كتاب " مع الحركات الإسلامية في العالم " ، تأليف حسام تمام ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب مع الحركات الإسلامية في العالم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
التحديث حين يضرب في قلب الطرق الصوفية في السودان
شهدت السنوات الماضية بزوغ وانتشار ظاهرة الدعاة الجدد، بدأت في مصر ومنها انتشرت في بلاد عربية وإسلامية أخرى، وجذبت اهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين، وقد كانت وجهة نظر البعض أن القول بتعميم الظاهرة وقابليتها للانتشار في كل مكان ربما يكون تعميما يفتقد الدقة، وكان من الصعب – مثلا – الحديث عن إمكانية أن يظهر تيار الدعاة الجدد ويعرف طريقه في بلد كالسودان، فهي تخضع لحكم جبهة الإنقاذ الإسلامية التي كانت أول حركة إسلامية تصل للسلطة في العالم العربي وتعلن إقامة الدولة الإسلامية لتطبيق ما أسمته بـ " المشروع الحضاري الإسلامي"، كما أنها أكبر قلاع التصوف في العالم العربي التي تسيطر عليها الطرقية بما لا يدع لداعية مستقل عنها سبيلا إلي الناس.. وأذكر أنني في زيارة للشيخ حسن الترابي في منزله وجدت وفودا من الطرق الصوفية تزوره والرجل يجلس معها ويحدثها بنفس طريقتها وحين انصرفت ردد معها الأذكار الصوفية وحياهم بطريقتهم..ساعتها سألته مستغربا موقفه المتشبه بالطرقية وهو أشهر زعماء الإسلام السياسي فقال: من يتجاوز الصوفية في السودان فليبحث عن بلد آخر إذ لن يكون له مستقبل فيها!
كان رأيي أن ظاهرة التدين الجديد التي انتشرت في كثير من البلاد العربية ربما لن تشهد امتدادا لها في السودان، غير أنني حين زرتها وبحثت عن ظاهرة الدعاة الجدد وجدتها ولكن متدثرة بالعباءة الصوفية في أبهى صورها.
***
أول ما نزلت السودان سألت عن الشيوخ الشباب ممن لهم حضور في أوساط الشباب وتأثير، فأجمع الأصدقاء على أنه الشيخ الأمين عمر الأمين شيخ الزاوية المكاشفية القادرية في أم درمان.. لخص لي البعض ظاهرة الشيخ الأمين بقوله " شيخ "مودرن" ..كلامه جيكسي ( أي مثل كلام الشباب الخنافس الروش ) ومحايته بيبسي ( والمحايا هي الماء المبارك الذي يوزعه الشيخ الصوفي على مريديه!!
وفي يوم جمعة ذهبنا – ومجموعة من الأصدقاء السودانيين- إلي زاوية الشيخ في أم درمان لحضور حضرته ودرسه الأسبوعي الذي يجمع مريديه وجمهوره..فكانت أغرب حضرة لشيخ صوفي يمكن أن تراها، فهي الصوفية الجديدة في أحدث وأغرب طبعاتها.
حين تزور هذه الزاوية لابد وأن تراجع الصورة التقليدية عن زوايا الصوفية فهي ليست – كما استقر في وعينا- المكان النائي البعيد الذي يشبه كثيرا أديرة الرهبان، أو المكان الذي يأوي إليه الفقراء المعوزون أو قبلة المنصرفين عن الحياة الهاربين منها بحثا عن النجاة، بل هناك صورة مختلفة تماما إلي النقيض.
فهي في حي من الأحياء الراقية، ملحقة بفيلا واسعة لشيخها الأمين، وتطل على ساحة كبيرة، وما تكاد تقترب حتى تفاجئك طوابير لأفخم السيارات تشغل الشارع المؤدي إليها والشوارع الجانبية منه، بل وستجد صعوبة في الوصول إليها بالسيارة بسبب الزحام الشديد الذي يؤدي- كما قيل لي - إلي أزمة مرورية في كل درس أو حضرة.
وتزداد الدهشة مع تصفح جمهور الحضور فالغالبية العظمي من الشباب الذين تطل من وجوههم إمارات اليسر والنعيم والانتماء لعائلات وطبقات اجتماعية جد ميسورة ومميزة..تعرفت على بعضهم : مهندسون وأطباء ومحامون ورجال أعمال، أحدهم يعمل مهندسا في الحاسب الآلي ,هو الذي تولي تعريفي بالزاوية والحضور الذين كانوا قد انتهوا لتوهم من حضرة في الساحة وافترشوا الحصير – حصيرا مميزا غير الذي عرفت به زوايا الصوفية- انتظارا لصلاة المغرب. الجميع يرتدون الزي الأخضر، وهو زي اقترحه الشيخ الأمين لأتباعه، ولكنه ليس الأخضر الباهت الذي عرفته به الصوفية ..بل هو اخضر فخم وبراق وموشى
بلون أحمر.
من بعيد كنت قد لمحت الشيخ الأمين يحدث مريديه عن أهمية ويقوي همتهم ويدعوهم إلى عدم الاهتمام بالنقد الذي يوجه لهم وله، فقد كان هناك الكثير من الشيوخ التقليديين من يكثرون من نقده ، كما علمت، ويؤكد لهم أن نقده وسبابه دليل على أنهم على الصواب وأنهم يسيرون في الطريق الصحيح!
***