كتاب " نقد الشاعر فى مدرسة الديوان " ، تأليف د. أحمد يوسف علي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب نقد الشاعر فى مدرسة الديوان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المقدمة
هذا البحث رصد للحوار النقدي حول ابن الرومي، دفع إليه غموض جوانب هذا الحوار النقدي القديم، على الرغم من ثراء الحوار النقدي القديم حول شعراء عديدين أمثال أبي نواس، والبحتري، وأبي تمام، وابن المعتز، والمتنبي وغيرهم. إن الحوار النقدي القديم الذي دار حول ابن الرومي يحتاج إلى من يستوضحه ويستجليه، فيوفي جوانب النقص، ويوضح ما غمض من جوانب هذا الحوار بالقياس إلى ما حدث من حوار حول شعراء آخرين. لذا كان غموض جوانب الحوار النقدي القديم دافعاً قويا للحوار النقدي الحديث حول ابن الرومي، وهو حوار نشأت بداياته مع مطلع القرن العشرين، مع نشوء الوعي بالتراث وإعادة قراءته وصياغته على هدى من مبادئ النهضة الفكرية الحديثة التى حمل لواءها روادها ابتداء من رفاعة الطهطاوي ومرور بأحمد لطفي السيد، وطه حسين، والعقاد، وهيكل، وأحمد أمين، واستمراراً بتوفيق الحكيم وما تلاه من أجيال إلى الآن.
وقد اهتم هذا البحث بمستويين من مستويات هذا الحوار: الأول ما كتبه مجموعة من الكتاب الذين عاشوا أجواء هذه النهضة في بداية القرن العشرين، وتمثلوا مبادئها، وأفكارها، فكانت علامات هداية فيما قرءوا من التراث، وفيما كتبوا عنه وقد مثل ابن الرومي لهؤلاء الكتاب ظاهرة متميزة من الشعراء العرب والمسلمين في تراثنا كله، ورأوا أن هذا التميز مردود إلى أنه الشاعر الذي استمع إلى صوت وجدانه، أكثر مما استمع إلى أصوات الآخرين، في زمن كان الشاعر يصغى فيه أولاً إلى أصوات الآخرين أكثر مما يصغى إلى صوت وجدانه، وكان هؤلاء الكتاب متطلعين إلى البحث عن النموذج الفردي الذي يدعم لهم مواقفهم الذاتية والثقافية في حاضرهم، لذا كان ابن الرومي شاعرهم الذي توحد معهم، أو توحدوا معه، على الرغم من أن هؤلاء الكتاب لم تكن لتضمهم مدرسة، أو تيار، له رؤية فكرية وجمالية، وموقف اجتماعي، بل كانوا فرادى يحركهم الشوق إلى استطلاع تراثهم للكشف عما هو جوهري فيه، من أجل أن يتجاوزوا به ومعه هوة التخلف الثقافي والاجتماعي في واقعهم، وأن يحقق لهم هذا التجاوز تحقيق ذواتهم وخلاصهم وخلاص الوطن من أزمته السياسية في الحرية، وفي وجود المحتل الأوروبي. لذا شئنا أن نسمى هذا المستوى من الحوار "حوار بلا ضفاف" تعددت فيه الأصوات، وتباينت فيه المداخل وتوحدت فيه المنطلقات الوجدانية والفكرية على السواء. ولقد لمسنا أصوات هذا الحوار على صفحات الدوريات العربية التى صدرت في القاهرة وحلب ولبنان، وبعض الكتب المتفرقة. إن ما ميز هذا المستوى من الحوار تعدد أصواته، دون أسوار مذهبية أو مدرسية تحكمها، فكانت هذه الأصوات حرة، كل الحرية، في نظرها للشاعر وللعصر، ولم يكن يجذب كلا منها إلى الآخر إلا توحد المنطلق الوجداني الفكري الذي فرضته مبادئ النهضة الفكرية من ضرورة العودة إلى القديم لاكتشاف أصالته وفرديته ونموذجيته.
أما المستوى الثاني من الحوار، فكان مستوى محكوماً بفكره الجمالي، والفلسفي ومشاركاً أصيلاً في صنع النهضة الفكرية الثقافية الحديثة. وكان هذا المستوى بحكم فكره الجمالي والفلسفي يتطلع إلى التراث بوصفه ركيزة أساسية من الركائز التى تدعم موقفه الاجتماعي ورؤيته الجمالية والفلسفية. وقد مثل هذا المستوى مدرسة الديوان أو جماعة الديوان وهم العقاد وشكري والمازني. فلم تكن هذه الجماعة حينما تناولت قضية التراث – بريئة في تناولها من تأثير فكرها على أنظارها، ولم يكن التراث بالنسبة لها مجرد حقل علمي يشبعون به هواياتهم العقلية، بل كان مجالاً خصباً يزود هذه الجماعة بكل الأدلة والنماذج التى تثبت صدق مبادئهم وأفكارهم، وصدق دعواتهم ومواقفهم من القديم والجديد في واقعهم الثقافي.