بعد الغداء، عندما قال لها إنه لايستطيع أن يقضي معها اليوم بأكمله، لأنه مرتبط بموعد التمرين في رياضة السوفتبول (Softball). شعرت الفتاة بأنه جرح مشاعرها وأنتابتها حالة من الشك، جعلتها تنفجر في البكاء وتترك المكان، وتلقي باللوحة الهدية بانفعال في صندوق القمامة، وبعد شهور من هذه الواقعة، وهي تسترجع الحادث، شعرت بالندم على انسحابها، لكنها كانت قد فقدت اللوحة الفنية الجميلة.

وهكذا، عندما يسيطر الشعور الانفعالي على العقل – في مثل هذه اللحظات – يكون دور (الأميجدالا) الذي اكتشف حديثاً، بالغ الأهمية. فالإشارات الآتية من الحواس, تدفع (الأميجدالا) إلى إلقاء نظرة عاجلة على كل تجربة مثيرة للقلق والإزعاج.

الصفحات