كتاب " عندما كنت وزيراً - سيرة ومشاهدات عراقية " ، تأليف د. عبد الأمير رحيمة العبود ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب عندما كنت وزيراً
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أيام الطفولة 1937-1943
في الثلاثينيات والأربعينيات كانت عائلتي تسكن في بيت صغير، مبني من الطابوق، في محلة السراي، وكان هذا البيت يتكون من ساحة كبيرة مفتوحة في وسطه على نمط البيوت الشرقية، تحيطها أربع غرف صغيرة وإيوان، وغرفة أخرى تقع في واجهة الدار كانت عائلتي تخصصها للضيوف، إحدى هذه الغرف كانت تستعمل لنومنا سوية أنا وأخي وأبي وأمي، والأخرى تعيش فيها جدتي ((سكينة))، وعندما ماتت قبل أن أرى النور استعملتها عائلتي مخزناً للمواد الغذائية وغيرها من شؤون البيت. والغرفة الثالثة كنا نستعملها لمعيشتنا فترة الشتاء وهي تحتوي على فراش بسيط على الأرض، أما الغرفة الرابعة فكانت تستعمل مطبخاً وهي لا تحتوي إلا على التنور الحجري الذي كانت تستعمله أمي لتحضير الخبز لنا، أما إعداد الطعام فكانت والدتي تستعل الحطب للطهي وهي جالسة على الأرض حيث لا يوجد آنذاك أي جهاز نفطي أو كهربائي لطهي الطعام، ولهذا كانت أمي تستنفد جلّ يومها في غرفة المطبخ لإعداد الطعام، وكم كان هذا العمل يرهقها حينما يتدفق على دارنا الضيوف من أقاربنا الذين كانوا يترددون علينا دائماً، والضيوف الذين يدعوهم والدي بين الحين والحين.
كنا نستعمل ((الحب)) و((الحبّانة)) لشرب الماء، وهما إناءان فخاريان لخزن الماء في الحب وهو الإناء الفخاري الكبير، الذي ينضح منه الماء صافياً فيسقط على شكل قطرات في الحبّانة التي توضع تحت الحب مباشرة، وهذان الإناءان الفخاريان هما الوسيلة لتبريد الماء وقت الصيف حيث لم تستعمل الثلاجة آنذاك .
ولم يكن لدينا كغيرنا من العوائل اسالة للماء، وكان يزودنا بالماء من النهر الذي لا يبعد عن بيتنا إلا عشرات الأمتار السقّا ((بهلول)) رحمه الله وهو رجل ضرير، طويل القامة، يقوده ابنه الصغير حسن، وكان يحمل على كتفه عصا طويلة تنتهي بإناءين كبيرين يستعملهما لملء الماء ونقله.
غير أن العوائل الميسورة الحال في مدينتنا هي التي يزودها السقا بالماء، أما بقية العوائل فقد كانت نساؤهم هن اللواتي يحملن الأواني على رؤوسهن لكي يزودن عوائلهن بالماء من النهر.
أما الإنارة فقد كانت عائلتي كغيرها من العوائل تستعين بوسائل الإنارة النفطية ((كالفانوس)) و((اللمبة)) حيث لم توجد الكهرباء في مدينتنا آنذاك، والشوارع الرئيسية في المدينة كانت هي الأخرى تضاء بالفوانيس وقت الليل، وأذكر أن الموظف ((نعمة)) كان يأتي إلى شارعنا في كل مساء، حاملاً درجاً خشبياً على كتفه لكي يستعمله في الصعود لغرض تنظيف الفوانيس وإشعالها قبل أن يحل الظلام .
وكان تحوُلاً أراح والدتي وغيرها من نساء المدينة عندما دخل الأسواق جهاز ((البريمز)) وهو جهاز نفطي صغير يستعمل للطهي بدلاً من الحطب. لقد كانت والدتي رحمها الله تمضي يومها من الصباح حتى المساء في تدبير شؤون المنزل من طهي وغسل ملابس وتنظيف الدار، وكانت لا تغادر بيتنا إلا نادراً في مناسبات متباعدة إما لزيارة أهلها أو لمناسبات الأفراح والأحزان .
كانت جاراتها ((زنّوبة)) و((طيارة)) و((الحاجة طاهرة)) يترددن عليها أحيانا خلال فترة الضحى أو عند المساء، فيجلسن في فناء الدار ويتبادلن الحديث حول همومهن، وكان همّ أمي هو الخوف علينا أنا وأخي من المرض، بعد أن فقدت بسببه ثلاثة من أولادها ، ولهذا كانت تتوسل الأدعية والنذور لحمايتنا من الحسد والمرض، وكانت تستمع بآذان صاغية لنصائح صديقاتها حول أنواع النذور والأدعية والأحجار الكريمة الطاردة للحسد والواقية من المرض .
****