أنت هنا

قراءة كتاب مع الحركات الإسلامية في العالم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مع الحركات الإسلامية في العالم

مع الحركات الإسلامية في العالم

كتاب " مع الحركات الإسلامية في العالم " ، تأليف حسام تمام ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 9

الشيخ الأمين هو نموذج جديد تماما على الطرق الصوفية، فهو شاب لم يكن قد جاوز الثامنة والعشرين حين تم تشييخه عام 1992 في الطريقة المكاشفية على يد الشيخ عبد الله بن الشيخ يوسف قرشي المكاشفي المعروف بـ ( ود العجوز )، وكان غريبا وقتها أن يخصه الشيخ بهذه المكانة في طرق عرفت باحترام تقديم الكبار والأخذ عنهم، وقد بدأ دعوته معتمدا على أصدقائه الذين اختار منهم خليفتيه ( الأول مرتضى البنا، والثاني أيمن عمر).

الشيخ الأمين لم يتحصل على دراسة دينية منظمة بل هو من خريجي التعليم المدني، فقد جاز المرحلتين؛ المتوسطة والثانوية من مدرسة أم درمان الأهلية، ثم سافر للدراسة بالسعودية فالتحق بجامعة الملك عبد العزيز لم يدرس العلوم الشرعية وإنما درس إدارة الأعمال وحصل فيها على شهادة البكالوريوس!

عمل الشيخ الأمين في البيزنس، وهو يدير استثمارات خاصة به في مدينة دبي، وهو إضافة إلي ذلك صاحب ومدير توكيل إحدى شركات التكييف العالمية بالخرطوم، فهو –بلغة العصر- بيزنس مان.

اصطحبني بعض مريديه إلي بيته للقائه بعد الدرس فإذا به فيلا واسعة كبيرة أشبه بقصر، جلست في صالة استقبال الضيوف فرأيت على إحدى الحوائط صورة كبيرة له بحجمه الشخصي يرتدي فيها العباءة الخضراء وخلفيته السماء يبدو فيها وكأنه أشبه بملاك يحلق في السماء..والشيخ الأمين بالمواصفات السودانية والأفريقية رجل وسيم فهو طويل وعريض قوي البنية في وجهه قوة وجرأة تشبه ملامحه – إلي حد كبير- الزعيم الأمريكي الأسود مالكوم إكس أو الحاج مالك شباز بعد إسلامه!

***

بعد الحضرة الصوفية التي تبدأ العصر وتنتهي مع أذان المغرب، وهي أشبه بالذكر المعروف عند الطرق، يجلس الحضور في مربع يكمل ضلعه الرابع الشيخ الأمين ومن يستضيفهم من شيوخ الزاوية الكبار، وفي خلف الشيخ تجلس غير بعيد عنه النساء والفتيات في صحبة زوجته على الكراسي – وليس الأرض كالرجال والشباب، وكل الجمهور أو جلهم من الشباب تقريبا، وزوجته سيدة في منتصف العمر، حسنة المظهر أنيقة الملبس تحيط بها مريدات الشيخ كما الأميرة أو الملكة غير المتوجة، ويحرصن على التبرك بها.

حكي لي صديق عن الفرح الأسطوري الذي أقامه الشيخ الأمين لعرسه، ونوعية الحضور والتساهل في الأزياء وأجواء الرفاهية والبذخ التي صاحبته على غير المعتاد عند المتصوفة ..وهو في دروسه- وفي الدرس الذي حضرته- يؤكد على ذلك، ويتساءل مستنكرا اتهامات معارضيه: وما المانع؟ ولماذا لابد وأن يكون المسلم فقيرا ؟ ولماذا لا تكون للمسلم الدنيا ومن عليها؟..هو يتحدث دائما عن أعدائه وخصومه الذين يغارون منه ويحسدونه ..ويقول متهكما: إن أفضل الدعاء " اللهم زد حسادي"!..لأن كثرة الحاسدين دليل النجاح!.. هو نفسه يمتلك أكثر من سيارة على أحدث موديل وربما لا توجد منها إلا عدد قليل في السودان كله ..وحين يتحرك ففي موكب تسبقه وتليه سيارات مرافقيه في طقوس تشبه مواكب الأمراء والملوك!

***

للشيخ الأمين طريقة جديدة في الدرس الصوفي وفي العلاقة بين الشيخ والمريد التي يخلق فيها حالة من التواصل بينه وبين جمهوره وليست بطريقة التوجيه المباشر من الشيخ إلي المريد، فهو يدير الدرس بطريقة تقوم على المشيخية التي تغلفها وتكسوها روح الأخوة والتباسط والشبابية التي تفرضها شخصية الشيخ وأعمار المريدين...يتحدث الشيخ الأمين باللغة السودانية الدارجة التي تمتلئ بالأمثال العامية والقصص المحلية، وهو ما يقربه كثيرا من أوساط الشباب ولكنه يعوق انتشاره خارج السودان حيث تبدو اللغة والاقتباسات غريبة على غير السودانيين خاصة وأن الفضاء الإعلامي العربي لم يعتد اللهجة السودانية ولم يألفها من قبل سواء في الدراما أو الدروس الدينية، وإن كان لا يمنع ذلك من انتشارها في أوساط الجاليات السودانية – وهي كثيرة – بالمهجر. وقد أعطي الكلمة لأحد مريديه الذي افتتح زاوية للطريق المكاشفية القادرية بالولايات المتحدة، كما نوه إلى زاوية أخرى بأمستردام.

وبسهولة يمكن ملاحظة مساحة التجديد التي يقوم بها الشيخ الأمين في العلاقة مع شيوخ الطرق من ناحية ومع المريدين من ناحية، فهو يتقرب من مريديه ويخالطهم كأنه واحد منهم ولكنه يحتفظ في الوقت نفسه بمسافة معهم تفرض عليهم كل طقوس الاحترام والتبجيل المعروفة عند المتصوفة مثل تقبيل اليد والمبالغة في الإجلال والتوقير..وهي العلاقة نفسها التي يقيمها مع شيوخ الطرق: الوقوف في منزلة بين المنزلتين؛ بين تأكيد الارتباط بهم والاستقلال عنهم ، في الوقت نفسه. فهو الذي يدعو شيوخ الطرق للحضرة والدرس، وهو الذي يقدمهم في درسه ..يجلسون معا على الأرض لكنه يتقدمهم بدون أن تكون التقدمة ظاهرة، ثم هو الذي يتفاعل مع الجمهور يوجههم ويختار منهم من يتحدث ويسأل، وهو الذي يوزع على المشايخ تساؤلاتهم ليجيبوا عنها، ورغم هالة التقدير التي يحيطهم بها والثناء الذي لا يكف عن توجيهه لهم والإجلال من شأنهم وتوقيرهم إلا أن الحاضر لن يتعب كثيرا في تتبع كيف يرسخ لسلطته الروحية هو..فهو- في النهاية- الممسك بزمام الحضرة والمسير لها.

كان الدرس في أوجه حين قدم وفد من كبار شيوخ الزاوية المكاشفية القادرية يمرون لتفقد الزاوية ومتابعتها فأوقف الأمين الدرس وقام ومعه الحضور تقديرا مذكرا بقول النبي صلي الله عليه وسلم : " قوموا لسيدكم " ..ثم قام بتقديم طقوس الاحترام والتبجيل للمشايخ وأشاد بهم وأكد على ربط نفسه بهم ..وربما نجح في تأكيد تبعيته لمشايخ الطريقة غير أن الواقع يؤكد أن كل هؤلاء الشباب إنما جاءوا له وليس لهؤلاء المشايخ وأن ارتباطهم الحقيقي به هو وليس بمؤسسة الطريقة التي يجتهد في أن يؤكد انتسابه لها وارتباط أسبابه بشيوخها، رغم أنه تجاوزها بالفعل!

الشيخ الأمين صار مركز الزاوية ليس في الخطاب وإدارة العلاقات فقط بل وفي القيام على أمور الزاوية وهي أمر يتجاوز مجرد الوعظ والإرشاد فالزاوية- بتعبير أهلها- " مكان لا تطفأ له نارٌ، ولا يتكأ له قدر"، فهو الذي يدبر أمر النفقة على الزاوية، ومن أهم نفقات الزاوية نفقة الطعام والشراب الذي لا يتوقف طوال اليوم ويقوم عليها مقدم يعينه الشيخ الأمين.

***

الصفحات