كتاب " الأوركيديا " ، تأليف علياء بيضون ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الأوركيديا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الاول
بيروت هذه المدينة الخلّابة الواقعة على الضفة الشرقية للبحر المتوسط، هي بالرغم من صغر مساحتها تحتل مكانة خاصة في العالم لصفات عدة فيها... ومازالت على الرغم من الحروب التي عانتها والأخطار التي ما انفكت تتربص بها، كالمرأة الحسناء القوية المتكاملة المتجددة، التي تثير غيرة الجميع، والجميع يريدون الحصول عليها.
ذات يوم ـ في أحد أحيائها ـ سُمع دوّي صراخ عال من منزل تسكنه عائلة من آل سعيد. كانت هذه العائلة مؤلفة من الأب والأم وهما طبيبان وأربعة أبناء، ثلاثة منهم مشوا على خطى والديهم في دراسة الطب والأخير الأصغر سناً (نادر)، لم يفلح في العلم ولكنه أصبح من أشهر عارضي الأزياء في العالم العربي بالرغم من صغر سنه.
في ذلك المنزل كانت السيدة سعيد تصرخ: نادر، أرجوك استيقظ يا نادر. لم يستجب نادر لنداء والدته، فقد ظل ممدّداً على أرض غرفته دون أية حركة وعيناه معلقتان في السقف، انهمرت منهما الدموع، وببطء شديد أغلقهما ثم فقد وعيه. ظَل على تلك الحال لمدة أسبوع، لا يستطيع تحريك جسده أو النطق بكلمة. وما لبث أن فارق الحياة تاركاً عائلة محطمة ولغز وفاته الأليمة.
لم يكمل نادر دراسته ولم تكن لديه موهبة خاصة، كان فقط يملك الوسامة، علماً بأن الغيرة كانت تتملكه في معظم الأوقات من إخوته، لكنه لم يعبر عنها قط، وظل يحرص على مقاومتها.
ما كان فعلاً يزعج نادر، هو أن أحداً من أسرته لم يتعامل بجدية معه، ولم يكف إخوته عن السخرية من بعض أحاديثه التي تأخذ منحى التهريج أحياناً للفت انتباه الآخرين إليه، فيزيد ذلك من شعوره بالإحباط إلى حدِّ كراهية نفسه أكثر فأكثر، عندما يلعب هذه الشخصية الفكاهية اللعينة لتبرير فشله ولم يكن لديه حل آخر.
كان نادر الأكثر وسامة بين إخوته، ولكنه لم يكن قانعاً بذلك، لأن الوسامة ليس لها شأن في الوسط الاجتماعي للأسرة. لقد كان يشعر دائماً أن أمه وإخوته يخجلون منه ولا يبدون حماسة لوجوده معهم في المناسبات الاجتماعية. وفي كل مرة كان نادر ينظر إلى المرآة فيرى إنساناً بشعاً، وعندما كان الناس، وخصوصاً الفتيات ينوّهن بوسامته لم يكن يعنيه ذلك.
لقد كان قاسياً جداً على نفسه، وفي حالة صراع معها، واعتاد قبل نومه تذكّر اللحظات الحرجة التى مرت في يومه. كان يكتب كل أفكاره في دفتر، إذ يساعده ذلك على الخروج من غضبه، والسيطرة على المشاعر والرغبات الشريرة في نفسه. كانت طبيعته مسالمة فلم يؤذِ أحداً، حتى أنه حاول كتابة قصائد متواضعة تعكس معاناته، ومنها:
«في مكاني أراوح كمياه صامتة أوقفها السد
كأنني في بئر ليس لقاعه حد
ما هو الهدف؟ أتساءل وليس هناك من رد
سأحاول ان أجد نفسي اليوم كي لا أفقد الغد.»